تتنافس على فكرى وقلمى أفكار كثيرة ومتنوعة كلها فى رأيى تستحق أن تخرج إلى النور خاصة أنها كلها تتعلق بمصالح مصرية مؤكدة فى وقت أثيرت فيه عواصف ترابية عاتية أدت إلى اختلاط فى الصور وفى الألوان، وأحيانا فى المفاهيم، ولذلك فضلت أن أمر مرور الكرام ــ الذين لا يطيلون بقاءهم حتى لا يثقلون على مستضيفيهم ولكنهم مع ذلك يحرصون على القيام بالواجب سواء كان واجبا سعيدا أم حزينا ــ وعادة ما أفضل تناول موضوع واحد حتى أعطيه قدر جهدى حقه، ولكن الأيام والأسابيع تجرى والأحداث تجرى بأسرع منها مما قد يقتضى أحيانا الاختصار لصالح محاولة تغطية الأكثر الممكن منها، خاصة ما أرى أنه ذو صلة بما يشغل بالنا ويؤرقنا.
أولا: بمناسبة الاحتفال بعيد تحرير سيناء، فلقد اقترنت الفرحة المبررة والافتخار بما حققه هذا الشعب بأبنائه المخلصين من القادة والقوات المسلحة والدبلوماسيين وكل من ساهم بشكل أو بآخر، اقترن ذلك بالتفكير فى الأسلوب الذى تحقق به التحرير، فبعد هزيمة يونيو 1967 أعادت مصر تنظيم قواتها المسلحة على أسس عصرية، وبينما كان يتم إعدادها للمعركة المظفرة أسفرت أعمال المقاومة ضد الاحتلال فى شكل حرب الاستنزاف التى حاول البعض إنكار دورها المهم سواء بالنسبة لإعادة الثقة إلينا أو إزعاج العدو وإضعافه بشكل أو بآخر، كما استمرت المعركة السياسية والدبلوماسية، كل ذلك وصولا إلى حرب أكتوبر المجيدة التى فتحت الباب بشرف أمام معركة سياسية ودبلوماسية وقانونية أدت إلى التحرير الكامل لأراضينا كخطوة نحو إنهاء احتلال بقية الأراضى العربية، ولذلك فإن احتفالنا هو احتفال بكل هذه المعانى التى يحق لنا أن نفتخر بها وأن تفتخر بها امتنا العربية، ولكن مع ذلك تبقى تنمية سيناء موضوعا يستحق جهدا حقيقيا.
ثانيا: نشرت مجموعة الأزمات الدولية ــ وهى مجموعة من خبراء السياسة من دول مختلفة يترأسها جارى ايفانز وزير خارجية استراليا السابق وتحظى آراؤها بالاحترام والاهتمام والتقدير ــ تقريرا عن الأوضاع الفلسطينية ألخص ما جاء به فيما يلى:
1
ـ إن تعطيل إعادة إعمار غزة عن طريق استمرار الحصار أمر خطير قد يؤدى إلى نتائج عكسية، ويكفى لطمأنة إسرائيل أن تكون هناك رقابة على استخدام المواد المطلوبة للبناء لضمان عدم إساءة استخدامها وذلك عن طريق جهة دولية.
2 ـ إن ربط الهدنة بالإفراج عن الأسير الإسرائيلى خطأ.
3ـ إن عقبة فى طريق التقدم تكمن فى الإصرار على أن تقبل أى حكومة فلسطينية الشروط التى وضعتها المجموعة الرباعية وهى الاعتراف بإسرائيل، وقبول الاتفاقات السابقة، ونبذ العنف لأنه إذا كانت الكلمات مهمة فإن الأفعال أهم، ويجب الحكم على الحكومة الفلسطينية على أساس ما هو مهم فعلا، وهو احترام وقف إطلاق النار المتبادل، وقبول إعطاء سلطة التفاوض لرئيس منظمة التحرير مع التعهد بقبول نتيجة استفتاء شعبى يجرى حول ما تتوصل إليه المفاوضات، ويضيف التقرير أنه إذا كان توحيد فتح وحماس يبدو غير محتمل حاليا، فإنه من الممكن التوصل إلى اتفاق محدود، وإذا كان كل طرف من الطرفين غير مستعد للتنازل على الأرض التى يمارس سلطته فيها، فإن هذا يجب ألا يعوق حكومة موحدة من بدء إعادة البناء مما يعطى أبومازن مزيدا من الشرعية.
