أزيحوا الضباب عن محادثات الشرق الأوسط - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزيحوا الضباب عن محادثات الشرق الأوسط

نشر فى : الإثنين 22 مارس 2010 - 9:38 ص | آخر تحديث : الإثنين 22 مارس 2010 - 9:38 ص

يحب الدبلوماسيون الغموض. فهو يسمح لهم بالتخفيف من حدة الجوانب الصعبة فى المفاوضات مسائل «الحل النهائى»، كما يطلقون عليها عادة وتأجيلها لوقت لاحق، تكون فيه الأطراف أكثر استجابة للضغوط.

وكان هذا الإخلاص لـ«الغموض البناء» سمة مميزة للأداء الأمريكى فى عملية صنع السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين على مدى السنوات العشر الماضية. وبدلا من التنازلات غير المستساغة التى يقر معظم المحللين بضرورة تقديمها لتحقيق أى تسوية قابلة للحياة وقبول الإسرائيليين باقتسام السيادة على القدس وتنازل الفلسطينيين عن «حق العودة» تحاول الإدارات الأمريكية المتعاقبة إرجاء هذه المسائل التى لا يصح الحديث عنها لوقت لاحق.

لكن ماكينة الضباب نسفت هذا الشهر، عندما أعلن وزير الداخلية الإسرائيلى، خلال زيارة نائب الرئيس جو بايدن، عن عزم إسرائيل بناء 1600 وحدة سكنية فى شرق القدس. وقد أزعج هذا (وهو تعبير مخفف) إدارة أوباما، ووصفت وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون الإعلان بأنه «مؤشر سلبى للغاية» على ما آلت إليه العلاقات الأمريكية ــ الإسرائيلية ويمثل «إهانة» للولايات المتحدة.

وخلال الضجة التى أعقبت «أزمة» العلاقات الأمريكية ــ الإسرائيلية، كانت هناك محاولات محمومة للادعاء بأن ما حدث كان نوعا من سوء الفهم، وعادت عباءة الغموض ثانية لتلف عملية السلام. وهذا خطأ.

لم تكن خطوة القدس الشرقية مجرد حادث عابر، بل كانت إعلانا علنيا ملفتا لرفض إسرائيل تقديم تنازلات فى القدس. وحاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التظاهر بالاستجابة لمطالب الولايات المتحدة لتخفيف حدة المسألة بتفادى الإجراءات الاستفزازية فى القدس. لكن حزب شاس اليمينى، الذى يتولى وزارة الداخلية، قطع عليه الطريق.

وقال دور جولد، سفير إسرائيل اليمينى السابق فى الأمم المتحدة، إن «تجميد البناء فى شرق القدس من الأشياء التى لا يمكننا الإقدام عليها». ورد أفيجدور ليبرمان، وزير الخارجية الإسرائيلية وهو نفسه من المستوطنين: «هل يمكن أن يطلب أحد من اليهود فى نيويورك ألا يبنوا أو يشتروا سكنا فى كوينز؟».

ما الذى ينبغى أن تفعله الإدارة إذن، فى الوقت الذى يطرح فيه اليمين الإسرائيلى القدس على الطاولة برغم ما يبذله الدبلوماسيون الذين أدمنوا الغموض من جهد؟

إن أفضل إستراتيجية يمكن أن تتبعها الإدارة هى عمل ما فكرت فيه قبل عام مضى، أى الإعلان صراحة عن إطار للمبادئ الأساسية لهذه المفاوضات. وقد أوضح زبيجنيو بريجنسكى، مستشار الأمن القومى السابق، هذه القواعد الإرشادية بجلاء: تقاسم حقيقى للسيادة على القدس، ولا حق للفلسطينيين فى العودة، والعودة إلى حدود 1967 مع تعديلات متبادلة تسمح بإقامة كتل استيطانية كبيرة، وإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح. وكانت جولات المفاوضات التى شهدتها العقود الأربعة الماضية تقترب من هذه المقولات.

وكانت إدارة أوباما قد ناقشت إصدار إعلان بهذه المبادئ قبل عام مضى، عند بدء جهود صنع السلام. وقد استهوى بعض المسئولين، من بينهم الجنرال جيم جونز مستشار الأمن القومى، تدشين المفاوضات بهذه «الفرقعة». لكن جورج ميتشل، مبعوث الشرق الأوسط، رأى أنه من الأفضل، على ضوء تجربته فى محادثات السلام الخاصة بأيرلندا الشمالية، أن يبدأ الطرفان الدخول فى مساومات قبل أن تقدم الولايات المتحدة اقتراحات لتقريب وجهات النظر.

وبدلا من إعلان مبادئ التفاوض من جانب الولايات المتحدة منذ البداية، قرر فريق أوباما الضغط على نتنياهو فى قضية المستوطنات. وقد اختار توقيت هذه المعركة خلال توهج الشهور الأولى من حكم أوباما، لثقتهم فى أن الرئيس الجديد قوى جدا وأن نتنياهو ضعيف جدا بحيث لن يكون أمامه إلا الاستسلام عندما تحين المواجهة. واستهلك الزعيم الإسرائيلى الوقت ببرود فى المساومة على المسائل الإجرائية، بينما كان أوباما يضعف سياسيا الشهر تلو الآخر. وفى النهاية، وافق نتنياهو فى نوفمبر على تعليق بناء مستوطنات جديدة مؤقتا لكن القرار استثنى القدس تحديدا. وكان على الإدارة أن تتوقع ما هو آت.

يبدو واضحا الآن أن أسلوب الخطوة خطوة كان خطأ. وثبت أن الغموض البناء، فى هذه الحالة، كان مدمرا. فقد سمح لليمين الإسرائيلى باستدامة فكرة أن بإمكانه الحصول على كل شىء التوصل إلى اتفاق سلام دون تقديم تنازلات فيما يخص القدس. وسمح لنتنياهو بمواصلة المراوغة.

والقدس هى أكثر مسائل المفاوضات الإسرائيلية ــ الفلسطينية صعوبة، ولهذا السبب، يفضل صناع السلام تأجيلها للنهاية. لكن أزمة هذا الشهر جعلت هذه المراوغة الإستراتيجية مسألة مستحيلة. فبفضل اليمين الإسرائيلى، أدرجت مسألة القدس.

والمطلوب الآن هو أن يعلن أوباما أنه عندما تبدأ المفاوضات، ستعلن الولايات المتحدة آراءها الخاصة بشأن القدس وغيرها من المسائل الأساسية رسم الخطوط العامة للاتفاق الذى يريده الإسرائيليون والفلسطينيون على حد سواء. وإذا رفض نتنياهو المشاركة، فسنشهد أزمة حقيقية فى العلاقات الأمريكية ــ الإسرائيلية.

Washington Post Writers Group  

التعليقات