صندوق المستقبل - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 3:34 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صندوق المستقبل

نشر فى : الأربعاء 17 أغسطس 2011 - 11:41 ص | آخر تحديث : الأربعاء 17 أغسطس 2011 - 11:41 ص
كنت فى صحبة نفسى وبعض من الأصدقاء فى الإسكندرية، وفى إحدى الجلسات حكت لنا صديقة عن محاضرة ضمن دورة تدريبية تلقتها حول كيفية التعامل مع الانتهاكات الجنسية، كانت تتحدث عن تكنيك بعينه تحدث عنه المحاضر، وهو كتابة كل ما حدث فى الماضى من انتهاكات فى حياتنا ووضعها فى صندوق خاص سنغلقه جيدا ونخبئه فى مكان ما ونخبر أنفسنا أننا انتهينا مما حدث ولن نفعل شيئا إزاء الماضى الآن، وسنعود له فيما بعد، عندما نسير مسيرة تغيير ونضوج، بعد ذلك سنعود لفتح الصندوق والتصرف إزائه. رغم أن الانتهاكات لن تمحى آثارها بهذا الشكل فقط، إنما هى مسيرة طويلة تحتاج لصبر والتزام بالبرنامج، إلا أن فكرة الصندوق أعجبتنى جدا، وفكرت فى أننى أملك بالفعل صندوقا للمستقبل، منذ سنة تقريبا فكرت فى أن أضع جميع أمنياتى فى صندوق، أو بمعنى أدق جميع أحلامى التى أثق فى قدرة الله على تحقيقها، فى هذا الصندوق وضعت ملابس لطفل صغير أتمنى إنجابه، وخطابات لرجل محب أتمنى مقابلته، وأهداف أسعى لتحقيقها.

عندما تحدثت معى الصديقة عن صندوق الانتهاكات قلت لنفسى ولماذا لا نملك صندوقين، أحدهما نودع فيه الماضى بكل ما فيه، ليس شرطا أن تكون انتهاكات جنسية، نحن تعرضنا فى حياتنا لألوان شتى من الانتهاكات النفسية، لماذا لا نكتب عنها ونودعها فى صندوق، ونخفيه عن أنظارنا وربما نتخلص منه تماما.

لست من أنصار التمعن فى الماضى والبحث داخله عن أسباب، عندما أسأل نفسى «لماذا أفعل ذلك؟»، أقاطع تفكيرى لأذكر نفسى أن السؤال «ماذا أفعل لكى أتوقف عن فعل ذلك؟». كل الأشياء السيئة التى توقفت عنها كانت تحدث عندما لا أهتم بأسباب حدوثها والالتفاف ورائها والبكاء عليها، فقط أخبر نفسى أن على الالتزام ببرنامج ما والتوقف فعليا عن ذلك.

عندما تعرضت لأزمة شخصية كبيرة وتركت داخلى جرحا تركت كل متعلقات هذا الجرح فى مكان أعلم جيدا أننى لن أعود إليه، ووضعت كل ما أحلم به فى صندوق جديد، فى مكان واضح جدا من شقتى، كلما شعرت بالإحباط فتحت الصندوق وقلبت فى محتوياته ونظرت إلى الأشياء التى استطعت تحقيقها من داخل الصندوق ونظرت إلى بقية الأشياء التى تنتظر تحقيقها وتفاءلت. التعامل مع جروح الماضى وأحلام المستقبل ليس ببساطة شراء صندوقين، الأمر أكثر تعقيدا من ذلك، لكنه أيضا ليس معقدا لدرجة عدم التعامل معه. نحن نحتاج لمساعدة متخصصة فى بعض الجروح وبعض الأحلام، عندما نشعر أن الأمر خارج نطاق السيطرة، هنا تكمن أهمية المساعدة.

منذ قليل كنت أحادث صديقة ظللنا نتحدث عن مشكلتها التى تواجهها فى عدم فعل شىء إزاء المستقبل أكثر من مجرد أحلام اليقظة والندم على انتهاء اليوم وتأجيل كل الأشياء والأحلام إلى حين، ففى الشتاء يصبح البرد عائقا كبيرا وفى الصيف يصبح الحر عائقا أكبر، وفى رمضان يصبح الصيام عائقا أيضا، وهكذا تنتهى الحياة دون فعل شىء. عندما لا نستطيع تنظيم قدرتنا على مواجهة أحلامنا فنحن نحتاج لمساعدة فى ذلك، ربما نجد أن جلسة نفسية أو اثنين يدفعاننا للقيام بذلك.

أنا لا أخجل نهائيا من فعل ذلك دوما، عندما أشعر أننى بإزاء مشكلة فقدت السيطرة عليها أذهب إلى معالج نفسى لجلسة واحدة طويلة وربما أكثر، وكأنه يمنحنى دفعة قوية لاستكمال الطريق حتى لا أتعطل. وأعود مرة أخرى لاستكمال مهام صندوق المستقبل أو كما أطلق عليه بينى وبين نفسى صندوق هدايا الله.

ليست كل المشكلات تحتاج لجلسة واحدة، كما أن الأفراد يختلفون فى قدرتهم على التعامل مع المشكلات فربما يحتاجون لأكثر من جلسة، لكن المؤكد أن كل الأفراد سيستطيعون مواجهة مشكلاتهم بعد المساعدة إذا التزموا بالبرنامج وأرادوا ذلك. حياتنا وأحلامنا وماضينا تستحق التمعن فيها والتصرف بحكمة حيالها.
رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات