ربيع عالمى للغضب - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:25 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ربيع عالمى للغضب

نشر فى : الجمعة 21 أكتوبر 2011 - 9:20 ص | آخر تحديث : الجمعة 21 أكتوبر 2011 - 9:20 ص

ما يثير الحيرة بشأن اندلاع حركة «احتلوا وول ستريت» هو تشابهها الشديد مع غيرها من الحركات الشعبية المطالبة بالتغيير فى كل بقاع العالم الرئيسية تقريبا. ولا مفر من التساؤل عما إذا كان ما نراه نوعا من «ربيع عالمى» للغضب، جاء كرد فعل متأخر على الأزمة المالية فى 2008.

 

ومن الواضح أن الظروف مختلفة؛ فالناشطون الرافضون لسطوة الشركات الذين احتشدوا فى حديقة زوكوتى بمنهاتن لهم أجندتهم المختلفة عن تلك التى تبناها المحتجون فى ميدان التحرير، ومظاهرات الشوارع الصيف الماضى فى بريطانيا واليونان، وكذلك التى يتبناها المتظاهرون المعادون للشركات فى نيودلهى. ومعظم هذه الحركات تفتقر إلى الزعامة أو الأيديولوجيا الواضحة، ومن ثم يصعب تصنيفها.

 

لكن المحتجين يشتركون فى بعض الأسس، وهى رفض النخب السياسية، والاعتقاد بأن «العولمة» تفيد الأغنياء على حساب الجماهير، والغضب من زواج الأعمال والفساد، والتمكين والتواصل بفضل الفيس بوك وغيره من أشكال التواصل الاجتماعى.

 

وأكثر ما يدهش فى هذه الشعبوية الجديدة أنها تتجاوز على ما يبدو الحدود السياسية التقليدية. فحركة حفلات الشاى تصطبغ بصبغة محافظة، لكنها ظهرت كاحتجاج ضد النخب فى واشنطن ووول ستريت التى يُعتقد أنها جنت الفوائد على حساب الناس العاديين. وتتبنى حركة «احتلوا وول ستريت» القضايا نفسها من منظور يسارى، لكن الحركتين تتشابهان فى الكثير من الجوانب.

 

ويمثل الربيع العربى أقوى حركة شعبوية، بعد أن اكتسحت فى طريقها الحكومات فى تونس ومصر وليبيا. وقد بدأت هذه الانتفاضات فى شكل انفجارات غضب ــ أزاحت الحدود التقليدية بين الرأسمالى والاشتراكى، والمسلم والمسيحى. وقد عادت هذه التقسيمات ثانية، خاصة فى مصر. لكن جوهر الثورة هناك يظل الغضب من النخب التقليدية.

 

وتتسم الاحتجاجات فى أوروبا بقدر من الغضب الجماهيرى ذاته. ففى اليونان وإيطاليا، وحتى فى فرنسا، نرى غضب الطبقة الوسطى من عجز حكوماتها المثقلة بالديون عن تحقيق وعودها بإقامة دولة الرفاة. كما تشهد بلاد كبريطانيا وألمانيا اضطرابات بين الأعداد المتزايدة من المهاجرين غير المتجاوبين مع الثقافة القومية أو المعايير السياسية.

 

حتى فى البلاد التى تشهد الازدهار، كالصين والهند، هناك غضب ناجم عن ارتفاع سقف التوقعات. وحسبما تشير وزارة الأمن العام الصينية، فقد شهدت البلاد فى عام 2005 نحو 87 ألفا من حوادث الاضطرابات؛ أى ما يعادل 238 احتجاجا يوميا! وبعد ذلك، كف الصينيون عن نشر الأرقام، لكن من المؤكد أنها لم تقل. كما تشهد الهند موجة احتجاج متصاعدة، تتمثل فى مسيرات جماهيرية حاشدة فى الصيف تزامنت مع إضراب آنا هازر عن الطعام احتجاجا على الفساد. 

 

وربما كان من المناسب أن نبحث عن الموضوعات المشتركة بين تلك البلاد المختلفة. لكن يبدو أن هذه الحركات تجتمع على الغضب من الزعماء الذين فشلوا فى تحقيق العدالة الاجتماعية، إلى جانب التغيرات الاقتصادية العالمية.

 

ومن المؤكد أن هذا يصدق على أمريكا، حيث يتجه غضب حفلة الشاى و«احتلوا وول ستريت» إلى النخبة المالية العالقة فى الركود المدمر ــ التى أنقذتها نخبة واشنطن تحقيقا لمصالح خاصة. وقد استغل حزب حفل الشاى بصفة خاصة انعدام ثقة الأمريكيين الراسخة فى البنوك الكبيرة، التى تعود إلى عهد توماس جيفرسون وأندرو جاكسون. ويمكن للنمو والازدهار أن يستعيد ثقة الجمهور، كما كان الحال فى الماضى. لكن هذه المرة، يبدو أن أمامنا بضع سنوات قبل أن يتحقق التعافى المنشود ـ ويتراجع الغضب الشعبى.

 

ومن المؤكد أن شعبوية أوروبا الجديدة ستتزايد، مع معاناة البلاد من التعديلات الاقتصادية المؤلمة. وتتراجع معدلات السكان فى معظم أنحاء أوروبا، مما يعنى نقص عدد العمال الشبان الذين يمولون معاشات المتقاعدين. ولاستعادة القدرة التنافسية وتحسين القدرات المالية، لابد أن تتقلص الأجور وتتراجع نوعية الحياة فى كثير من البلاد الأوروبية. وبينما يمكن أن يصل عدد المسلمين فى غرب أوروبا بحلول 2025، حسب دراسة حديثة أعدها مجلس الاستخبارات القومى، إلى 25 ــ 30 مليون نسمة، مقارنة بـ15 ــ 18 مليونا حاليا، يمكن أن يؤدى هذا إلى المزيد من الضغوط. وليس ثمة ما يشير إلى ظهور قيادة سياسية أوروبية جديدة يمكنها إعادة الصياغة المطلوبة للعقد الاجتماعى.

 

إن كثيرا من الغضب الشعبوى الجديد الذى يشهده العالم له ما يبرره، بسبب جشع السنوات الأخيرة وغبائها. وما يزعجنى هو أصداء الثلاثينيات، التى شهدت تغيرات وإحلالات اقتصادية مماثلة. وعندما بدا وكأن رجال الأعمال والساسة التقليديين قد فشلوا فى التصدى لركود الثلاثينيات، اتجه الاستياء الشعبوى بحدة نحو أقصى اليمين وأقصى اليسار ــ نحو حركات خطيرة عبرت عن الغضب القومى بلغت حد حمل السلاح.

 

وكانت أمريكا محظوظة حينها بالرئيس فرانكلين روزفلت، وهو شخصية سياسية تمتعت بشعبية كبيرة واستطاعت إعادة تأهيل الوسط. لكننا لسنا محظوظين الآن بهذا القدر.

التعليقات