انعدام فرص السلام - من الفضاء الإلكتروني «مدونات» - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 3:28 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انعدام فرص السلام

نشر فى : الأحد 21 أكتوبر 2018 - 10:55 م | آخر تحديث : الأحد 21 أكتوبر 2018 - 10:58 م

نشرت مدونة «ديوان»
كارنيجى لدراسات الشرق الأوسط مقالا للكاتبة «سارة يركيس» عن الضرر الكبير التى سببته واشنطن عبر قطع التمويل عن برامج المصالحة الموجهة إلى الفلسطينيين.

استهلت الكاتبة حديثها بالإشارة إلى أنه فى مطلع سبتمبر، حظرت الولايات المتحدة على الفلسطينيين من الوصول إلى آخر ما تبقى لهم من المساعدات الأمريكية، والمتمثل فى الصندوق الإسرائيلى ــ الفلسطينى لتمويل المصالحة بين الشعبين (P2P) الذى يدار عن طريق مكتب إدارة وتخفيف حدة النزاعات (CMM) التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
وبرنامج المصالحة بين الشعوب أطلقه الكونجرس العام 2004 من أجل «دعم برامج وأنشطة المصالحة والتخفيف من حدة النزاعات، التى من شأنها جمع شمل الأشخاص من مختلف الخلفيات الإثنية أو الدينية أو السياسية فى مناطق النزاعات الأهلية والحروب». هذا البرنامج السنوى للهبات البالغة قيمته 26 مليون دولار أمريكى هو برنامج عالمى، إنما فى كل عام يطلب الكونجرس من الإدارة الأمريكية إنفاق نحو عشرة ملايين دولار أمريكى تحديدا على برامج المصالحة بين الشعبين الإسرائيلى والفلسطينى، ما يجعل الولايات المتحدة أكبر ممول لهذه الأنشطة. إشارة إلى أن الكونجرس يقدم دعما كبيرا لبرامج مكتب إدارة النزاعات، وقد صوت المسئولون عن توزيع مخصصات الموازنة على زيادة الحصة الإسرائيلية ــ الفلسطينية من المنح التى يقدمها مكتب إدارة النزاعات، بنسبة 20 فى المائة (حتى 12 مليون دولار أمريكى) للسنة المالية 2018.
لكن فى خطوة تتعارض مع دعم الرئيس دونالد ترامب المعلن لتسوية سلمية للنزاع الإسرائيلى ــ الفلسطينى، أعلنت الإدارة الأمريكية أنه لم يعد ممكنا تخصيص أموال مكتب إدارة النزاعات لتمويل أنشطة عابرة للحدود، مع العلم بأن هذه الأنشطة تستحوذ تقليديا على ثلثى برامج المكتب فى المساحة الإسرائيلية ــ الفلسطينية، مع تخصيص الثلث المتبقى لبرامج مجتمعية مشتركة داخل إسرائيل. وعلى رغم أن البرامج الإسرائيلية الداخلية مهمة، إلا أنها لا تمثل سوى جزءا صغيرا من عمل المجتمع المدنى الذى يعتبر أساسيا لردم الهوة الجغرافية والنفسية الشاسعة بين الإسرائيليين والفلسطينيين داخل الحدود الفاصلة بين الضفة الغربية وإسرائيل وعبرها، وهو أمر ضرورى لإرساء سلام دائم.
فى الأشهر الأخيرة، شنت إدارة ترامب سلسلة من الأعمال الانتقامية ضد السلطة والشعب الفلسطينيين، بدءا من إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن مرورا بقطع التمويل الأمريكى عن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، التى تعنى باللاجئين الفلسطينيين، وصولا إلى وقف الدعم لشبكة المستشفيات فى القدس الشرقية. غير أن إلغاء التمويل لبرامج المصالحة بين الشعوب العابرة للحدود قد يكون من الأكثر إلحاقا بالضرر لآفاق السلام، علما بأنه من أكثر الإجراءات المماثلة التى يجرى التعتيم عليها.
فلماذا تعتبر هذه البرامج مهمة؟
***
أولا، بإمكان مجموعات المجتمع المدنى أن تحقق أمورا تعجز عنها الحكومات أو لن تبادر إلى القيام بها. وإذا كانت إدارة ترامب جادة بشأن رغبتها فى جعل التوصل إلى اتفاق سلام فى الشرق الأوسط حجر زاوية فى إرثها، يجدر بها أن تتعلم الدروس المستمدة من اتفاقات أوسلو. لقد منيت هذه الاتفاقات بإخفاق جزئى لأن الجمهورين الإسرائيلى والفلسطينى لم يكونا مستعدين للسلام. ويحاول برنامج مكتب إدارة النزاعات التخفيف من وطأة هذه المشكلة، عبر العمل على بناء شروط إيجابية للسلام على المستوى المجتمعى، وذلك بغض النظر عن وضع المفاوضات.
