الوقوع فى دائرة الذنب - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 3:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الوقوع فى دائرة الذنب

نشر فى : الأربعاء 24 مارس 2010 - 9:40 ص | آخر تحديث : الأربعاء 24 مارس 2010 - 9:40 ص

شىء ما كان يدفعه فى كل مرة إلى الاعتذار بعمق وبمحبة شديدة، كان يشعر أنه المخطئ، يحاول بقدر الإمكان فعل كل ما فى استطاعته أو فى غيرها ليسعد الآخرين، فقط ليشعر بالسكينة وبأنه يستحق الحياة.

أتفهم هؤلاء الأفراد الذين يشعرون بالذنب الشديد إذا لم يقوموا بفعل كل شىء من أجل الآخرين، كنت أتناقش فى جلسة علاجية مع أحد الذين يشعرون بذلك.

إحساس يكاد يفتك بصاحبه إذا استسلم له ويظل أسيرا لخدمة الآخرين شاعرا فى كل مرة أنه لم يكن مخلصا مائة بالمائة، وأنه أنانى جدا، ويستمر فى تلك الدائرة المفرغة من الإحساس بالذنب، والتى تؤدى إلى اكتئاب شديد فى كثير من الأوقات.

يشعر الشخص المضحى أن من واجبه القيام بأشياء كثيرة من أجل الآخرين، فمثلا إذا غضب زميله فى العمل وشعر هو بالحنق عليه فى داخله (ولم يأخذ أى رد فعل سلبى تجاهه) يشعر بالذنب الشديد لأنه لم يقدر مشاعر الغضب لديه وتضايق منه فى داخله.. وتجد هذا الشخص فى الغالب يخجل من قول «لا» لأحد على طلب لن يستطيع تنفيذه، فيحاول جاهدا باذل كل طاقته فى تنفيذ هذا الشىء.

هؤلاء لا يفعلون أشياء لأنفسهم، فى الغالب ينسونها أثناء انشغالهم بإرضاء الآخرين، وهم فى ذلك يشعرون بالألم الشديد عند إحساسهم بالتخاذل فى مساعدة أحد ويضغطون على أنفسهم كثيرا من أجل الآخر.

وبعد فترة من الضغوط يشعرون بالتعاسة الشديدة والاكتئاب الفظيع ويبدأون فى التشكيك من هدف مساعدتهم للآخر، وهل هم مخلصون فى ذلك فعلا أم لا؟

لدىّ صديقة تشعر بالذنب الشديد تجاهى إذا رفضت دعوتى فى الخروج معا، وتتصل فى الصباح لتعتذر لى عن عدم قبولها الدعوة، مؤكدة أنها شعرت بالنكد الشديد فى المساء وعدم القدرة على النوم لأنها اعتقدت أننى ربما سأدخل فى اكتئاب لرفض الدعوى وتمضية الوقت وحيدة، لم تهدأ إلا عندما أخبرتها أننى شاهدت فيلما جميلا واستسلمت لنوم هادئ بعدها، وأكدت لها أننى لم أغضب تماما منها وأننى قدرت رفضها للدعوى لأننى أتفهم ظروفها، لكنى كنت أعرف أن ذلك سيدفعها أيضا للذنب، فتلك المشاعر التى اختبرتها فى المساء كانت بالفعل عنيفة، ظلت الأفكار تراودها فى اتجاه واحد وهو أنها أجرمت فى حق صديقتها، وأنها لا تستحق هذه الصداقة، وأنها ربما خانتنى برفضها هذا.

هناك مجموعة من الأفكار التى يجب أن نناقشها عند مواجهة الإحساس بالذنب، وغالبا سنحتاج لمراجعات فكرية عديدة حول الحقوق وما حقوقى وحقوق الآخر؟

كنت أقول لمريض لدىّ فى العيادة ليس من حق زوجتك إجبارك على الذهاب لأعياد ميلاد كل صديقاتها، ومن حقك الرفض دون الشعور بالذنب، ظل يناقشنى لنصف الساعة حول مفهوم الحقوق والمشاركة فى الحياة وفى النهاية شعر براحة حينما توصلنا إلى أنه يمكنه الاعتذار ومناقشة ذلك معها.

أن تتعلم مناقشة الفكرة فى اتجاه آخر غير الذى اعتدت عليه، نحن نناقشها فى اتجاهها السلبى، نحاول أن نعمق الفكرة داخلنا، نناقش بعمق شديد كيف أننا قصرنا فى فعل شىء معين كواجبات العمل مثلا، وننسى تماما أننا أنجزنا العديد من قبل، ولا نناقش أنفسنا فى اتجاه الإنجاز.

كنت منشغلة بفكرة أن الأفراد الذين يعانون بشدة من الإحساس بالذنب من الصعب توظيفهم فى الشركات الخاصة الكبرى، التى تكاد تلتهم الوقت وتطحن الموظف ليخرج أفضل ما لديه لها، وهنا يظل الشخص دائرا فى الساقية شاعرا بالذنب طوال الوقت، وأن هذه الشركات كأنها تقوم بدور المتواطئ لجعل هذا الشخص مستسلما لمرضه مستمرا فيه، لأنها تربح كثيرا من جراء إحساسه بالذنب، هذه الشركات حتما ستبتلعك طالما أنت فى تلك الدائرة، لابد من وضع الحدود.

أعرف صديقا كان يرفض إمضاء المزيد من الوقت فى الشركة الكبرى التى يعمل بها بعد مواعيد العمل الرسمية، رغم مضاعفة أجر ساعة العمل الإضافية، لكنه كان لا يفعل لأنه بمنتهى البساطة يريد أن يفعل أشياء أخرى فى الحياة أكثر أهمية من وجهة نظره.

فى كثير من الأوقات يحتاج الشخص الشاعر بالذنب لآخر يناقش معه أفكاره ويعينه عليها، ومن المهم أن يكون هذا الشخص متخصصا أو خاض رحلة نضج تسمح له بأفكار صحية إيجابية.

مناقشة الأفكار السلبية ووضع أفكار بديلة من أحد أهم التكنيكات العلاجية لمواجهة المشاعر السلبية التى تكمن وراءها كل هذه الأفكار الراكدة فتسمم حياة الإنسان ولا تزرع سوى الاكتئاب والقلق والإحساس بالذنب.من المنطقى أن نكون أفرادا جيدين لكن من غير المنطقى أن نكون مثاليين طوال الوقت ضاغطين على أنفسنا شاعرين رغم ذلك بالذنب. 

رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات