إسرائيل والشارع العربى - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:36 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إسرائيل والشارع العربى

نشر فى : السبت 17 سبتمبر 2011 - 9:00 ص | آخر تحديث : السبت 17 سبتمبر 2011 - 9:00 ص

أُطلقت أوصاف مختلفة على المواجهة المتزايدة بين إسرائيل والبلدان المجاورة لها، فقيل إنها «كارثة حتمية» و«وضع لا حل له» و«تسونامى سياسى». ويرجع هذا كله إلى غياب علاج سريع تقدمه حليفة إسرائيل الولايات المتحدة، ومن المرجح أن يمضى إلى ما هو أسوأ. تسعى الإدارة الأمريكية إلى إيجاد حلول دبلوماسية للقضيتين الأكثر إشعالا للوضع: طلب رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان اعتذار إسرائيلى عن حادثة قافلة المساعدات المتجهة إلى غزة فى مايو 2010، واعتزام الفلسطينيين طلب إعلان الدولة من الأمم المتحدة. وبصرف النظر عن المحاولات الأمريكية المحمومة لنزع فتيل تلك القنابل، إلا إنها مازالت موقوتة.

مرحبا بالفصل العربى ــ الإسرائيلى فى الربيع العربى. وقد تحدث المعلقون أحيانا وكأن ثوار الفيس بوك أسقطوا القضية الفلسطينية سهوا. لكن الأمر ليس كذلك، فـ«ثورة الكرامة الإنسانية» متصلة، حسبما بينت أحداث الشغب المخيفة التى وقعت الأسبوع الماضى عند السفارة الإسرائيلية فى القاهرة، مع وجود نبع الشعور العربى بالخزى دائم التدفق، والغضب تجاه الدولة اليهودية. ويزايد على قيادات المنطقة أردوغان، الذى دوى صوته يوم الاثنين قائلا إن «إسرائيل لا يمكنها العبث بكرامتنا».

●●●

 

الغريزة الأولى لدى رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، الذى يشعر بالحصار والعزلة، هى أن يثبت قدميه فى الأرض ويقول لا. وليس هناك بالقطع من يرغب فى إعطاء الأرض تحت الضغط، لكن أسلوب نتنياهو خاطئ، وإن كان مفهوما. وهذه مشكلات لابد لإسرائيل من حلها بطريقة أكثر إبداعا.

 

عندما تعرى مواقف كل الأطراف سوف تجد أن ما يحدث هو أن إسرائيل صارت الآن تعيش وسط منطقة عربية أصبح للرأى العام فيها أهميته. لقد اسقطت إسرائيل «الشارع العربى» من اعتبارها لعدة عقود، كما لو كان الرؤساء والملوك هم وحدهم أصحاب الآراء الحاسمة. وكانت هذه المقاربة تنجح مادام المستبدون قادرين على قمع رأى الشعب، وليس خلافا لذلك.

لنبدأ من طلب أردوغان الاعتذار. فأردوغان، شأنه شأن أى سياسى شعبوى، يعمل على توجيه الغضب التركى بسبب وفاة تسعة أتراك على متن سفينة فى المياه الدولية. وعملت وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون خلال الصيف على وضع صيغة يمكن لنتنياهو الاعتذار من خلالها عن «أخطاء تنفيذية» دون التنازل عن حق إسرائيل فى الإبقاء على حصارها على غزة.

 

وكجزء من الصفقة، سيكون على تركيا تقديم وعد بعدم خلق مشاكل قانونية لإسرائيل.

بدت الصفقة قريبة المنال بعد دعوات كثيرة وجهتها كلينتون إلى نتنياهو. وضغط الرئيس أوباما على أردوغان، الذى نمت الثقة بينهما بعد اللقاء الساخن فى يونيو 2010 بتورنتو. وأصبحت المحافظة على العلاقات التركية ــ الإسرائيلية شديدة الأهمية استراتيجيا، وكان على نتنياهو أن يتراجع مبتلعا كبرياءه قليلا.

 

لكن نتنياهو قرر الرفض. وقيل إنه لكى يقاوم فعل ذلك، ذكر أنه إذا اعتذرت إسرائيل لتركيا، فسيتم دفعه «للاعتذار فى كل مكان وعن أى شىء». هو إذن رفض لمجرد الرفض. وكان رد أردوغان الحانق بأشكال الانتقام الموعودة ــ ومنها طرد السفير الإسرائيلى. وشرع هذا الأسبوع فى رحلة تتسم بطابع الحملة الدعائية إلى العالم العربى، واتهم إسرائيل يوم الاثنين من القاهرة، بأنها «طفل الغرب المدلل».

 

●●●

 

وبقدر ما يتفاقم عداء تركيا لإسرائيل، بقدر ما ستكون المواجهة المتوقعة بينهما فى الأمم المتحدة أسوأ. والآن، يعتزم الرئيس الفلسطينى محمود عباس أن يطلب من الأمم المتحدة إعلان الدولة بشكل صريح، وقد خاب أمله فى قدرة أمريكا على زحزحة نتنياهو عن موقفه وتكوين الدولة الفلسطينية. وقد يبدو هذا خطوة رمزية لا تستدعى كل هذا القلق، إلا إذا كانت فلسطين كدولة ستصبح قادرة على تأمين حقوقها فى مجالها الجوى، وحقوق الملاحة، وما شابه.

وكان أمل إسرائيل أن تبعد عنها واشنطن كل ذلك، باستمالة الفلسطينيين إلى الرجوع للمفاوضات والتعتيم على عرض الأمم المتحدة.

 

وربما كانت هذه التصرفات غير العلنية ممكنة منذ بضعة أعوام، أما الآن فهى ليست ممكنة فى ظل توهج الرأى العام العربى.

وهذا ما يتوقعه المسئولون الأمريكيون، إذ ستودع فلسطين طلبها إعلان الدولة لدى مجلس الأمن.وأقصى ما تطمح فيه أمريكا (وتحشد الأصوات من أجله بشكل محموم) أن يؤجل المجلس أى إجراء ــ بما يتيح لأمريكا تجنب الفيتو. فبينما ينقذ الفيتو الأمريكى إسرائيل، فهو سيفسد علاقات أمريكا مع العرب فى لحظة بعينها يرغب أوباما أن يظهر فيها وجه أمريكا الجديد.

 

إذا تفادت أمريكا المواجهة فى مجلس الأمن فستنتقل قضية الدولة حينذلك إلى الجمعية العمومية، حيث يكاد يكون تبنيها مؤكدا. وسوف تصوت الولايات المتحدة وحلفاؤها الحميمون ضد هذا، لكن الجهد الحقيقى سيكون فى صياغة القرار الذى من شأنه الحد من أكثر شروط الدولة إضرارا. وربما يرتاح الدبلوماسيون الأمريكيون عند هذه النتيجة.

هذا هو حسابى النهائى بشأن تصادم الربيع العربى مع العداوات القديمة، فربما تكون إسرائيل فى نهاية الأمر أكثر أمنا فى عالم الديمقراطيات العربية. لكنه سيكون عالما الحل الوسط فيه جزء من إمكانية البقاء.

التعليقات