عندما يصبح عالم الأطفال رماديًا - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 3:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عندما يصبح عالم الأطفال رماديًا

نشر فى : الجمعة 20 أبريل 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 20 أبريل 2012 - 8:00 ص

أخبرتنى أمه أنه حزين طوال الوقت، وفقد حماسه للمذاكرة، وأصبح غير مهتم بالمرة بتكوين صداقات جديدة، عندما جلست معه لمحت شبح حزن دفين داخل ذلك الطفل الذى لم يتعد عمره السبع سنوات.

 

عندما جلس معى واطمأن، حدثنى عن حلمه بشراء كلب وقال إنه سيطلق عليه «بونتو»، وهو نفس اسم كلب صديقه الذى يتمنى أن يلعب معه رياضة فى النادى.

 

أخبرنى بحزنه لحصوله على تقدير أقل من ذلك الصديق، واستغرب جدا عندما أخبرته أن التقدير الذى ذكره هو أعلى مما حصل عليه صديقه. شعور فظيع بالتدنى ونظرة سلبية للذات.

 

عندما جلست معى الأم فى الجلسة الأولى تحدثت عن كم الشقاء الذى تعانيه مع طفلها وعن كم الاساءات التى تعرض لها من إساءات جنسية ونفسية ولفظية وبدنية. لم يكن الطفل سيئا كما وصفته الأم، فما زال يحصل على تقديرات ممتازة فى المدرسة لكنه لم يكن الأول كما حلمت دوما. طوال الوقت تعقد آمالا مثالية، تحلم بالطفل المثالى الذى يغسل يديه قبل الأكل وبعده ويتذكر وحده أن يغسل أسنانه ويأتى من المدرسة متنبها بما فيه الكفاية لأن يمشط شعره ويتذكر ذلك وحده قبل الذهاب إلى المدرسة.

 

كل تلك الآمال المحبطة والتوبيخ المستمر على عدم تحقيقها أشعر الطفل بالاكتئاب وأشعر الأم أيضا بالاكتئاب. كلاهما يحتاج لعلاج. كلاهما يحتاج لتعلم كيفية التفكير الإيجابى.. كلاهما يحتاج للتعامل مع مناقشة التوقعات المحبطة.

 

أخبرتنى الأم أن أكبر مخاوفها أن يصبح الطفل مثل أبيه غير متحمل للمسئولية وغير ناجح بالمرة، أخبرتنى أنها تكره أن ترى ذلك الشبه فى الشكل بينهما. الطفل عن حق ممتاز ومطيع ومبدع، اندهشت بشدة من أنها لا ترى كل ذلك.

 

هذا الطفل كان يحتاج لبيئة آمنة ومشجعة تمكنه من إعادة اكتشاف ذاته وقدراته المشكوك فيها دوما، كان يحتاج لتعلم نمط جديد للتفكير يجعله يكتشف الإيجابى فى نفسه، لكنه فى مثل هذه السن الصغيرة يحتاج الى أن تتغير معه معاملة الأم لتصبح أكثر تشجيعا وقبولا وتسامحا مع أخطائه الصغيرة. بقدر غيظى من الأم بقدر تعاطفى معها، اكتشفت أنها هى الأخرى تحتاج لتسديد احتياجات نفسية لم يرها أحد، كثيرا ما وجدت نفسى متورطة فى علاج الأم ومساعدتها قبل مساعدة طفلها وفى كثير من الأحيان يتحسن الطفل بعد تحسن الأم أو تحسن العلاقة الزوجية، وكأنه يشعر بالأمان والثقة. أكثر ما أزعجنى أن الأم عندما جلست جلسة مصالحة مع الطفل وحدثته عن كل الأخطاء التى ارتكبتها فى حقه وطلبت منه أن يسامحها عن كل مرة اعتدت عليه بالضرب، انتكست مرة أخرى وضربته فى أول غلطة ارتكبها من وجهة نظرها. عندما سألته هل ستصدق ماما مرة أخرى، صمت وفكر قليلا وتحدث أن لديه أملا أن تتغير وأنه ما زال يصدقها.

 

تفيد الدراسات أن الاطفال الذين يتعرضون للاكتئاب فى الصغر هم الأكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب مرة أخرى فى الكبر وبشكل أكثر حدة. لذا فنحن بحاجة شديدة وملحة لوجود جهود وقائية تعمل فى الأساس على الأطفال ووقايتهم من الاضطرابات النفسية، سبق وقلت إن لدى أملا أن تكون هذه الجهود حكومية تتبناها وزارة التربية والتعليم.

 

نسب الاكتئاب العالمية بين الاطفال فى العالم محبطة جدا،  ففى بعض الدراسات وصلت إلى 2% فى العمر من 3ــ5 سنوات و3ــ5% بعد سن 12 سنة.

 

عالم الأطفال لم يكن محبطا أبدا، طوال الوقت كنا نراه عالما ملونا بألوان مبهجة ومليئا بالصخب والبالونات، متى أصبح عالم الأطفال رماديا وكئيبا، نحن المسئولون عن اكتئاب أطفالنا، كما أننا مسئولين عن اكتئابنا لأننا نختار الاستمرار فى تبنى أنماط من التفكير السلبية والمحبطة والمخيبة للآمال. دعونا نساعد أطفالنا فى رسم لوحة مبهجة، دعونا نطلب منهم امتلاك صندوق للإنجازات.. صندوق ملىء بصورهم وهم فرحون بإنجازاتهم الصغيرة وملىء بقصة كتبوها أو لوحة رسموها أو ميدالية حصدوها أو درجة مدرسية حصلوا عليها أو أصدقاء جدد كونوهم وضموهم إلى عالمهم الصغير. لا تنقلوا العدوى إلى أطفالكم، فكفانا ألوانا رمادية، مصر لونها أخضر، والأخضر لا يليق معه إلا الألوان المبهجة.

رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات