أوروبا تؤجل يوم حسابها - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:37 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أوروبا تؤجل يوم حسابها

نشر فى : الأحد 16 مايو 2010 - 10:24 ص | آخر تحديث : الأحد 16 مايو 2010 - 10:24 ص

 أقدم الأوروبيون على شىء طالما تحدثوا عنه نظريا، لكنهم نادرا ما حققوه فى الواقع، وهو اتخاذ موقف مالى جماعى فى مواجهة الأزمة.

فقد كشف الأوروبيون النقاب عن حزمة ضخمة وشجاعة من إجراءات الإنقاذ فاجأت المشككين فى اليورو. وقال مدير أحد أكبر صناديق التحوط: «كنا قلقين من حدوث هارمجدون». وهو ما لم يحدث. وبدلا من ذلك، توصل الأوروبيون إلى سياسة مبتكرة للإنقاذ تُذكرنا، بصورة أو بأخرى، بتلك التى انتهجها بنك الاحتياط الفيدرالى عندما خيم الرعب المالى على وول ستريت فى عام 2008.

تكمن مشكلة الصفقة الأوروبية فى أنها تؤجل المشاكل، وليس حلها. فهى ستؤجل التزامات سند اليورو لسنة أو سنتين، وستضيف بعض الضوابط الجديدة التى تجعل البلدان الستة عشر فى منطقة اليورو تعمل فى نهاية المطاف كاقتصاد واحد.

لكن ليس ثمة ما يدعونا هنا لتناول الاختلالات البنيوية الأشد عمقا بين شمال أوروبا المقتصدة وبلاد «نادى المتوسط» المسرفة فى الجنوب الأوروبى التى تستخدم اليورو كبطاقة ائتمان. فقد أدت الوفرة فى الشمال، بالأساس، إلى سوق لسند اليورو قليل العائد يحد من أهمية مخاطر الاستثمار فى الجنوب.

ويتمثل جوهر حزمة الإنقاذ التى أقرت خلال الساعات الأولى من صباح الاثنين فى تخصيص «صندوق خاص» بقيمة 560 مليار دولار لضمان قروض جديدة للبرتغال وإيطاليا وإسبانيا وغيرها من البلاد المحتاجة فى منطقة اليورو إذا ما أوشكت على التعثر فى سداد ديونها الحالية.

(حصلت اليونان بالفعل على حصتها من أموال الإنقاذ وقدرها 146 مليار دولار منذ أسبوع مضى، لكن يمكنها الحصول على قدر من هذه المخصصات الجديدة إذا لم تكف أموال الصفقة السابقة).

الجديد فى هذه الخطة للإنقاذ (التى قد تؤدى إلى زعزعة الاستقرار) هو أنه سيكون بمقدور المفوضية الأوروبية المطالبة بإجراءات تقشف، عبر تخفيض الأجور والمعاشات فى البلاد المدينة، فى مقابل قروض الإنقاذ.

وهذا نوع من «المشروطية» التى تصاحب المساعدات التى يقدمها صندوق النقد الدولى لبلدان العالم الثالث المحتاجة. والحقيقة أن صندوق النقد الدولى سيضطر لتقديم 321 مليار دولار أخرى، بالشروط المعتادة.

يتمثل الجانب الجيد فى إجراءات التقشف فى أنها تعد خطوة باتجاه الاندماج الاقتصادى، المتعثر فى منطقة اليورو منذ معاهدة ماستريخت فى عام 1992. وتفتح مشروطية خطة الإنقاذ الباب أمام إمكانية وضع سياسة مالية أوروبية مشتركة تبقى العملة المشتركة على قيد الحياة.

لكن هناك عيبين فى إجراءات التقشف، أحدهما اقتصادى، والآخر سياسى. ويتمثل العيب الاقتصادى فى أنه بينما يستهوى فرض استقطاعات قاسية على الموازنة وغيرها من أشكال ربط الأحزمة فى بلاد «نادى المتوسط» العمال الألمان، فقد لا يكون لذلك معنى فى وقت لا يزال فيه التعافى الأوروبى هشا للغاية.

والمشكلة الأكثر صعوبة هى حشد الدعم السياسى لإجراءات التقشف القادمة. وتذكرنا هتافات مثيرى الشغب من اليونانيين ضد المصرفيين الشياطين ووزراء الحكومة الذين يهددون بتقليص معاشاتهم بأن الأوروبيين ينظرون إلى دولة الرفاه بوصفها التزاما اجتماعيا. ويستلزم الأمر صياغة عقد اجتماعى مختلف؛ عقد أكثر اتساقا مع حقائق الاقتصاد والديموجرافيا. لكن هذا لن يكون أسهل فى أوروبا منه فى الولايات المتحدة.

يثير افتقاد عملية الإنقاذ إلى العدالة الغضب، مثلما كان الحال فى الولايات المتحدة فى عام 2008. وقد اضطرت المصارف المركزية، أمام الفزع الذى أثاره الاضطراب المالى، إلى وضع خطة من شأنها مراعاة الجانب الاجتماعى لأعباء قرارات خاطئة اتخذتها البنوك الخاصة ومسئولو الحكومة. ومن شأن هذه الإجراءات أن تثير سخطا اجتماعيا بعيد المدى، ربما كانت الاضطرابات اليونانية مجرد بداية له.

إنها لا تساعد العامل اليونانى الذى قد يفقد عمله فى وقت قريب. لكن المشكلة الأساسية هنا تكمن فى اختلال التوازن العالمى الذى أدى إلى وفرة المدخرات فى بعض أجزاء العالم (الصين وألمانيا)؛ وترتب على هذا، بالمقابل، أسعار فائدة منخفضة قللت من قيمة مخاطر بعض الاستثمارات (قروض الرهن العقارى ذات التصنيف الائتمانى المنخفض، والسندات اليونانية).

ولحين مراجعة تلك الاختلالات، يمكننا أن نتوقع فقاعات أصول ونوبات رعب جديدة. وكل ما تفعله «عصبة الذئاب»، حسب وصف وزير المالية السويدى للسوق الجشع، هو الاستراحة، انتظارا للوثوب على القطاع المبالغ فى قيمته التالى أو على جزء من العالم.

وأنا لا أحسد السلطات الصينية. فهى تجلس فوق ما يعتبر آخر فقاعة كبيرة. وقد أشارت صحيفة بلومبرج نيوز الثلاثاء إلى أن معدلات التضخم فى الصين تسارعت خلال شهر أبريل، وأن القروض التى قدمتها البنوك فاقت التوقعات وأن أسعار العقارات بلغت أرقاما قياسية. ومشاهد مثيرى الشغب فى شوارع أثينا هى بمثابة تذكير للصينيين بأعباء السياسات الاقتصادية الخاطئة والسماح لتدفق الأموال بغزارة بإخفاء المخاطر الحقيقية للنشاط الاقتصادى.
جماعة كتاب واشنطن بوست



التعليقات