وطن يستوعبنا جميعًا - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 3:27 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وطن يستوعبنا جميعًا

نشر فى : الأحد 19 أغسطس 2012 - 9:10 ص | آخر تحديث : الأحد 19 أغسطس 2012 - 9:10 ص

إلى جوارى جلستا تقتسمان تلك العدادات الرقمية ليوزعانها على معارفهما قبيل رمضان، فكرة ذلك العداد تتلخص فى حساب عدد المرات التى يذكران فيها اسم الله ويسبحان بحمده، نفس فكرة السبحة، لكنها سبحة رقمية، تنظر إليها فى كل مرة لترى الرقم الذى وصلت إليه، كنت ممتنة جدا لأنهما لم يهديانى واحد، إذ تعرفان جيدا رأى فى هذا الجهاز.

 

كنا فى حالة تسامح وتقبل رهيب، فلم تحاولا إقناعى بجدوى الفكرة رغم تحمسهما الشديد، وكانتا تقومان بإهدائها لمن هم مقتنعون بالفكرة أصلا، وأنا لم أنتقد تلك النظرة للعلاقة بالله وذكر اسمه.

 

أعرف الكثيرين المتخوفين بشدة من رمضان هذا العام، بعد تولى الرئيس محمد مرسى الحكم، لست خائفة بل مؤمنة أن الوطن يتسع للجميع وأن الدين به مساحه رهيبة لأن يستوعبنا جميعا باختلاف طقوسنا، وأن رمضان به الكثير من الطقوس والروحانيات التى ستستوعبنا جميعا.

 

رمضان به التواشيح الدينية الجميلة فى وكالة الغورى ولمة الأصدقاء وصوت مقرئ جميل قبيل الإفطار وصوت المدفع وصلاة التراويح بتنويعاتها المختلفة وتوجهاتها المختلفة الطويلة منها والقصيرة، ورمضان أيضا هو قيام الليل وختام القرآن والعداد الرقمى الذى يتيح للبعض أن يحسبوا كم وصلوا فى ذكر الله، وهو الحضرة الشريفة لدى البعض الآخر والذوبان فى حب الله.

 

رمضان يعنى الكثير والكثير، فقط إدراكنا له هو المختلف.. ربما يعنى تلك الرغبة الشديدة فى التدخين واحتساء القهوة والقريفة الناتجة عن الامتناع عنهما، مع الحرص الشديد على الصوم رغم كل ذلك.

 

الله يقبلنا ويتقبل صيامنا ويحترم طقوسنا المختلفة التى نجتهد فيها جميعا خلال هذا الشهر، فقط نحن الذين لا نقبل طقوس بعضنا البعض ونحكم عليها. البعض يستنكر سلوك العداد الرقمى ويشعر بتفاهة ذلك وقلة إيمان من يهتم بذكر الله بعداد رقمى، وآخرون يرون أن الله لن يقبل بصيام المتذمرين وحرمانهم المؤقت من بعض المتع التى تعنى لهم الكثير والكثير فى تفاصيل يومهم.

 

دعونا فى هذا الشهر نقبل اختلافاتنا جميعا ونثق فى أن الله يرانا كما نحن وأننا لسنا مسئولين نهائيا عن تغيير طريقة فهم الآخر لله وحبه بطريقة تماثلنا.

 

لو تأملت فى حياتك وتصرفاتك حيال البشر، ستجد أن تعاملك واحد، أنت تعتقد أنك دوما تمتلك الطريق الحق، وأن الآخر عليه أن يقطع مسافات ليصل إليك وإلى معتقداتك.

 

لا يختلف فى ذلك ليبرالى أو سلفى أو إخوانى أو ناصرى، إنما يختلف إنسان عن آخر، هناك من قطع مسافات مع نفسه فى فهمها وأدرك أن حدود إيمانه بالله تنتهى عنده ولا تنتهى بإجبار الآخر على الايمان بالطريقة نفسها. لدى صديق سلفى، ربما يجدر بى أن أقول زميل، كان يتعامل معى باحترام ومهتم جدا بمعرفة تصورى عن الله، وهو يقبل عدم ارتدائى للحجاب وعندما عرف بحبى الشديد للمزيكا أهدانى «سى دى» عليه موسيقى وكنت أنا الأخرى أقطع مسافات مع نفسى لقبول فكرة لحيته وعدم الحكم عليه مسبقا.. كلانا كان يقبل تصور الآخر عن الله والذى يقف عند أبعد نقطة من تصوره الخاص.

 

ما زلنا جميعا فى وطن يتسع لكل الممارسات، فعند أى نقطة تنتمى إليها ستجد مجموعة من البشر تشاركك ما تؤمن به وستجد مساحة من الوطن تعبر فيها وتمارس أنشطتك المفضلة.

 

ففى رمضان الماضى ذهبت لصلاة التراويح فى جامع الحاكم بأمر الله فى الحسين، وشاركنى فى الصلاة العديد والعديد من البشر، ثم بعدها مباشرة انطلقت إلى حفل فرقة «اسكندريللا» فى ساقية الصاوى بالزمالك لأجد الكثير والكثير من البشر يشاركوننى فى الاستمتاع بأغانيهم.

 

ما زلنا ننعم بهذا الوطن الخاص والاستثنائى، ولا توجد حتى الآن سلطة لأحد أن يحرمنا منه، سنحى فى رمضان كما اعتاد كل منا.. سيمارس كل منا طقوسه كما يحبها وكما يحن إليها.. فالسلطة دوما للشعب.

 

رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات