أحتفظ بدفتر عزيز على نفسى لا يفارقنى يضم أسماء وعناوين ووسائل التواصل المختلفة لمجموعة كبيرة من زملاء مهنتى الأعزاء منتشرين على خريطة العالم يعملون فى مراكز طبية منها ما بلغت شهرتها الآفاق، منهم من جاوزنى فى السن وسنة التخرج فكان بمثابة معلمى وأستاذى، ومنهم أيضًا من كان رفيقًا لرحلتى إلى جانب الكثيرين للغاية ممن أعتبرهم أبنائى.
خطر فى بالى هذا الصباح أن أضع دفترى بين يدى السيد وزير الصحة الذى وقع الأسبوع الماضى بروتوكولًا لاستضافة أطباء أجانب يعملون فى مصر بهدف رفع كفاءة المنظومة الطبية فى مصر! بالطبع فى زيارات قصيرة الهدف منها إجراء العمليات المعقدة أو ممارسة التقنيات الحديثة للعلاج بأنواعه!
احتفظت دائمًا بصلة قوية تربطنى بزملائى أتابع أعمالهم، ويتابعون نشاطاتى نتبادل الرأى والمشورة وأنواع المعارف حتى أخبار وطننا المحلية، لذلك يكن لدى أى مشقة فى شرح ما يحدث الآن فى مصر لأن الجميع يعرف ويتمنى لو سمح له بالمناقشة أو إبداء الرأى.
ما زلت عند رأيى فى أن المعركة الدائرة الآن وهمية فبعد أن أصبح العالم قرية صغيرة، وأصبحت الأخبار متاحة للجميع والتجارب -وإن اختلفت بنياتها تتكرر- فإن صياغة قانون للمسئولية الطبية ليس بمعضلة، حلها يستوجب تكسير العضال على العضال كقول العرب.
أطباء مصر الذين يعملون بها الآن فى مجالات وظروف بالغة القسوة: فى الريف والصعيد، فى الواحات، حتى فى المدن الصغيرة يعانون كالكثيرين من صغار الموظفين فى الدولة ليس فقط من ضآلة مرتباتهم فى مقابل ساعات العمل الطويلة وغياب نظام للتأمين الاجتماعى يساندهم فى أوقات الأزمات. هم أيضًا يعانون من غياب مستلزمات مختلفة يجب أن توفرها الدولة لهم تعد أساسيات لا يجب ولا يمكن الاستغناء عنها لصالح العمل، فإذا ما طالبوا بها اعتبر هذا موقفًا من الحكومة.
المسئولية ليست مسئولية الطبيب وحده: هو جزء من صورة كاملة من عناصرها المؤسسة الطبية التى يعمل بها، وإلى أى نظام إدارى تنتسب تلك المؤسسة الخدمية، وأى نظام سياسى تعمل تحت مظلته، وإلى أى حد يكفل هذا النظام السياسى حق المواطن فى الصحة والعلاج وحق الطبيب فى التعلم واكتساب الخبرات فى مؤسسات آمنة.
ما يحدث الآن من حوار عالى النبرة بين الأطباء وحكومة وطنية فى دولة من عمر الزمان أراه ظاهرة صحة يجب أن يحترم الجميع أصول النقاش وأن يتولى الأطباء إعادة ترتيب أوراقهم، وأن يتدبروا أمرهم جيدًا، وأن يعيدوا ترتيب أولوياتهم، وأن يجتمعوا على رأى واحد يحقق لهم أهدافهم ويعيد إلى المهنة هيبتها، وألا يتنازلوا على الإطلاق عن حق يضمن لهم سلامتهم أثناء تأديتهم لواجب قومى سبق، وأثبتوا عن جدارة أنهم يعرفونه حق المعرفة أثناء «حرب» فيروس كورونا فى الماضى القريب.
لم يكن تأجيل الجمعية العمومية بخطوة راجعة، إنما كانت خطوة «محلك سر» لتكثيف الجهود وحشد الحشود على الحق وإعادة ترتيب الأوراق وصياغة منظومة جديدة للحقوق والواجبات.
بعد تلك الخطوة التى قد نعتبرها «خطوة تنظيم» يجب أن تبدأ المسيرة التى أتمنى من الله ألا يعوقها عائق أو يقف فى طريقها حجر عثرة. تلك بالفعل فرصة، لأن تدعم الدولة فئة من أبنائها يحكم عملهم ضمير مستنير. رسالتهم بالفعل رسالة إنسانية لها قوانينها الخاصة ولا رجعة إلا لذلك الضمير الحى والقسم الذى يبدأون به السعى والاجتهاد لخدمة البشر.
دمتم جميعًا أصحاب حق وأصحاب رسالة.. زملاء مهنتى الأعزاء.