دروس من رام الله - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دروس من رام الله

نشر فى : الأربعاء 25 نوفمبر 2009 - 10:25 ص | آخر تحديث : الأربعاء 25 نوفمبر 2009 - 10:25 ص

 إذا نظرت إلى هذه المدينة، يمكنك تخيل ما قد تكون عليه الدولة الفلسطينية يوما ما، إذا ما أخذت الأمور مأخذ الجد: فالشوارع نظيفة، وهناك بناء جديد فى كل اتجاه، والجنود الفلسطينيون ينظمون الطرق. ويرى الزائر عمارات وبنوك وشركات وساطة ووكلاء للسيارات الفاخرة، بل ونوادى صحية.

تلك هى «الحقائق على أرض الواقع،» كما يحب الإسرائيليون أن يقولوا. وهى نتيجة للجهد الفلسطينى الذى يتسم بالتصميم، بدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل، من أجل البدء فى إنشاء مؤسسات دولة فلسطينية قابلة للبقاء. ويتفق الجميع، حتى الإسرائيليين المتشددين، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على أن التحسن فى قوات الأمن الفلسطينية أمر حقيقى.

ولكن هنا تكمن المأساة؛ إذ فى الوقت الذى يحدث فيه تقدم ملموسا فى رام الله وبعض مدن الضفة الغربية الأخرى، انهارت عملية السلام تقريبا. وهاهو نتنياهو الحذر يؤجل ما كان عليه القيام به، بينما يتحدث الرئيس محمود عباس المحبط عن الاستقالة، بينما لا تحقق إدارة أوباما أى تقدم من أجل إحياء المفاوضات.

إنها قصة الشرق الأوسط المحزنة القديمة الخاصة بضياع الفرص. ولكن على الولايات المتحدة إعطاء دفعة أقوة بدلا من الهروب.

وإليكم اقتراحا مستمدا من زيارتى هنا وحواراتى لعدة أيام مع المسئولين الإسرائيليين والفلسطينيين والأمريكيين: اتبعوا خطى سلام فياض، رئيس وزراء السلطة الفلسطينية والرجل المسئول إلى حد كبير عن تحول رام الله. فقد وضع خطة التحول إلى وضع الدولة فى غضون عامين. ولابد أن تصدق أمريكا على ذلك الهدف، صراحة، وتدعو إلى بداية فورية للمفاوضات حول التفاصيل.

وقال مارتن انديك رئيس مركز سابان فى معهد بروكينجز، الذى نظم مؤتمرا لمدة ثلاثة أيام فى القدس لمناقشة القضايا الأمريكية الإسرائيلية: «فياض هو الخيار الوحيد، ولكن خطته غير قابلة للاستمرار دون عملية سياسية.»

ربما يرفض الإسرائيليون بعض جوانب خطة فياض لبناء الدولة، ولكن هذا ما تجرى المفاوضات من أجله. إذ يعتبر هذا بديلا أفضل عن المشروع الأخير الذى تبناه حلفاء عباس من أجل إعلان الأمم المتحدة للدولة الفلسطينية، والذى يرفضه نتنياهو عن حق باعتباره تحركا منفردا. وهو بالتأكيد بديل أفضل من مجرد ترك المشكلة تتفاقم، حيث لن يستفيد سوى حماس، الجماعة المتطرفة التى تسيطر على غزة.

وقال فياض: «ما نركز عليه هو أن نكون مستعدين لوضع الدولة»، وكانت خطته التى نشرت من ثلاثة أشهر مضت، عبارة عن خلاصة وافية للبيانات، التى توضح مهمة وزارة كل وزارة على حدة، من أجل توفير الخدمات للحكومة. كما قال: «هدفنا ضمان أن يكون لدى الشعب الفلسطينى خلال سنتين مؤسسات كفء قوية».

ربما يبدو الأمر فكرة وهمية، نظرا لسمعة السلطة الفلسطينية الخاصة بالفساد وانعدام الكفاءة. ولكن فياض، المسئول السابق فى صندوق النقد الدولى، بدأ فى تغيير ذلك التاريخ من سوء الإدارة. كما شجع إعادة تنظيمه للخدمات العامة فى الضفة الغربية بعض الانتعاش الاقتصادى هنا. إذ تبلغ النسبة الرسمية للنمو 7٪ ويقدر فياض المعدل الحقيقى بـ 11٪.

عمل إلغاء الإسرائيليين لـ 28 نقطة تفتيش من بين 42 نقطة على مساعدة الاقتصاد فى الضفة الغربية. ولكنهم يستطيعون عمل المزيد كى ييسروا على الأعمال التجارية بالضفة الغربية الوصول إلى الأسواق. وتعد التنمية الاقتصادية خيارا أرخص مقارنة بالجنود الإسرائيليين.

ومما يدهش الإسرائيليين أن أكبر نجاح حققه فياض كان متعلقا بالمجال الأمنى. فعندما صار رئيسا للوزراء فى 2007، كان المسلحون يطوفون بالضفة الغربية كما يحلو لهم تقريبا. وأصر فياض على أن الحكومة سوف ترسخ احتكار القوة، وبمساعدة أمريكا وإسرائيل، حقق النتائج. فقد مولت أمريكا تدريب ما أصبح يزيد الآن على 2000 من عناصر القوات المسلحة جيدة الانضباط، مع وجود خطة بشأن عدة آلاف أخرى فى عام 2011. ومنحهم الإسرائيليون بعد تردد فى البداية المسئولية فى مدن الضفة الغربية.

وسوف تكون إسرائيل ذكية إذا ما بنت على هذا النجاح من خلال تقليل غاراتها على المدن وتوسيع سلطة القوات الفلسطينية. ففى الوقت الراهن، يحتاج الفلسطينيون فى العادة إذنا إسرائيليا للانتقال خارج المدن الكبرى. وقد أخبرنى مسئول إسرائيلى رفيع المستوى أنه على استعداد لترك الفلسطينيين يدبرون أمرهم أكثر فى القرى والمناطق الريفية ــ وهى الخطوة التى قال عنها فياض إنها سوف تعطى الفلسطينيين الأمل بأن الاحتلال سوف ينتهى فى نهاية الأمر.

لا تفهمونى بصورة خاطئة؛ فما زالت الضفة الغربية ممزقة، وغزة منكوبة. وسوف يكون فياض سعيد الحظ إذا وفى بجدوله الذى يستغرق عامين فى خلق مؤسسات فعالة. وإذا لم يستطع التوصل إلى ذلك، فلا ينبغى للإسرائيلين أن يتقدموا. ولكن بأمانة، يعتبر برنامجه فى بناء الأمة شعاع الضوء الوحيد الذى يمكن أن يلمح فى المستنقع الفلسطينى، وهو يستحق دعم أمريكا.


Washington Post Writers Group

التعليقات