عامل سوء الحظ - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عامل سوء الحظ

نشر فى : الثلاثاء 26 يناير 2010 - 11:02 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 26 يناير 2010 - 11:02 ص

 عندما تقتل كارثة طبيعية شاملة مثل زلزال هاييتى عدة آلاف من الناس، فمن الطبيعى أن نسعى إلى معرفة الأسباب وتحديد من يقع عليه اللوم. فنحن نريد أن نفهم لماذا تقع تلك الأحداث الرهيبة، بعيدا عن مسألة الحظ الجيولوجى المتقلب المتمثل فى تحرك طبقات القشرة الأرضية والاختلال البنيوى.

وكان بيان القس بات روبرتسون بعد يوم من وقوع الزلزال أقوى مثال لهذه الرغبة فى «تفسير» المأساة. إذ قال إن هاييتى «ملعونة» من الله لأن شعبها «تحالف مع الشيطان» منذ قرنين بممارسته لطقوس وشعوذة الفودو.

وهناك نسخ علمانية تعكس الرغبة نفسها فى تفسير الأحداث الرهيبة. وعند نظرهم إلى الدمار، رأى بعض المراقبين آثار نظام هاييتى الطبقى، حيث يعانى فقراء الناس معاناة شديدة، كما كتب وليام بوث فى «الواشنطن بوست»: «نجاة نخبة هاييتى من كثير من الدمار».

كما حمل ريتشارد كيم سياسات القروض الدولية المسئولية عن فقر هاييتى المستمر فى 15 يناير على الموقع الإلكترونى لصحيفة «نيشن».

واستخلص معلقون آخرون دروسا مختلفة. فديفيد بروكس يلقى باللوم على الثقافة الهاييتية. وقد كتب فى نيويورك تايمز يقول: إن «بعض الثقافات أكثر مقاومة للتقدم من غيرها». وقالت آن أبلباوم فى «الواشنطن بوست»: إن تلك كانت «كارثة من صنع الإنسان»، وإن آثار الزلزال «تضاعفت كثيرا بسبب ضعف المجتمع المدنى وغياب حكم القانون».

وهناك قدر من الحقيقة فى التفسيرات العلمانية. لكنها تغفل أكثر العوامل التى تواجهنا إيلاما وإرباكا كلما وقعت أحداث مأساوية، ألا وهو سوء الحظ. وتنشأ المشكلة نفسها عندما تحل هذه الأحداث المأساوية بأشخاص نحبهم؛ كأن يصيبهم مرض ينذر بموتهم.

فنحن نبحث عن تفسير عقلانى يوضح لنا لماذا يصاب هذا الشخص بالسرطان فى حين لا يصاب جاره، مع توافر عوامل الخطورة نفسها فى الحالتين. وغالبا ما تكون الإجابة الأمينة هى: هذا ما حدث.


وعندما كان صديقى جاريت إبس أستاذ القانون الدستورى بجامعة بالتيمور يتحدث عن زلزال هاييتى، أوصانى بقراءة كتاب «الشر فى التفكير الحديث»، للفيلسوفة سوزان نيمان. وهى فى مناقشتها للطريقة التى يرد بها الناس على الأحداث السيئة، تنطلق من زلزال 1755 الذى دمر مدينة لشبونة البرتغالية، وقتل 15 ألف شخص على الأقل.

كان زلزال لشبونة مأساويا أثار هلع أوروبا كلها. الزلزال نفسه استمر 10 دقائق ودفن الآلاف تحت الأنقاض. وتبعته الحرائق التى اندلعت فى أرجاء المدينة، ثم سلسلة من الأمواج العاتية دمرت الميناء وأغرقت المئات ممن لجأوا إلى الساحل. وبات واضحا أمام معظم الناس، فى ذلك الزمن المتدين، أن دمار تلك المدينة الرائعة كان عملا من أعمال الرب ــ عقاب رهيب للبشر على آثامهم. لكن لماذا لشبونة بالذات؟

تقول نيمان: إن «علماء اللاهوت الأرثوذكس رحبوا بالزلزال بتعبيرات لم يجهدوا أنفسهم كثيرا لإخفائها. ولسنوات، حاربوا الربوبية (الإيمان بالله من غير الاعتقاد بالديانات المنزلة)، والدين الطبيعى، وأى شىء يحاول تفسير العالم من المنظور الطبيعى وحده». وناقش علماء اللاهوت الخطايا التى يمكن أن تكون سببا لهذا الغضب الإلهى الشديد.

وقال البعض إن الزلزال كان عقابا على نهب البرتغاليين للعالم الجديد، و«ملايين الهنود الفقراء الذين ذبحهم أجدادكم من أجل الذهب».

كما جاهد الفلاسفة من أجل فهم معنى هذه الكارثة. وكتب إيمانويل كانط ثلاثة مقالات عن الزلازل لصحيفة أسبوعية فى كونيجسبرج، كانت النقطة الرئيسية فيها هى أن الزلازل لم تقع فى بروسيا، وبالتالى يمكن تفسيرها بعيدا عن التدخل الإلهى. وتقول نيمان إن روسو وفولتير جادلا بشأن ما إذا كان من الممكن فهم هذه الأحداث السيئة أم لا.

وكان بطل قصة لشبونة هو الرجل الذى قاد جهود الإغاثة، المركيز فى بومبال، الذى كان رئيسا لوزراء ملك البرتغال جوزيف الأول. وقد اشتهر عنه قوله: «ما المطلوب الآن؟ أن ندفن الأموات ونطعم الأحياء». وهو ما فعله بالضبط، حيث تم بسرعة إخلاء الجثث، والاستيلاء على مخزون الحبوب لإطعام الجائعين وتنظيم ميلشيا للتصدى للنهب والقرصنة. وفى خلال عام، عادت المدينة إلى حياتها الطبيعية.

وسأتذكر بومبال عندما أشاهد إعادة إعمار هاييتى. فقد تمثل رد فعله على الدمار بعيد الأثر فى إعادة البناء، بشجاعة وثقة، والتأكد من صمود المبانى الجديدة أمام الزلازل مستقبلا.

تقول نيمان: إن «الطبيعة لا معنى لها، وأفعالها ليست إشارات». والزلازل ليست شرورا؛ لأن الشر يتطلب العمد، وهذا ما يفعله الكائن البشرى فقط. ولا ينبغى أن يكون الرد على تلك الأحداث التى يتعذر تفسيرها بالكلام، بل بالعمل.

c) 2010, Washington Post Writers Group)

التعليقات