العراق للعراقيين - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العراق للعراقيين

نشر فى : الأربعاء 17 مارس 2010 - 9:56 ص | آخر تحديث : الأربعاء 17 مارس 2010 - 9:56 ص

 العراق هو البلد الذى يرفض أن يموت: حاول صدام حسين أن يحطم شعبه بالتعذيب والغاز السام، ولكنه فشل. وأساءت أمريكا بغطرستها إدارة البلاد فى السنوات الأولى للاحتلال وتسببت فيما يقارب الحرب الأهلية، غير أن العراقيين تمسكوا بالبقاء. وحاولت إيران تضييق الخناق على جارتها، باغتيال العراقيين الذين لا يروقون لها، ورشوة ساسة البلاد.

وعلى نحو ما، لم ينج العراق فحسب من هذه الكوارث وإنما صار صاحب أكثر ديمقراطية متحررة فى الشرق الأوسط.

ولكن لا ينبغى اعتبار انتخابات الأسبوع الماضى احتفالا بالنصر. فمازال فى الأفق المزيد من الألم والعنف، وستكون هناك لحظات يتساءل فيها المحللون مجددا عما إذا كان العراق سوف يستطيع الحفاظ على وحدته.

ولكن البلد ينتمى اليوم حقا إلى شعبه على الأقل. وقد يكون ساسة العراق الجديد مداهنين ومتآمرين وأحيانا فاسدين. ولكنهم عراقيون حقا، وربما كان ذلك هو الأمر الوحيد الذى يهم فعلا.

ويمكن ملاحظة صمود العراق القوة القائمة العنيدة الكاملة فى ثلاث صور لسياسى سنى اسمه قاسم محمد فهدوى، محافظ الأنبار؛ ففى ديسمبر، عندما التقيته فى الرمادى كان يغرى مجموعة من الزائرين الأمريكيين بشأن فرص الاستثمار فى الأنبار، ويقدم لهم ملحقًا لامعا أصدرته صحيفة فاينانشال تايمز. وقبل ثلاث سنوات فحسب، كانت الأنبار مقر القاعدة فى العراق، وهو الآن يتحدث عن ضمانات السندات.

وبدا الأمر أفضل كثيرا من أن يستمر، وكان كذلك بالفعل: فى 30 ديسمبر، أصيب فهدوى إصابة بالغة فى هجوم انتحارى فى نفس المكان الذى كان يقدم فيه عرضه للاستثمار قبل أسبوعين. وقتل نحو ثلاثين شخصا وأصيب العشرات.

وتأتى اللقطة الثالثة فى الفترة التى سبقت يوم الانتخابات. حيث تحدى فهدوى أوامر الأطباء وعاد فى مقعد متحرك إلى الرمادى، بعد إجراء جراحة فى الساق وبتر ذراعه، ليحث رفاقه من السنة على التصويت.

وإذا كان الالتزام صارما بما يكفى، لكان العراق أعظم بلد على الأرض، غير أن السمات الرزينة القاسية التى ساعدت العراقيين على النجاة حالت بينهم أحيانا وبين القيام بتسويات وصفقات ضرورية للحكم الفعال.

وبناء على النتائج الأولية، فإن أفضل ما فى انتخابات الأحد أنه ما من طرف حقق فوزا كبيرا بحيث يستطيع تشكيل حكومة بمفرده. فائتلاف رئيس الوزراء نورى المالى (ولا يمكن تسميته «دولة القانون») سوف يتفاوض مع الحزب الشيعى بزعامة عادل عبدالمهدى نائب رئيس الجمهورية، الذى سيتفاوض فى نفس الوقت مع الحزب العلمانى الذى يرأسه أياد علاوى رئيس الوزراء السابق. وسوف يحاول الجميع خطب ود الأكراد.

وسوف يشكل ذلك ديمقراطية على النمط العراقى، وهو أمر أقرب إلى قضاء يوم للمساومة فى السوق منه إلى زيارة النصب التذكارى للرئيس لينكولن.

وقد هاتفت علاوى فى بغداد يوم الخميس للتعرف على كيفية سير المساومة السياسية. وتشير النتائج الأولية للانتخابات إلى فوز ائتلافه «العراقية» فى محافظتين شماليتين هما ديالا وصلاح الدين. وقال إنه تحدث بالفعل مع فصائل أخرى محاولا كسب التأييد لـ«حكومة مصالحة» وطنية تربط بين جميع الأطراف.

ويقايض جميع المرشحين من أجل الأصوات، غير أن معارف علاوى نموذجيون: فقد قال إنه يجرى محادثات مع جواد بولانى، وزير الداخلية الشيعى، والشيخ أحمد أبوريشة، رئيس حركة الصحوة السنية، وعبدالمهدى الذى يرأس المجلس الإسلامى الأعلى للعراق، والزعيم الكردى مسعود برزانى، وأنصار الزعيم الشيعة مقتدى الصدر. وعرض علاوى أيضا التفاوض مع المالكى، إذا أيد الأخير حكومة غير طائفية.

ويأمل علاوى فى أن يستطيع تشكيل حكومة أواخر هذا الشهر أو أوائل الشهر المقبل. ولا يكاد يكون هناك متفائلون بنفس القدر. حيث يشعر الآخرون بالقلق من أن تطول فترة المساومات السياسية وحدوث فراغ فى السلطة فى بغداد يسمح بجولة جديدة من الاقتتال الطائفى. والتحدى الذى يواجه علاوى والمالكى وغيرهما حاليا هو منع هذا التدهور. ولكنه بلدهم الآن، إما يصنعونه أو يحطمونه.

وفى أسوأ أيام حرب العراق، كان التفكير فى أننا نستطيع الهروب من الفوضى التى خلقناها مغريا لنا نحن الأمريكيين. وتبدو الأمور أفضل الآن عما كان يمكن لأى شخص أن يتخيل عام 2006، غير أنه لا يزال لدى الولايات المتحدة التزام أخلاقى وإستراتيجى بمساعدة هذه الديمقراطية الضعيفة حتى تمضى قدما لأسباب ليس أقلها آلاف أرواح الأمريكيين التى فقدت فى الأعوام التى أفضت إلى انتخابات الأحد.

ومازلت معجبا بعبارة من حملة باراك أوباما، كمرشد للمستقبل: «علينا أن نكون حذرين فى الخروج من العراق لا كما كنا لا مبالين عند دخوله».


Washington Post writers group

التعليقات