فرصة باكستان السانحة - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:25 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فرصة باكستان السانحة

نشر فى : الأربعاء 23 ديسمبر 2009 - 10:09 ص | آخر تحديث : الأربعاء 23 ديسمبر 2009 - 10:09 ص

 تحتاج كل من الولايات المتحدة وباكستان، المعرضتين دائما للمشاحنة، إلى فكرة كبيرة تحثهما على اتخاذ موقف موحد وثابت فى الحرب الفاصلة فى أفغانستان الآن. ومن هنا فإنى أعرض للمفهوم الإستراتيجى الذى أقدمه للمسئولين فى البلدين: يمكن لباكستان، بشراكتها لأمريكا، فرض سيادتها على كل المناطق القبلية لأول مرة فى تاريخها ومن ثم، استكمال بناء الدولة الباكستانية.

يعد هذا مثالا كلاسيكيا لما يطلق عليه خبراء الإستراتيجية «المحصلة الإيجابية»، حيث يمكن لواشنطن وإسلام أباد معا إنجاز ما لا يمكنهما إنجازه منفردتين. لكن ما حدث أنه بدلا من التعاون، أخذتا تتبادلان، خلال الشهر الماضى، رسائل حانقة تطلب فيها الولايات المتحدة مساعدة باكستان فى إغلاق ملاجئ طالبان الآمنة ورد الباكستانيون، بقولهم: «لا نسمح بأن تملوا علينا ما يجب القيام به».

وإليكم الحقيقة القاسية والباردة: يعتمد نجاح أمريكا فى أفغانستان على فرض باكستان سيادتها على الحزام القبلى. فإذا تمكن المتمردون من مواصلة الاحتفاظ بملاجئهم الآمنة فى شمال وزيرستان وغيرها من المناطق القبلية الوعرة، فإن إرسال الرئيس أوباما مزيدا من القوات إلى أفغانستان لن تكون له جدوى. نعم، هكذا، بمنتهى البساطة.

تريد إدارة أوباما أن يتخذ الباكستانيون قرارا حاسما. وهذا هو سبب زيارة جيم جونز، مستشار الأمن القومى لباكستان الشهر الماضى. وهذا هو أيضا السبب وراء زيارة رئيس القيادة المركزية الجنرال ديفيد بتريوس ورئيس القيادة المشتركة الأدميرال مايك مولن هذا الأسبوع. لكنهم قوبلوا جميعا بالشك والريبة من الجانب الباكستانى. وعن ذلك يقول السفير الأمريكى: «المسألة تتصل بانعدام الثقة والشعور بالخيانة».

ويجب على الأمريكيين أن يطرقوا الأبواب المفتوحة. لأن الحقيقة القاسية والباردة، الثانية، تتمثل فى أن باكستان لن تكون دولة واثقة وحديثة وناجحة ما لم تمد سلطتها إلى المناطق القبلية الخارجة على القانون. ففى غياب هذه السيطرة، يخشى الباكستانيون من تمزق النسيج القومى الذى يجمع بين مكونات البلاد.

ومن المفارقة أن حرب أمريكا فى أفغانستان تُقَدِّم لباكستان فرصة ذهبية لإنجاز ما تفتقد إليه منذ استقلالها فى عام 1947، أى السيطرة السياسية والعسكرية على حزام البشتون القبلى. ولكن حتى الحكم البريطانى القوى تجاهل ذلك، مفضلا نظاما فضفاضا من الحكم القبلى جعل من المناطق الحدودية ملاذا للعصابات. وهذه الحالة من غياب الحكومة لا يمكن القبول بها فى عصر يمكن للإرهابيين فيه امتلاك قدرات نووية.

وبجلب جيش قوى إلى أفغانستان، تقدم الولايات المتحدة لباكستان فرصة نادرة. وإذا تمكن البلدان من التنسيق بين قواتهما العسكرية على تلك الحدود، ساعة بساعة ويوما بيوم، فسيسهل ذلك من إدارة حرب تراها واشنطن وإسلام أباد أحيانا ميئوسا منها بطريقة أفضل وأكثر نجاحا.

يمكن أن تمثل هذه الحرب على متمردى البشتون الفصل الأخير والحاسم فى قيام الدولتين الباكستانية والأفغانية الحديثتين. ويمكن مقارنة هذا بالحرب المكسيكية ــ الأمريكية التى جعلت من الولايات المتحدة دولة قارة، أو الحروب الأوروبية فى القرن التاسع عشر التى أسهمت فى توحيد كل من ألمانيا وإيطاليا. أما البديل، وهو قيام «بشتونستان» تمتد بين البلدين، فهى وصفة للشقاق الدائم.

ويترتب على هذه الرؤية لباكستان التى تفرض سيادتها على كامل أراضيها نتيجتان مهمتان: أولاهما قيام سوق مشتركة فى المستقبل بين باكستان وأفغانستان تدعم التطور الاقتصادى فى البلدين، والثانية هى تخفيف حدة التوتر القائم بين الهند وباكستان بعد أن تتخلص من الخوف من التمزق والشقاق.

وكان من الواضح خلال الشهور الماضية أن الجماهير فى أمريكا وباكستان تتشكك بشأن الحرب وتتطلع إلى رؤية تبعث على الحيوية لتبرير سقوط الضحايا. والمطلوب الآن، فى رأيى، هو عملية أقرب لتلك المحادثات الإستراتيجية التى جرت فى عام 1944، مع تصعيد الحلفاء لحملتهم ضد ألمانيا النازية واليابان الاستعمارية: أى شروع الحكماء من رجال الدولة الأمريكيين والأوروبيين فى الإعداد للسلام. وتقديم تصور لشبكة المؤسسات التى من شأنها تأمين عالم ما بعد الحرب الأمم المتحدة والبنك الدولى وصندوق النقد الدولى. ولا بد قبل كل ذلك للولايات المتحدة وباكستان أن تبديا الآن الرؤية والنضج ذاتهما.

وتبدو الحروب الأفغانية ــ الباكستانية أشبه بمقامرة مجنونة، لكن إذا وضعناهما فى إطار استراتيجى، فهما تمثلان مجهودا مشتركا لإقامة كيان مستقر فى وسط وجنوب آسيا فى القرن الحادى والعشرين. والمكافأة كبيرة، خاصة بالنسبة لباكستان. وحتى يفهم الناس أهمية هذا الصراع، يجب أن يدركوا الفكرة العظيمة الكامنة وراءه تحقيق الاستقرار فى المنطقة القبلية الخارجة على القانون التى ظلت لمائة وخمسين عاما مصدرا للاضطرابات.

Washington Post Writers Group

التعليقات