علاوة على ذلك، لا يتمتع المسئولون الحكوميون بالإمكانات، سواء القانونية أو اللوجستية، للقيام بالعمل الخلاق والإبداعى على مستوى القاعدة الشعبية والذى يعتبر أساسيا لإحداث تغيير حقيقى على الأرض وتوليد الظروف المؤاتية من أجل التوصل إلى تسوية دائمة للنزاع. لهذا، ينبغى على إدارة ترامب أن تبدى دعما حماسيا للجهات التى تحصل على تمويل من مكتب إدارة النزاعات، ولأمثالهم ممن يقومون بالعمل المضنى فى سبيل بناء التسامح والثقة بين الشعبين الإسرائيلى والفلسطينى، بدلا من تعطيل جهودهم.
ثانيا، يبدى الشباب الذين يشكلون جزءا كبيرا من المستفيدين من منح مكتب إدارة النزاعات، استعدادا للمجازفة لا يظهره سواهم. وقد كنت شاهدة على ذلك مرات كثيرة، عندما كنت أعمل فى مكتب الشئون الإسرائيلية والفلسطينية التابع لوزارة الخارجية الأمريكية.
مثلا، فى خضم حرب غزة فى العام 2014، عندما كانت التشنجات بين الإسرائيليين والفلسطينيين فى أوهجها، التقيت الأب جوش توماس، مدير منظمة «أطفال من أجل السلام» (Kids4Peace)، التى تستفيد من المنح التى يقدمها مكتب إدارة النزاعات، والتى تشرك شبابا يهودا ومسيحيين ومسلمين وذويهم فى القدس فى برامج للتبادل بين الأديان على مدى العام. وقد فوجئت عندما أخبرنى توماس أنه على الرغم من الحرب الدائرة آنذاك، رفض المشاركون الصغار التوقف عن اللقاء. وفى حين أن التباعد كان يزداد بين عدد كبير من الإسرائيليين والفلسطينيين بدافع الغضب والكراهية، وهو أمر مفهوم، بذلت برامج المصالحة بين الشعوب العابرة للحدود مجهودا مضاعفا لبناء ثقافة من التسامح والمصالحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وبين المسلمين والمسيحيين واليهود.
ثالثا، لم يتخل الأشخاص فى طرفى النزاع عن الأمل. ففى حين أن النسبة المئوية للإسرائيليين والفلسطينيين الذين يدعمون حل الدولتين تراجعت قليلا فى الأعوام القليلة الماضية، إلا أن عدد المتقدمين بطلبات لمكتب إدارة النزاعات والمستفيدين منه، ونطاقهم يستمران فى النمو، وقد تمكنت بعض المنظمات العابرة للحدود من تحقيق زيادة كبيرة جدا فى حجمها وانتشارها بفضل التمويل من المكتب. وغالبا ما ينسى المفاوضون أنه فى حين أن القادة هم من يخطون ربما معاهدات السلام، لا يصنع السلام على طاولة المفاوضات، بل فى الشارع.
***
وأضافت أن السبب المعلن الذى ذكرته إدارة ترامب لوقف مختلف أشكال الدعم للفلسطينيين هو أن خسارة التمويل سترغم السلطة الفلسطينية على الجلوس صاغرة إلى طاولة المفاوضات. لكن غالب الظن أن هذه المقاربة القائمة على استخدام العصا الثقيلة سيكون مصيرها الفشل. يجب أن تكون مجموعات المجتمع المدنى العابرة للحدود الحليفة الأقوى للإدارة الأميركية، لا عدوتها. وتوجه الولايات المتحدة، عبر تخليها عن استثمارها الصغير فى الشعبين الإسرائيلى والفلسطينى، إشارة مدوية جدا بأن «عملية السلام» التى تروج لها زائفة.
نظرا إلى موقف الإدارة الأمريكية المؤذى من كل ما هو فلسطينى، من غير المرجح أن تبدل موقفها من برامج المصالحة بين الشعوب العابرة للحدود فى أى وقت قريب. لكن ما يثير القلق أكثر هو الخشية من أن يتجاوب الكونجرس مع إعلان الإدارة الأمريكية عبر إلغاء كامل الحصة الإسرائيلية ــ الفلسطينية فى البرنامج. فى حين أن حظر المنح للفلسطينيين قد يكون «مناقضا للتقليد المتبع فى التمويل ولنية الكونجرس»، ووفق ما قاله أحد كبار موظفى مجلس الشيوخ المعنيين بالبرنامج، فإن الإبقاء على دفق التمويل مفتوحا للبرامج الاجتماعية المشتركة، يعزز إلى حد كبير احتمالات إضافة البرامج العابرة للحدود من جديد فى المستقبل، عندما تتغير الإدارة الأمريكية (أو يتبدل موقفها).
وختاما تضيف الكاتبة أنه فى حال قرر الكونجرس إلغاء الحصة الإسرائيلية ــ الفلسطينية فى التمويل الذى يقدمه مكتب إدارة النزاعات، فسوف يتسبب بالقدر نفسه من الأذى الذى ألحقته الإدارة الأمريكية بالمنظمات والأشخاص الشجعان الذين يواظبون على العمل يوميا من أجل السلام.

النص الأصلى:

التعليقات