سد الغيرة بين الأخوة - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 3:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سد الغيرة بين الأخوة

نشر فى : الأربعاء 24 فبراير 2010 - 11:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 24 فبراير 2010 - 11:00 ص

فى الوقت الذى يؤكد فيه الأهالى أنهم يحبون أبناءهم كلهم بالدرجة نفسها، يؤكد أبناؤهم أنهم يميزون فيما بينهم، يحكى لى الأطفال فى الجلسات عن تمييز الآباء بينهم، يحكون وهم يشعرون بالألم والأسى، أعرف جيدا أن كلا من الاثنين على حق.

أصدق الأهل جدا حينما يتحدثون عن أنه لا يمكن تمييزهم لواحد دون الآخر وأن الأمر ليس كذلك، فقط هناك من يتبع التعليمات بدقة، وهناك الطفل المشاكس الذى يتمنون الهداية له.. وفى الوقت نفسه يحكى الأطفال كيف أنهم يشعرون بضغط شديد حينما يقارنون بأحد، قال أحد الأطفال الذين تحدثت إليهم إنه يشعر بالذنب الرهيب لأنه يكره أخاه، فأبيه طوال الوقت يذكره بالمزايا الفائقة التى يتمتع بها أخوه، وهو فى ذات الوقت مرتبك جدا لأنه يحبه ويكرهه فى نفس الوقت.
ربما يجعلنا ذلك نراجع أنفسنا فيما يتعلق بالأشياء التى نطلبها من أطفالنا، فى إحدى الجلسات تحدثت معى أم عن أنها لا تريد من طفلها أكثر من أن يكون مطيعا طوال الوقت ومتفوقا فى دراسته وينظف حجرته ويهتم بنظافته الشخصية ويصلى بانتظام، أضحكنى كونها لا تريد أكثر من ذلك.

الأمر معقد جدا فيما يخص متطلباتنا من أطفالنا، وتلك المقارنة التى نعقدها بين «الأخوات»، على الرغم من كونهم «أخوات» يشتركون فى البيئة والسمات الوراثية، إلا أن ذلك لا يعنى أبدا أن يتشاركوا فى سماتهم الشخصية.
عانيت كثيرا منذ الصغر فى المدرسة وهم يعقدون مقارنات بينى وبين أختى الأصغر منى والأكثر تفوقا، كنت طفلة عادية تعانى من العديد من صعوبات التعلم، وكانت طفلة غير عادية تحصل على المركز الأول فى المدرسة، وبالطبع أى محاولة للمقارنة بيننا كانت ظالمة جدا لى.

ثقة الطفل بنفسه تتأثر بهذه المقارنات السخيفة، أرى الكثير من الأهل وهم يحاولون إثارة غيرة الطفل وهم متأكدون أن ذلك سيدفعه إلى التفكير فى التميز، لكن على العكس تماما، هو لن يستطيع خاصة إذا كنت تطلب منه أكثر من قدراته فى الوقت الحالى، فهذا سيدفعه إلى المزيد من الكسل وتثبيت فكرة الطفل الفاشل والعنيد.

من أكثر الأطفال إبهارا لى هم هؤلاء الذين يفهمون أنفسهم جيدا، منهم طفل قال لى: «أنا كما يقول أبى فاشل وصايع وحرامى، أحاول أن أكون أفضل، لكن أبى لا يقدر ذلك، هو دوما يرانى كذلك.. إذن لماذا أتعب نفسى؟».

يظل الأمر مؤلما حتى بعد الرشد، لى صديقة مازالت حتى الآن تعانى من حب أمها الزائد لأختها، والذى لا يوازى مشاعرها تجاهها، تحكى لى أنها تعودت على ذلك منذ الصغر، لكن الألم لم يهدأ أبدا، حتى أطفال أختها التى تحبهم الجدة أكثر من أطفالها بدأ يوقظ داخلها الألم القديم.

نحن الذين نشكل أطفالنا.. عبارة دوما أقولها فى كل مرة أتحدث فيها عن موضوعات تخص التربية، بالفعل نحن الذين نؤثر فيهم، نشكل ثقتهم بأنفسهم، هذا الطفل البائس الذى لا يمتلك قدرات فائقة لن يجد لنفسه صورة مناسبة.
سيظل يقول لحاله، لست متفوقا ولست ذكيا بما يكفى، ولست جميلا، أنا طفل بائس غبى وسأعمل على ذلك.
عندما لا تجد من يشجعك ويصدق ضعفك ستضطر إلى قبول الصورة وتبنيها، فقط عندما تجد من يشجعك ويصدق أنك موجود ستنتعش وتفعل المعجزات.

طوال حياتى وأنا سيئة جدا فى الرياضيات وغالبا ما أحصل بالكاد على درجة النجاح، إلا فى سنة واحدة عندما أشعرنى مدرس الرياضيات فى الصف الأول الإعدادى أننى مهمة وأننى ذكية، وقتها فقط شعرت بذلك وكانت المرة الأولى التى أحصل فيها على الدرجة النهائية.

أن تحاول زرع الثقة بطفلك من خلال رؤيته وفقا لقدراته الحالية أفضل مائة مرة من محاولة الحلم بقدرات لا يملكها ومقارنتها مع الآخرين.

علم طفلك وساعده على رؤية ذاته وكيف سيطورها بغض النظر عمن حوله.. حتى طفلك المتفوق، اجعله يرى نفسه ليس من خلال التفوق فقط، الحياة ليست هى الدراسة فقط، هناك عشرات الأشياء التى يجب أن ننميها فى أطفالنا، أنا لا أفتخر بالطفل المتفوق بقدر افتخارى بالطفل الذكى وجدانيا.

لا تجعلوا الغيرة عائقا كبيرا وسدا يفشل أبناؤكم فى تحطيمه فيقعون فى أسره عاجزين.  

رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات