الحصانة البرلمانية الغائبة بين الإفراط والتقاليد البرلمانية - عيد أحمد البيومى - بوابة الشروق
الأربعاء 25 سبتمبر 2024 1:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحصانة البرلمانية الغائبة بين الإفراط والتقاليد البرلمانية

نشر فى : الأحد 17 يونيو 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 17 يونيو 2012 - 8:00 ص

ضمانا لاستقلال أعضاء البرلمان وحماية لهم من أنواع التهديد والانتقام سواء من جانب السلطات الأخرى فى المجتمع أم من جانب الأفراد تتضمن دساتير معظم دول العالم المتمدنة نصوصا تكفل لهم الطمأنينة التامة والثقة الكاملة عند مباشرة أعمالهم النيابية هذه النصوص تجسد ما يعرف باسم الحصانة البرلمانية

 

والحصانة البرلمانية نوعان: حصانة موضوعية وحصانة أجرائية والذى يعنينا هنا هى الحصانة الموضوعية وتعنى عدم مسئولية أعضاء البرلمان عن الأقوال أو الأفكار والآراء التى تصدر منهم أثناء ممارستهم لوظائفهم النيابية، ولهذا يُقال لها اللامسئولية البرلمانية، وهى امتياز دستورى مقرر لأعضاء البرلمان بصفاتهم لا بأشخاصهم سواء كانوا منتخبين أو معينين يتيح لهم أثناء أو بمناسبة قيامهم بواجباتهم البرلمانية حرية الرأى والتعبير عن إرادة الأمة دون أى مسئولية جنائية أو مدنية تترتب على ذلك، وهى على هذا النحو من أهم الضمانات البرلمانية التى لا يمكن بدونها حماية نزاهة واستقلال اعضاء البرلمان فى المناقشة وإبداء الرأى ورقابة أعمال الحكومة.

 

●●●

 

ويتجسد موضوع الحصانة ضد المسئولية البرلمانية بطبيعة الحال فى كل ما يبديه عضو البرلمان أو فى كل ما يصدر عنه من قول أو رأى بمناسبة ممارسته العمل البرلمانى إذا كان هذا القول أو ذلك الرأى مما يشكل جريمة جنائية أى مما يعتبر قذفا أو سبا يعاقب عليه القانون فيما لو صدر من غير أعضاء البرلمان أو منهم أنفسهم، وهم لا يباشرون العمل النيابى،

 

وعلى الرغم من تضمين معظم دساتير العالم كفالة هذا الحق فإن الإعلان الدستورى الصادر فى 30/3/2011 لم ينص على هذه الحصانة الموضوعية وإن كان نص على الحصانة الإجرائية فى المادة 45 منه.

 

●●●

 

ويثور السؤال هنا هل عدم تضمين الإعلان الدستورى من هذا النص المتعلق بالحصانة الموضوعية والذى كان منصوصا عليه فى المادة 98 من دستور عام 1971 والتى تقضى بأنه لا يؤاخذ أعضاء مجلس الشعب عما يبدو منهم من أفكار وآراء أثناء ممارستهم لعملهم فى المجلس ولجانه.

 

يجعل أعضاء البرلمان عرضه للمساءلة أيا كان نوعها جنائيا أم مدنية أو الاثنين معا حال ما ترتب على ما يبدو منهم من أفكار وآراء، وهم بصدد ممارسة عملهم البرلمانى جريمة جنائية؟

 

وقبل الإجابة عن هذا السؤال نرى من اللازم بيان المقصود بالأفكار والآراء التى تغطيها هذه الحصانة والتى ورد النص عليها فى المادة 98 السابق الإشارة إليها والتى أغفل الإعلان الدستورى النص عليها.

 

●●●

 

فى الواقع لا يقصد بذلك مجرد الخطب والأقوال أو الآراء التى يبديها عضو البرلمان فى جلسات المجلس أو فى لجانه فحسب، وإنما تشمل كذلك على كل ما يتعلق بأنشطة هؤلاء الأعضاء فى مختلف أجهزة البرلمان، ويكون لها صلة بالعمل النيابى فتشمل مثلا المناقشات أو المداولات التى تتم فى الجلسات أو فى اللجان والتقارير التى تعد باسم اللجان البرلمانية مثل اقتراح مشروعات القوانين والأسئلة الشفوية والمكتوبة التى توجه للوزراء والتحقيقات والاستجوابات.

 

ففى هذا النطاق يتمتع عضو البرلمان بحرية واسعة إذ له أن يقول ما يشاء مهما تضمنت من سب أو قذف أو دعوة لارتكاب جريمة أو حتى دعوة إلى الإضراب العام أو الثورة، وذلك دون أن يتعرض بسبب ذلك لأى مسئولية جنائية أو مدنية وإنما فقط للجزاءات المقررة فى اللائحة الداخلية للمجلس إذا كان هناك وجه لذلك.

 

لكن النائب فى البرلمان وإن كان حرا فيما يبديه من رأى أو فكر طبقا لنص المادة 98 من الدستور المعطل إلا أنه يجب أن يكون هذا الرأى أو الفكر على قدر المسئولية التى عهد له بها ممثلوه من أبناء الشعب بحيث لا يحيد عن ممارسته لعمله النيابى عن الحق أو الواجب الوطنى لا يتناول أشخاصا أو أسماء معينة بالتجريح والتشهير لا لشىء إلا لإشباع رغبة الانتقام والتسلط لديه.

 

●●●

 

إن النائب البرلمانى الحر هو الذى يضع دوما نصب عينيه مصلحة الوطن والمواطن وإعلاءها على كل غرض شخصى أو مصلحة ذاتية لا أن يحتمى وراء الحصانة البرلمانية ويقذف الناس بالحجارة بحق أو بدون حق أو يحتمى وراءها لاتيان أفعال يجرمها القانون أو لتحقيق مكاسب غير مشروعة أن النائب الحر يدرك أن الحصانة لم تشرع إلا لحماية الأعضاء الشرفاء الذين يدافعون عن هموم الشعب كل الشعب وعن حماية مصر وسلامه أراضيها واقتراح الحلول لمعاناته، وهم فى مأمن من مؤاخذتهم فيما يقولون أو يقترحون من أى عسف أو تسلط.

 

وإذا كانت الديمقراطية بما تكفله من حرية الفكر والرأى تقوم فى جوهرها على الحوار الموضوعى فإن هناك فرقا شاسعا بين عرض الفكر وإبداء الرأى وبين ترديد الأقوال والاتهامات بما تتضمنه من إهانة واذدراء أو بما ينطوى عليه من جارح القول إن التقاليد البرلمانية المتعارف عليها تقضى بعدم الخوض فى الأمور الشخصية للأشخاص والمواطنين.

 

والجدير بالذكر أن ممارسة العمل النيابى هى المناط أو الأساس الذى يتركز عليه مبدأ عدم مسئولية العضو عن أقواله وآرائه التى تشكل جرائم جنائية، ولذلك يصبح هذا العضو شخصا عاديا، ومن ثم يسأل جنائيا ومدنيا عن هذه الأقوال أو تلك الأفعال إذا ما تمت خارج إطار العمل البرلمانى، ومعنى ذلك أن قاعدة عدم المسئولية لا تنسحب على الأقوال أو الآراء التى لا تتعلق بالعمل النيابى حتى وإن أبداها العضو فى داخل البرلمان، كما لو أدلى بحديث صحفى لأحد مندوبى المجلات أو الصحف اليومية أو غير اليومية أو القنوات الفضائية، وكان هذا الحديث مشتملا على سب أو قذف ضد أحد الأفراد أو المسئولين فى الحكومة ففى هذه الحالة يسأل عضو البرلمان عن ذلك طبقا للقواعد العامة حتى وإن كان قد أدلى بهذا الحديث داخل البرلمان فهو أن كان نائبا إلا أنه فيما قام به من أعمال فى هذه الحالة لم يزاول الوظيفة البرلمانية فعدم المسئولية لا تحمى النائب لذاته وتجعل منه بشرا فوق البشر، وإنما تحمى العمل البرلمانى وما يتصل به.

 

ويعد خروجا عن الإطار البرلمانى والذى يستوجب مساءلة عضو البرلمان عما صدر منه إذا كان يشكل جريمة جنائية يعاقب عليها القانون إذا كان تعلق الأمر باجتراح سلطة أخرى لا سلطان من البرلمان عليها وفقا لمبدأ الفصل بين السلطات سواء فى الكيان أو الأشخاص القائمين عليها،

 

ونشير أيضا إلى أن عضو البرلمان وإن لم يكن مسئولا جنائيا أو مدنيا عما يبديه من رأى أو فكر بمناسبة أداء أعماله النيابية إلا أنه مسئول تأديبيا عن ذلك حسبما ورد بلائحة مجلس الشعب فى المواد 288، 284، 290، 291، 292، وهى جزاءات غير رادعة بالمقارنة بالجزاءات التى يمتلكها البرلمان الإنجليزى والتى تصل الى حد الطرد حبس العضو وأقلها توجيه اللوم إليه.

 

●●●

 

وبالرجوع إلى إجابة السؤال الذى جاء بصدر الموضوع عن إثر عدم تضمين الإعلان الدستورى نصا على غرار نص المادة 98 من دستور عام 1971 فى مساءلة عضو البرلمان عما يبديه من أفكار وآراء، وهو بصدد ممارسه عمله البرلمانى إذا كان يشكل جريمة جنائية فى حق أحد الأفراد.

 

يجب أن نشير أولا إلى أن عدم تضمين الإعلان الدستورى مثل هذا النص يعد قصورا فيه ووفقا للمعيار الآلى أو التطبيقى يجوز مساءلة عضو البرلمان عما يبديه من آراء وأفكار، وهو بصدد مباشرة عمله البرلمانى إذا كان يشكل جريمة جنائية فى حق أحد الأفراد أو المسئولين فى حالة عدم وجود نص على غرار نص المادة 98 من دستور عام 1971م.

 

وهو أمر يعيدنا إلى العهود القديمة التى ولت فى معظم دساتير دول العالم المتقدمة فنحن ضد الحرمان من هذه الحصانة الى الحد الذى يحول دون قيام عضو البرلمان بعمله على خير وجه وضد الإفراط فى هذه الحصانة الى الحد الذى يصل بها الى التفريط فى القيم البرلمانية، ولا غرو فيما تضمنه الإعلان الدستورى من النص على الحصانة الإجرائية حسبما ورد فى المادة 45 منه الذى يستطيع بها البرلمان ايقاف اتخاذ الإجراءات الجنائية ضد عضو البرلمان برفض الإذن برفع الحصانة، حيث يمكن تحريك هذه الإجراءات بعد زوال الحصانة بانتهاء مدة المجلس أو بطلان العضوية للعضو أو حل البرلمان وان كان الفقه مختلف حول اثر رفض البرلمان برفع الحصانة فى كونها توقف التقادم أو تقطعه

 

●●●

 

وأخيرا ندعو المشرع الدستورى الى النظر فى تعديل الإعلان الدستورى إذا كان هناك متسع من الوقت ليسد القصور الذى شابه وما ترتب على ذلك من عدم بسط الحصانة على عضو البرلمان وهو بصدد إبداء آرائه وأفكاره وإن كنا نرى أن حصانة عضو البرلمان هو عملة الذى يبتغى به وجه ربه والمنزه عن كل هوى والذى ينشد من ورائة الدفاع عن هموم الشعب كل الشعب واقتراح الحلول التى ترفع معاناته هنا يكون عضو البرلمان مالكا لأقوى حصانة، وهى الحصانة الشعبية

 

حمى الله مصر من شر الفتن.

عيد أحمد البيومى رئيس إدارة المطالبات بمحكمة جنوب القاهرة
التعليقات