ألا من رؤية للتعليم؟! - أمل أبو ستة - بوابة الشروق
السبت 11 يناير 2025 6:50 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ألا من رؤية للتعليم؟!

نشر فى : السبت 15 مارس 2014 - 8:35 ص | آخر تحديث : السبت 15 مارس 2014 - 8:35 ص

لماذا نتعلم؟ ما هو الهدف؟ ما هى رؤيتنا لما نود تحقيقه من التعليم فى السنوات القادمة؟ ما هو الهدف من إدخال أى مستجدات على الوضع الحالي؟ بينما تنحصر أقصى طموحاتنا فى تغيير الكتاب المدرسى وإبادة الأمية وبناء مدارس جديدة كما أعلن وزير التربية والتعليم فى حديثه عن الخطة المرحلية لتطوير التعليم فى السنوات الثلاث القادمة، ينشغل العالم بإعادة النظر فى جدوى نظم التعليم التقليدية وإعادة تقييم أهداف التعليم وإعادة تعريف متطلبات العصر من التعليم.

يقول لنا سير كين روبينسون الباحث الإنجليزى فى مجال التعليم أن الهدف من التعليم اختلف بشكل جذرى عن الهدف منه فى العقود السابقة. فبينما أوجد التعليم بشكله النظامى المتعارف عليه استجابة لمتطلبات اقتصادية وصناعية فى الأساس إلا أن المتغيرات التى شهدها العالم فى العقدين الأخيرين ينبغى أن تدفعنا لإعادة النظر فى شكل التعليم والهدف منه. فطبقا لدراسة أجرتها شركة آى بى إم والتى استطلعت من خلالها آراء 1500 من رؤساء لشركات فى 33 مجال مختلف فى 60 دولة مختلفة حول أهم ما يبحثون عنه فى موظفيهم الجدد، أتى على رأس تلك المتطلبات: 1) القدرة على الإبداع، و2) القدرة على التكيف سريعا مع المتغيرات واغتنام الفرص المتاحة لصالح العمل. إلا أن التعليم بشكله الحالى لا ينمى فى الطالب هاتين القدرتين، بل هو يقتل أى محاولة للإبداع ويحث الطالب على التطبع بقوالب نمطية ويتوقع منه ألا يحيد عنها.

ويتابع سير كين روبينسون حديثه عن أن فهمنا لتلك الفجوة بين ما يحققه التعليم وبين ما يحتاجه العالم من المتعلمين يعنى أن الهدف من التعليم يجب أن يتحول إلى إتاحة الفرصة للطالب للإبداع، وتوفير المساحة لكل طالب لاكتشاف مواهبه وميوله الشخصية لكى يتمكن من الإبداع فى المجال الذى اختاره. ولكى يحدث كل هذا يجب أن يستمتع الطالب بالعملية التعليمية وأن ينصب دور المعلم حول تنبيه وإثراء غريزة الشغف وحب الاستطلاع لدى الطالب، والتى يثبطها النظام التعليمى بشكله الحالى بعد أن أصبح النجاح فى الامتحان هو الهدف من الدراسة النظامية وليس التعليم فى حد ذاته.

•••

وربما نفاجأ إذا علمنا أن سير كين روبينسون يتحدث بالأساس عن نظم التعليم فى إنجلترا وأمريكا. ولا أعلم إن كان على دراية بما يحدث فى مصر حيث انتشر وباء الدروس الخصوصية فى جميع سنوات الدراسة، وحيث يخرج علينا كل سنة أميون حاصلون على الشهادات الابتدائية والإعدادية، وحيث تفشى الغش بشكل مخيف على نحو نسف العملية التعليمية من أساسها.

يقول لنا سير كين روبينسون إنك لا تحتاج إلى الكثير لتوفير تعليم ذى جودة عالية. فالعملية التعليمية يمكن أن تتم بجودة فائقة إذا اهتممت فقط بشخصين: المعلم والمتعلم وبشكل العلاقة بينهما. فالمعلم والطالب هما محور العملية التعليمية واهتمامك بهما معا هو شرط نجاح تلك العملية. وبشكل أساسى، إذا فهم المعلم أن دوره يتمحور حول خلق فرص للطالب لكى يتعلم وأن عليه أن يكون مصدرا لإلهام الطالب وتشجيعه على المحاولة والبحث والإبداع، وإذا تمكن من أدواته للقيام بهذا الدور، ضمنا تعليما ناجحا.

كثير من المبادئ التى يحدثنا عنها سير كين روبينسون هى مبادئ قامت عليها التجربة الفنلندية الحديثة فى التعليم والتى أثبتت من خلال اختبارات مقارنة أنها من أفضل نظم التعليم فى العالم.

•••

وبناء على جميع ما سبق، فلا يستقيم أبدا الحديث عن إصلاح التعليم دون الحديث عن إصلاح وضع المعلم الاقتصادى أولا وتأهيله ثانيا وتغيير نظام تقييم الطالب ثالثا. ولا يستقيم أبدا الحديث عن إصلاح التعليم دون الحديث عن رؤية واضحة للتعليم والهدف منه. ولا يستقيم أبدا الحديث عن إصلاح التعليم دون فهم كامل لأسباب مشاكله.

حينما تحدث وزير التعليم عن خطته لم يوضح لنا رؤيته، ولم يوضح لنا كيف ستؤدى هذه الخطة لحل مشاكل التعليم فى مصر، ولم يوضح لنا كيف ستضمن هذه الخطة لنا ألا يتخرج مزيد من الأميين، ولم يوضح لنا كيف ستحل تلك الخطة مشكلة الدروس الخصوصية التى يعانى منها كل بيت فى مصر ماديا ومعنويا، ولم يوضح لنا كيف ستساهم تلك الخطة فى حل أزمة البطالة الطاحنة بين حاملى الشهادات العليا والمتوسطة.

لا أنكر أن بناء مزيد من المدارس والعمل على محو الأمية فى بعض المحافظات هدفين ــ إن تحققا ــ يستحقان الثناء، ولكن فى غياب رؤية شاملة لإعادة بناء النظام التعليمى فى مصر وفى غياب وضع المعلم على رأس أولويات الوزارة، فالأمر لا يعدو ترقيعا لنظام هو فى الأساس مهترئ.

التعليم هو الحل.

أمل أبو ستة حاصلة على دكتوراه فى أبحاث التعليم من جامعة لانكستر بانجلترا
التعليقات