نموذج كيسنجر لخلق إيران مستقرة - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نموذج كيسنجر لخلق إيران مستقرة

نشر فى : الأربعاء 18 أبريل 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 18 أبريل 2012 - 8:00 ص

ليس باستطاعة أحد أن يتنبأ بما تتجه إليه عملية التفاوض الحالية مع إيران، ولكننى أرى ما يلى:

 

حوار واسع يدمج القوة المتزايدة لإيران ضمن نظام أمنى جديد فى الشرق الأوسط، فى مقابل التزام إيران بعدم إنتاج الأسلحة النووية.

 

●●●

 

وإذا كنت تبحث عن تفسير واضح لكيفية بناء مثل هذا الإطار، فإننى أوصى بمصدر غير متوقع: أطروحة هنرى كيسنجر لنيل الدكتوراه، «استعادة عالم» التى نشرت فى عام 1957. وقد حلل الكتاب كيف خلق ساسة أوروبا فى أوائل القرن التاسع عشر بنية أمنية جديدة ساعدت فرنسا بعد الثورة وهى القوة المغرورة المثيرة للقلاقل فى ذلك الوقت على التكيف مع بريطانيا وغيرها من قوى الوضع القائم آنذاك، فى مؤتمر فيينا 1815.

 

 وقد استمعت مؤخرًا لكيسنجر وهو يبحث هذه القضايا، عند زيارته لجامعة هارفارد فى مناقشة ملأ حضوره أكبر قاعة فى الجامعة. وسألت جيسيكا بلانكشين، طالبة الدراسات العليا، وزير الخارجية حول أطروحته، المكتوبة قبل 55 عاما، واقتبست منها قوله أن وظيفة رجل الدولة هى  تحقيق التناغم بين الواجب والممكن. وفى وقت لاحق، تحدث كيسنجر فى حفل عشاء أعده درو فاوست رئيس هارفارد، عن أن إعادة بناء أوروبا فى 1815 يمكن أن تكون نموذجا لجذب إيران إلى شرق أوسط جديد وأكثر استقرارا.

 

 وسوف أشرح بصورة أوضح الشبه بين ما حدث فى أوروبا والدبلوماسية الحالية. ولكن لأصف أولا الحدث فى هارفارد: كان لقاء طال انتظاره بين كيسنجر والجامعة التى تخرج فيها وحصل منها على درجة الدكتوراه. ثم عمل بالتدريس فيها، حتى التحق بإدارة الرئيس نيكسون فى 1969 كمستشار للأمن القومى. وكان ذلك إبان حقبة الحرب الفيتنامية، عندما كانت هارفارد بوتقة للاحتجاج الحماسى.

 

 وعندما ترك كيسنجر الحكومة فى 1977، كان مجتمع هارفارد لا يزال غاضبا، فلم يتلق سوى عرض هزيل للعودة للتدريس، ورفضه. وقد نكأ ذلك جرحا التأم أخيرا بالدعوة التى تلقاها إلى مسرح ساندرز وحفل فاوست للعشاء. وقد تلقيت دعوة لأننى كنت أتولى التدريس خلال ذلك  الفصل الدراسى بكلية كنيدى فى جامعة هارفارد.

 

 وكان الحدث مؤثرًا لأنه أتاح لكيسنجر (88 عاما) منبرا للتحدث عن تكلفة الحرب وتحديات الدبلوماسية. وقد توجه إلى الطلاب متسائلا: «لو كان الزعماء فى 1914 يعلمون ما سيكون عليه العالم فى 1919، هل كانوا سيخوضون الحرب؟». بالطبع لا، ولكن كيسنجر قال بعد دقائق: «عندما تكون فى المنصب، عليك أن تعمل كما لو أنك متأكد مما تفعله. فأنت لا تتلقى أجرًا مقابل شكوكك».

 

وعودة إلى إيران، وعملية التوفيق بين الأمم الثورية وقوى الأمر الواقع: كشف كيسنجر فى أطروحته عن خلق «تناغم أوروبى» جديد فى 1815، بعد الحروب النابوليونية، من خلال دبلوماسية الكونت مترنيخ فى النمسا واللورد كاسلرا فى بريطانيا: فقد كانا «رجلى دولة التوازن، يبحثان عن الأمن عبر توازن القوى. وكان هدفهما الاستقرار وليس الكمال».

 

ولا شك أن الاضطراب فى الشرق الأوسط اليوم مشابه للاضطرابات فى أوروبا التى تلت الثورة الفرنسية، ونشرت تحت راية نابليون ــ الاضطرابات العسكرية فى جميع أنحاء القارة. ولم يستوعب الشرق الأوسط حتى الآن الثورة الإيرانية عام 1979، ناهيك عن الربيع العربى الذى يهز العالم السنى؛ فهو منطقة تتطلع إلى «تناغم» جديد بين الدول، يستوعب الأنظمة الملكية المحافظة والجمهوريات الجديدة.

 

●●●

 

ويمكن أن ينطبق وصف كيسنجر لأوروبا الثورية على إيران فى ظل آيات الله: «جوهر السلطة الثورية أنها تمتلك الشجاعة النابعة من قناعاتها، ورغبتها، بل حرصها على العمل وفق مبادئها لأقصى مدى». ولا يمكن التحقق من مثل هذه القوى الصاعدة إلا عبر نظام جديد يقبل صعودها، ويحد فى نفس الوقت من أكثر تأثيراتها ضررًا.

 

ولا شك أن استعادة النظام القديم الآن أمر مستحيل، كما كان فى عام 1815. ولكن يمكننا أن نتصور وضعا مختلفا يؤسس خطوطا جديدة للشرعية والتعاون. وينقل كيسنجر، عن بطليه مترنيخ وكاسلرا، أن الدبلوماسية التى تدعم هذه التحولات هى «فن تقييد ممارسة السلطة». وفيما يتعلق بإيران الحديثة، يرى كيسنجر، أن المطلوب منها بشكل أساسى أن تتصرف كأمة وليس كقضية، وتعمل وفق نظام يقوم على قواعد. وبمجرد أن يتحقق ذلك، يمكن أن تصبح قوة للاستقرار الإقليمى وليس زعزعته.

 

وعلى الرغم من أن الحوار مع إيران فى إسطنبول يعتبر بداية ضعيف، فإن علينا أن نوسع أفقنا لنتخيل مع كيسنجر ماذا يمكن أن تحققه الممارسة الجادة للدبلوماسية.

التعليقات