تحول عربى غير مضمون - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تحول عربى غير مضمون

نشر فى : الأربعاء 24 أغسطس 2011 - 10:05 ص | آخر تحديث : الأربعاء 24 أغسطس 2011 - 10:05 ص

 غالبا ما يشير محللو الاستخبارات الأمريكية ــ مثلهم مثل معظم المراقبين الأمريكيين ــ إلى العملية الجارية فى الشرق الوسط باعتبارها «الربيع العربى»، بما يتضمنه هذا التعبير من رسالة بعث الديمقراطية والحرية. ولكن يقال إن بعض كبار المحللين يدعون إلى تعبير أكثر حيادية، مثل «التحول العربى»؛ الذى يشير إلى الحقيقة الضرورية وهى أى أنه ما من أحد يستطيع التنبؤ، بما ستتجه إليه هذه الانتفاضة. وفى الأسبوع الماضى، امتد هذا التحول غير الواضح إلى سوريا: حيث يبدو أن قبضة الأسد على السلطة باتت ضعيفة، بينما وصل جيشه إلى حافة الانهيار فى محاولة للسيطرة على الاحتجاجات. ومن الواضح أن الرئيس أوباما استشعر اقتراب نهاية المباراة، ففى يوم الخميس، طالب الرئيس الأسد بالتنحى.
وتمثل سوريا المفارقة فى حركة التحول العربي. حيث تمثل شجاعة الشعب السورى فى مواجهة دبابات الأسد أمرا مطمئنا، لكنها حركة من دون قيادة واضحة أو أجندة تتجاوز إسقاط الأسد. وربما تؤول إلى الأصوليين السنة المتشددين الذين قادوا حرب الشوارع فى درعا وحمص، أو إلى نشطاء دمشق المثقفين الموالين للديمقراطية. والحقيقة أنه لا أحد يستطيع التنبؤ بما سيحدث بعد الأسد.


وتتحول المواجهة السورية بالفعل إلى حرب إقليمية بالوكالة. حيث تسارع إيران بتقديم المساعدة للأسد، الحليف العربى الرئيسى لها؛ وتوفر حبل إنقاذ لميليشيا حزب الله فى لبنان. كما تضخ السعودية، التى تجرأت حديثا، الأموال إلى المقاتلين السنة فى سوريا لمواجهة الإيرانيين. وتمثل دمشق خط التماس فى التوترات بين الشيعة والسنة، والمواجهة بين إيران وأمريكا وإسرائيل.وعلى الرغم من هذه الشكوك، كان أوباما محقا فى مطالبة الأسد بضرورة الرحيل. وكان معلقون قد انتقدوا البيت الأبيض بسبب المبالغة فى الحذر (فالسعودية ـ وهى ليست منارة للتغيير بأى حال ـ أدانت الأسد قبل أسبوع). لكننى أعتقد أن أوباما كان حكيما فى التحرك بحذر، وتجنب التعجل فى احتضان حركة تمرد غير معروفة التوجه. حيث يجب أن يكون هدف أمريكا تحقيق ديمقراطية شاملة، تضمن الحرية للمناضلين السنة فى الشوارع، لكنها تحمى أيضا العلويين والمسيحيين والدروز الخائفين من حمامات الدم.
●●●

وبينما ينتقل التحول العربى نحو الخريف مرورا بالصيف؛ حان الوقت لإجراء تقييم، وأن نذكر أنفسنا بأنه لا يمكن حدوث الانتقال، تلقائيا، إلى الرخاء وحكم القانون. ولا شك أن تمرد المواطنين الذى بدأ فى تونس، توجه إيجابى لا يمكن وقفه بأى حال. غير أن المحللين يعرضون بعض النقاط التحذيرية المهمة:

ربما تؤخر حركات التغيير العربية عملية الإصلاح الاقتصادى التى كانت جارية فى دول مثل مصر. وقد كان الرئيس حسنى مبارك زعيما متعجرفا، لكنه شجع طوال العقد الماضى سياسات السوق الحرة التى ساعدت على زيادة معدل النمو فى مصر بأكثر من خمسة فى المائة. وكان رئيس الوزراء أحمد نظيف ووزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد من مهندسى تلك السياسات المؤيدة للسوق، ولكنهما الآن متهمان بالفساد. ومن الممكن تفهم الغضب الشعبى، لكنه لن يساعد فى حصول مصر على الاستثمارات الدولية التى تحتاجها بشدة.

من المحتمل أن تخيب الديمقراطية أمل المحتجين. فقد انطلقوا إلى الشوارع مطالبين بحياة أفضل ـ فرص عمل، والتحرر من الشرطة السرية، والكرامة الشخصية ـ وأرادوا تحقيق هذه الحقوق الآن. ونأمل أن يستطيع المواطنون فى مصر وتونس وسوريا واليمن التصويت قريبا لصالح حكومات ديمقراطية. لكن الديمقراطيات الناشئة غالبا ما لا تنجح تماما فى تلبية المطالب الأساسية التى ولدت الثورات. وبينما تضع آسيا الإصلاح الاقتصادى فى المقام الأول، على أن يعقبه الإصلاح السياسى تدريجيا؛ قرر العرب المضى فى الاتجاه الآخر، ذى العواقب غير المؤكدة.

على التحول العربى أن يتبنى تسامح المجتمعات العلمانية، بدلا من تعصب الثيوقراطية. وهو درس يمكن أن يتعلمه هذا الجيل من حركات «النهضة العربية» فى القرن الماضى. وقد صار حزب البعث والناصرية مرفوضين الآن، لكنهما ـ عبر الدعوة إلى «القومية العربية» ــ منحا المواطنين هوية أكثر اتساعا من الدين، أو المذهب أو القبيلة. وسوف تكون روح الهوية الشاملة هذه ضرورية من أجل تحقيق مستقبل عربى سعيد.

●●●

وكثيرا ما يتحدث الرئيس أوباما، عند متابعة الأحداث فى العالم العربى، عن «الوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ». ولكن هذا مفهوم غير متماسك فى الحقيقة. فالتاريخ ليس له جانب، وهو ليس خطا مستقيما يتجه باطراد نحو التقدم. والحركات التى تنطلق من الدعوة للتحرر، تنتج العكس غالبا.

ولعل ما ينبغى أن يوجه السياسة الأمريكية فى هذه الفترة من التحول، هو الوقوف على الجانب الصحيح من المصالح والقيم الأمريكية.

وأحيانا ما يحدث تعارض بين الاثنين، بما يتطلب خيارات صعبة، لكنهما يتفقان بشدة الآن على رحيل الرئيس السورى بشار الأسد.

التعليقات