مدخن رغم أنفي! - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 3:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مدخن رغم أنفي!

نشر فى : الأربعاء 16 سبتمبر 2009 - 9:34 ص | آخر تحديث : الأربعاء 16 سبتمبر 2009 - 9:34 ص

 يباغتنى البعض فى بداية تعارفنا وخصوصا عند ذكر مجال تخصصى بأنه يريد تبطيل السجائر أو تباغتنى زوجة أحدهم طالبة المساعدة فى تبطيل زوجها للسجائر، وتطالعنى ابتسامة زوجها ولسان حاله يقول «ابقى قابلينى». وتبدأ الزوجة فى مجادلة زوجها بدءا من صحته الغالية حتى حقوق طفلهما فى تنفس هواء نقى، وبالطبع تبوء كل محاولاتها بالفشل. يجب أن نتفق فى البداية على أهمية رغبة الشخص نفسه فى تبطيل السجائر، وطلبه للمساعدة. ربما تختلف دوافع الفرد فى إقلاعه عن التدخين، فعلى الرغم من وجود أشخاص قد تدفعهم الخسائر الصحية التى يتعرضون لها إلى الإقلاع، فإن هناك آخرين لن يوقفهم ذلك عن التدخين. أعرف أحد الأفراد لجأ إلى المساعدة بعد قراءته مقالة فى مجلة عن تأثيرها على القدرات الجنسية فيما بعد، مما شكل دافعا قويا لديه للتبطيل.

نختلف جميعا فى دوافعنا، لكن تبقى أهمية وجود دافع قوى ليحركنا، استمعت خلال سنوات عملى فى مجال الإدمان إلى الكثيرين الذين يتحدثون عن خبراتهم فى الإدمان على المخدرات وتلك اللحظة الحاسمة التى قرر كل منهم أن يمتنع فيها عن المخدرات، جميعهم يتحدثون عن الخسائر، وكلما كانت الخسائر فادحة مثل ذلك دافعا قويا لدى البعض للتبطيل.

السجائر مثلها مثل المخدرات، لن يمتنع أحد عنها إلا بعد تعرضه للخسائر، ولست أقصد أن كل الأفراد تتشابه فى ذلك، هناك أفراد قد اتخذوا قرارا بأنهم لن يلمسوا السجائر مرة أخرى وبالفعل فعلوا ذلك، لكنهم أقلية، الأغلبية مستمرة فى التدخين على الرغم من الخسائر الصحية والمادية، أعرف الكثيرين ممن لا يملكون نقودا كافية للصرف على أساسيات الحياة ليوفروا ثمن علبة السجائر.

لن أتحدث عن أهمية الإقلاع عن التدخين وخطورته، فالحديث فى هذا الموضوع غير مجد وممل، ولن يؤثر فى قرار أحد، ربما يؤثر لفترة، كأن يأخذ الفرد قرارا بالإقلاع عن السجائر ثم ينتكس ويعود إليها، وهذا شائع جدا وخصوصا فى رمضان، حيث يمتنع الفرد عن تدخين السجائر طوال رمضان ثم يعود إليها بعد ذلك.فنحن إزاء عادة سلوكية تشكلت وأصبحت نمطا من أنماط الحياة.

شاع فى الفترة الأخيرة تداول بعض العقاقير أو اللاصقات التى تساعد على الإقلاع عن التدخين، إلا أنها لا تساعد على الإقلاع بدون أى برنامج سلوكى بجوارها. عند اتخاذ قرار التبطيل يجب الامتناع التام عن السجائر، يلجأ البعض إلى تقليل عدد السجائر أو استبدال نوع السجائر بأخرى أقل ضررا أو كما يسمونها «أخف»، إلا أن ذلك لا يساعد على التبطيل وفى الغالب يجعلنا نعود أكثر شراسة فى التدخين عن ذى قبل.

أفضل أن يأخذ الشخص إجازة يبتعد فيها عن الظروف الضاغطة وبيئة العمل وخصوصا لو كان زملاؤه مدخنين، كما أن عليه تغيير مناخ البيت نفسه فيبتعد عن منفضة السجائر، ولا يحمل معه علبة السجائر كنوع من التحدى لقدراته لأن ذلك غير مجد. ويجب أن يتعلم مهارة توكيد الحقوق فيطلب من أحد المدخنين أن يخرج من الحجرة فورا ولا يشرب سجائر امامه.

تنتشر فى الغرب مجموعات من الأفراد ملتزمون بالتبطيل عبر برامج 12 خطوة وهى البرامج الأشهر فى تبطيل المخدرات، ويكونون مجموعات للمساندة تتنتشر فيها ثقافة تبطيل السجائر، وعندما يشعر الفرد منهم بالرغبة الملحة فى التدخين يطلب مساعدة من أحد الأفراد المقلعين عن التدخين، مثل هذه الثقافة غير موجودة فى مصر إلا عبر برامج 12 خطوة للمتعافين من المخدرات والتى يتجه بعض أفرادها إلى الإقلاع عن التدخين أيضا.

منذ سنة تقريبا قام أحد المتعافين من المخدرات بفتح حجرة اجتماعات تضم برنامجا لـ12 خطوة لتبطيل السجائر تقوم على فكرة العلاج الجمعى وتضم عددا ممن يريد تبطيل السجائر، إلا أن الفكرة لم تلق قبولا فى مصر. لكن يبقى العلاج الفردى عبر جلسات نفسية متاحا فى العديد من العيادات ويقدم برنامجا مختلفا لكل فرد.

أظن أن تبطيل السجائر أصعب من تبطيل المخدرات، فخسائرها أقل من خسائر المخدرات وتأخذ وقتا طويلا للشعور بها، فهى أقل تكلفة من المخدرات وأكثر قبولا إجتماعيا، ففى الوقت الذى ينظر فيه المجتمع إلى المدمن على أنه منحرف ومجرم، لا ينظر كذلك إلى مدخن السجائر.

كذلك يرتبط التدخين ببعض الأنشطة السارة لدى البعض، فكثير من الفنانين والمبدعين ترتبط لديهم لحظة الإبداع بالتدخين، وهؤلاء يعانون بشدة من فكرة إقلاعهم عن التدخين، لذا عليهم أن يكونوا عادة جديدة محببة تصاحب الإبداع.

الأمر ليس سهلا، ففكرة الإقلاع عن أى مثير للذة شىء سخيفا للغاية، لكن شعورك بالانتصار بعد إقلاعك عن التدخين يوازى صعوبته بل يفوقها .

رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات