هل من مساعد.. هل من مجيب؟ - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 3:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل من مساعد.. هل من مجيب؟

نشر فى : الثلاثاء 18 ديسمبر 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 18 ديسمبر 2012 - 3:51 م

منذ عدة أيام تعرضت لموقف فى غاية السخف والخطورة،  ففى أثناء قيادتى للسيارة وجدت توك توك ينتظر عند الملف،  ما دفعنى لحثه على التحرك وتنبيهه،  وعندما لم يستجب بدأت فى الصياح والتأكيد على عدم منطقية ما يفعله. تصاعد الخلاف وأصر السائق على عدم التحرك وعندما اتهمته بالبلطجة أصر على تعليمى أصول البلطجة الحقيقية حتى لا أجرؤ على تكرار فعلتى ذلك مرة أخرى، وأخذ يخبط سيارتى من الخلف بالتوك توك بشكل أثار رعبى،  وعندما اتهمته بالجنون أصر كذلك أن يرينى الجنون الحقيقى بإحضاره عصا كبيرة وتأديبى. بالطبع هربت من أمامه لأنى أعرف مسبقا المشهد التالى ولست مستعدة له نهائيا.

 

رغم وجبة الرعب التى تناولتها ذلك المساء إلا أن الرعب الأكبر والتأمل الأكبر كان فى مراقبة سلوك الآخرين، فلم يصدر عن أى مواطن فى الشارع أى سلوك لمساعدتى أو الاعتراض على سلوك السيد البلطجى أو محاولة تهدئته أو تهدئتى. لم يفزعنى موقف البلطجى بقدر انزعاجى من سلوك المواطنين. وعندما قررت الكتابة عن تلك الواقعة لجأت لدراستى لقيمة «مساعدة الآخرين» والمفارقة بين القيم والسلوك أى إيمان الأفراد بقيمة معينة دون تطبيقها فى سلوكهم بما يتساوى مع إيمانهم بهذه القيمة.

 

وللأسف من أكثر القيم التى جاءت فى هذه الدراسة كانت قيمة مساعدة الغير، ففى حين عبرت العينة على موافقتها الشديدة وتأييدها لقيمة مساعدة الغير، كانت مؤشرات سلوك العينة تتسم بعدم المساعدة.

 

نعم نحن فى عصر البلطجة والسلبية، لكن يبدو أننا أبضا فى عصر السلبية منذ سنوات. هذه الحقيقة راجعتها وحاولت تأملها فى ذهنى أيام إندلاع الثورة وقيام المواطنين بالعديد من السلوكيات لمساعدة الغير ... تلك الحالة الجماعية كانت بحاجة للدراسة والاهتمام من قبل الباحثين فى علم النفس الاجتماعى . لكن ظل صوت داخلى يؤكد على أن النسبة الأكبر كانت تتحرك بدافع الحفاظ على ممتلكاتها الشخصية،  فكل مواطن تشارك مع مواطن آخر فى الحفاظ على بيته فقط، لكن تبقى هذه الحقيقة افتراضية قابلة للبحث.

 

وأنا أكتب هذه السطور تتدافع فى ذهنى صورة الميدان أثناء الثورة، والتى كانت تتسم بسلوك المساعدة المتسق بشدة مع قيم هؤلاء الأفراد. لكن هذه النسبة الضئيلة لا يمكننى تعميمها على المجتمع ككل،  ولن تغير من شكل نتائج الدراسات السابقة فى سلوك المساعدة.

 

وأظن أن الوقت القادم ستقل فيه هذه المفارقة بين القيم والسلوك فيما يخص سلوك المساعدة لأننا نقدم لأبنائنا نماذج مؤيدة للسلبية وتحثهم على عدم المساعدة... فلن تكون لديهم قيم أصلا للمساعدة لتحدث مفارقة بين قيمهم وسلوكهم.

 

أيضا انعدام الأمن والردع القوى أحد الأسباب المهمة فى زيادة هذه المفارقة. فليس من الحكمة عمل مواجهة بين بلطجى مسلح ومواطن أعزل. ولكن من الحكمة هنا ترك الساحة كاملة للبلطجى،كما فعلت.

 

عادة ما أؤنب نفسى عند إصدار سلوكيات انسحابية لكننى شعرت أن أفضل ما فعلته كان الانسحاب. لا يوجد عسكرى مرور ولا توجد شرطة تحاسب هذا البلطجى. وفى غياب هذه السلطة لابد أن تشيع سلوكيات الفوضى.

 

فى الحقيقة نحن فى مجتمع مربك تشيع فيه الفوضى وتختلط القوانين وتسود فيه البلطجة يوميا أتعرض لسلوكيات وممارسات بها العديد من البلطجة غير القابلة للمواجهة أو دعونى أقول انها غير مأمونة العواقب. أجد نفسى متورطة فى مواجهة مع أشخاص يخترقون القانون لعدم وجود رادع.

 

أتذكر الآن الخبر الذى قرأته فى صفحة الحوادث حول قيام قرية بالتمثيل بجثة بلطجى بعد قتله على إثر القيام بسلوكيات إجرامية وإرهاب ضد القرية.. فى حين تقاعست الشرطة عن اتخاذ أى إجراءات ضده.

 

نحن فى أسوأ العصور، ففى الوقت الذى تنحسر فيه سلوكيات المساعدة عند الأشخاص كقيم وكسلوك، ينحسر الاهتمام الأمنى إلا بما يناسب مصالح السلطة الحاكمة، ليقبع المواطنون فى فوضى يديرها مجموعة من البلطجية.

 

 

رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات