روسيا : مازالت قوة متداعية - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

روسيا : مازالت قوة متداعية

نشر فى : السبت 18 يوليه 2009 - 6:45 م | آخر تحديث : السبت 18 يوليه 2009 - 6:45 م

 كان الوجه غير العصرى لـ «تحديث» الاقتصاد الروسى ظاهرا فى استجابة فلاديمير بوتين لأزمة الائتمان فى البلاد. فقد أمر فى الشهر الماضى جميع البنوك التى تسيطر عليها الدولة بإقراض 13 مليار دولار وقال إن مسئولى البنوك لن يقوموا بإجازاتهم الصيفية حتى ينتهوا من هذا الأمر.

وغالبا ما تبدو روسيا اليوم وقد جمعت بين أسوأ جوانب السوق الحرة والاقتصاد الموجه. فهى تتميز بإبرام الصفقات والفساد كما فى الرأسمالية الجديدة، وبالبيروقراطية الثقيلة وعدم الكفاءة فى المستويات العليا كما فى الشيوعية القديمة. والنتيجة هى اقتصاد يبدو عالقا فى الترس الثانى للسيارة، بينما البلدان التى تعتبرها روسيا مناظرة لها البرازيل والهند والصين تواصل التحرك بسرعة.

ويقول كونستانتين ريمشوكوف، وهو خبير صناعى سابق يعمل الآن ناشرا ورئيس تحرير صحيفة نيتزافيسيمايا جازيتا، إن الأزمة الاقتصادية تذكره بكلمات أغنية روك يؤديها فريق «دى دى تى» الروسى كانت مشهورة فى أواخر أيام الاتحاد السوفييتى: «قاتلنا حتى الموت يوم الثلاثاء من أجل الأربعاء، لكننا لم نحسب حساب الخميس.»

والمشكلة الاقتصادية الرئيسية بالنسبة لروسيا أنها بلد ذو اقتصاد نامٍ يحاول التظاهر بأن اقتصاده متقدم. ويقول مستشار رفيع المستوى فى الكريملين، يدير أيضا واحدة من كبريات الشركات فى البلاد: «لا يفهم أحد فى الغرب عمق الهاوية التى ينبغى أن نتخطاها». وهو يوضح أن الشيوعية حولت الناس إلى «غرباء» مشيرا إلى أن الاقتصاد لن يصبح عصريا فعلا حتى يديره جيل ليس لديه أى ذكريات عن النظام القديم. وهذا لن يتم قبل عقد من الزمان على الأقل.

وثمة رأى صارخ عن الاقتصاد الروسى يطرحه فلاديسلاف إينوزيمتسوف، الأستاذ فى المدرسة العليا للاقتصاد ومدير مركز دراسات ما بعد الصناعة بموسكو؛ حيث وصف فى ورقة بحثية أعدها لمؤتمر أقيم تحت رعاية المعهد الروسى عملية تراجع التصنيع التى أضعفت روسيا منذ سقوط الاتحاد السوفييتى. وتراجع الإنتاج الصناعى الروسى فعليا من 1994 حتى 2008، بينما زاد الإنتاج الصينى أربعة أضعاف والصينى أكثر من ضعفين.

ويقدر إينوزيمتسوف إنتاجية العمال الروس فى المجال الصناعى بما يقل عن إنتاجية نظرائهم الأمريكيين بنحو سبعة أضعاف. وبلغ إجمالى صادرات روسيا الصناعية32 مليار دولار فحسب العام الماضى، مقارنة مع 1.4 تريليون دولار صادرات زميلاتها، البرازيل، والهند، والصين.

وقد غطى على هذه الكارثة الاقتصادية نجاح روسيا كأحد مصدِّرى الطاقة الذى غذى لديها حلما غير واقعى بأنها يمكن أن تصبح قوة بترولية عظمى. ولكن حتى هذا القطاع المهم يعانى من التراجع وسوء الإدارة. ويقول جيه روبنسن ويست الرئيس التنفيذى لشركة بى اف سى إنرجى، وهى شركة استشارات مقرها واشنطن «على الرغم من احتياطيات روسيا الضخمة، وشعبها الذكى، يعانى إنتاجها من البترول والغاز الركود بسبب الفساد وعدم كفاية الاستثمار، وسوء الإدارة».

ويتساءل إينو زيمتسوف «لماذا حدث هذا؟ لدى إجابة واحدة ووحيدة: البيروقراطية الروسية الحاكمة عاجزة عن إدارة أى شىء أكثر تعقيدا من بئر بترول. وفى السنوات العشر الماضية، لم تفعل الحكومة شيئا يمكن أن يسهم فى التنمية الصناعية لهذا البلد».

وترى أولجا كريشتانوفسكايا مديرة معهد العلوم السياسية التطبيقية فى ورقة بحثية أخرى مقدمة لمؤتمر المعهد الروسى، أن الإستراتيجية الروسية كانت «تحديثا سلطويا» وأضافت: «كما لو كان إعادة للساعة إلى الوراء». وقد قرر بوتين أن «التحديث لا يجب أن يبدأ إلا عند إحكام جميع الضوابط المشددة».

ويتحدث كل من بوتين والرئيس الروسى ديمترى ميدفيديف كثيرا عن الحاجة لتحديث الاقتصاد. بل إن ذلك صار «لازمة» النخبة الجديدة. غير أن إينوزيمتسوف قال إن هذا فى الغالب مجرد كلام! فعلى سبيل المثال، تخصص شركة جازبروم العملاقة وقتا للبحوث والتطوير يقل ثلاث مرات عما تخصصه أى شركة طاقة كبرى أخرى فى العالم.

وتضيف الاحتكارات التى تديرها الدولة المزيد من عدم الكفاءة. ويقدر إينوزيمتسوف تكاليف المواد الخام والطاقة فى روسيا بأكثر من ثلاث أو أربع مرات عن مثيلتها فى الصين؛ وتزيد تكلفة رصف طريق طوله كيلو متر واحد فى روسيا عن مثيلتها فى أوروبا الشرقية بثلاث مرات. كما ارتفع إيجار المساحات المخصصة لتجارة التجزئة بأكثر من أربع مرات.
وقد أقنع ارتفاع أسعار البترول الروس بأنهم يعيشون فى بلد غنى. وأصبحت أفضل أمانيهم هى الإقرار بأنهم ليسوا كذلك، وتبنى سياسات التحديث الصارمة التى حققت ازدهارا حقيقيا لبلدان مثل كوريا الجنوبية وماليزيا. ويقول إينوميتسوف إنه ما لم يحدث ذلك، فإن روسيا الغنية بالبترول سوف «ينتهى بها الحال إلى فوضى مثل فنزويلا ونيجيريا أو أنجولا».

وفى القمة التى عقدت الأسبوع قبل الماضى مع الرئيس أوباما، طالب الزعماء الروس بالتعامل مع روسيا على محمل الجد باعتبارها لاعبا دوليا. ولكن ذلك الطلب سوف يظل بلا جدوى ما لم يصلحوا اقتصادهم، فالأرقام تشير إلى أن روسيا اليوم قوة متداعية وليست صاعدة.

التعليقات