ويشير التقرير إلى أنه إذا كان العالم بدأ يعتاد على الوضع الحالى فإن ذلك الوضع غير قابل للاستمرار بل يجب الخروج من المأزق عن طريق مواقف شجاعة ونظرة مستقبلية من جانب الفلسطينيين وإسرائيل والمجتمع الدولى وإلا فإن غزة المحاصرة قد تصل فيها الحرارة إلى درجة الغليان.
ولا أعتقد أن هذا التقرير الذى يمكن الاطلاع عليه كاملا عن طريق الإنترنت يتطلب مزيدا من التعليق.
ثالثا: ربما يفكر من يعارض الدخول فى حوار مع إيران أن يحدد ما هو مقبول وما هو غير مقبول من الجانبين فى العلاقات، ويوضح الخطوط الحمراء واجبة الاحترام، ويضع أسس علاقات سوية أعتقد أنها مهمة للطرفين، ربما يفكرون بعيدا عن الحملات الإعلامية التى تضل أحيانا الطريق فتقع فى محظور إثارة فتن طائفية استخرجت من مقابر التاريخ لأغراض يبدو أنها ونتائجها غير واضحة تماما لمن يستدعون العفاريت، ربما يقفون لحظة أمام الاتفاق الأخير بين تركيا وأرمينيا حول نوع من تطبيع العلاقات رغم الاتهامات الأرمينية لتركيا حول مذابح الأرمن.
وكذلك الاتفاق على البحث عن حل لمشكلة ناجورنو كاراباح بين أرمينيا وأذربيجان حليفة تركيا.
رابعا: من غرائب المواقف على المستوى الدولى موقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية فى مؤتمر ديربان الثانى حول محاربة العنصرية، ونحن نذكر أن هذه الدول حاولت إفشال المؤتمر الأول الذى عقد فى 2001 لرفضها إدانة العنصرية الإسرائيلية وآثار الاستعمار الأوروبى لأفريقيا، وها هى تتخذ نفس الموقف دفاعا عن إسرائيل رغم أن الدول العبرية وافقت على عدم الإشارة لإسرائيل بالاسم مع أن سياساتها تجاه العرب تعتبر فعلا سياسة عنصرية تستحق الإدانة من أى مؤمن بحقوق الإنسان ومدعى التمسك بمبادئ العدالة والأخلاق.
وكان من المؤسف أن ترفض الولايات المتحدة حضور المؤتمر مما يعتبر فى تقديرى مخالفا للروح الجديدة التى حملها معه إلى واشنطن الرئيس أوباما، وكان من المؤسف ألا تتحمل الدول الغربية وسكرتير عام الأمم المتحدة أن يدين رئيس جمهورية إيران فى كلمته السياسات الإسرائيلية، كأن إسرائيل وحدها يجب أن تتمتع بانعدام المساءلة وبحرية إدانة الآخرين، فهى مثلا على لسان وزير خارجيتها العنصرى تتهم إيران بأنها العقبة الرئيسية أمام السلام فى الشرق الأوسط، ومن حق كل منصف ــ حتى من له تحفظات على السياسات الإيرانية ــ أن يشك فى هذا الادعاء لأنه من المعروف للقاصى والدانى أن إسرائيل باستمرار ــ خاصة فى عهد حكومتها الحالية التى ترفض كل الأسس التى اتفق عليها العالم ــ هى التى تعوق التسوية العادلة لمشكلة الصراع العربى الإسرائيلى على أسس أقرب ما تكون من العدل.
ومادمنا فى مجال التصريحات، فقد صدرت مؤخرا مواقف وتصريحات لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون تتناقض تناقضا جذريا مع الروح التى أشرت إليها والتى قلت: إن أوباما قد جاء بها إلى الحياة السياسية الأمريكية بعد عهد بوش الأسود، ومن تلك الروح مثلا؛ الكشف عن المذكرات التى أعدها عدد من المسئولين القانونيين فى إدارة بوش تبيح أنواعا من التعذيب، وسماحه بنشر صور جديدة لما حدث فى سجن أبوغريب.
ومن تصريحات السيدة كلينتون على سبيل المثال:
1ـ إن طريق الدبلوماسية مع إيران يكسبنا مصداقية ونفوذا مع عدد من الدول التى تأمل أن يكون نظام العقوبات صارما وفاعلا كما نريده نحن!.
2ـ إن واشنطن لم تتعامل مع أى حكومة فلسطينية تضم حركة حماس ما لم تنبذ حماس العنف وتعترف بإسرائيل وتقبل الوفاء بالالتزامات السابقة للسلطة الفلسطينية، ولم نسمع السيدة كلينتون تطبق نفس هذه المعايير على حكومة «نتنياهو ــ ليبرمان».
بل إنى سمعت فى إحدى الإذاعات أنها قالت إن بعض مواقف إسرائيل قد تؤثر على الدول العربية التى تقف معها فى جبهة ضد إيران.
ومن أمثلة كثيرة ــ وتتزايد ــ لمواقف وزير الخارجية الأمريكية نتساءل عما إذا كانت تعبر عن وجه لسياسة ذات وجهين، أو أنها تريد أن تتحدى الرئيس وتحاول أن تكسبه شعبية ضده لدى بعض الأوساط المعروفة انتظارا لوقت إحياء طموحاتها المعروفة.
ومادمنا نتحدث عن عجائب التصريحات، فقد أدهشنى أن وزير خارجية الصين ــ الدولة الصديقة ــ قد تحدث أثناء زيارته لإسرائيل عن خطر القدرات النووية الإيرانية، مع أنه كان من باب أولى أن يتحدث عن السلاح النووى الإسرائيلى ويعرب عن تأييده لاقتراح السيد الرئيس بجعل كل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووى.
خامسا: المساحة تضيق وتضطرنى إلى الاحتفاظ ببعض الآراء لمقال تال، ولكنى أود فقط التعليق على الحملة التى قادها البعض بمناسبة زيارة المايسترو برنباوم لمصر، وهى حملة موجهة فى حقيقتها إلى وزير الثقافة فاروق حسنى الذى يعتبر من أفضل وزراء ثقافة مصر وسيترك وراءه تراثا يستحق أغلبه الإشادة، وهو يستحق الترشيح لسكرتارية اليونسكو وإن كنت أظن بأمانة أن معارضة الولايات المتحدة لأسباب غير معروفة وطموحات دول أخرى قد تكون شرعية قد تفوت فرصته، لكنه لا يليق أن يختلق البعض منا أسبابا لمهاجمته حيث لا مقتضى للهجوم، فنحن فى صراعنا مع إسرائيل من أجل السلام نحتاج إلى كل صوت إسرائيلى ــ وبرنباوم إسرائيلى وهو لا حاجة لإخفائه بالإشارة إلى جنسياته الأخرى ــ يقف إلى جوار الحق الفلسطينى وليس فى ذلك تطبيع بل جزء من حملة يجب أن تكون مستمرة لتطويع المجتمع الإسرائيلى تماما مثل مبادرة السلام العربية.
وهناك كلام كثير يمكن أن يقال فى هذا الشأن ولكنى أكتفى بالإعراب عن الدهشة ليس فقط من الهجوم على فاروق حسنى بل من الشراسة غير الطبيعية التى جاوزت كل الحدود المعقولة والتى أصبحت للأسف سمة من سمات المجتمع المصرى ومن تعامل وسائل الإعلام مع أى موضوع أو أى شخصية لا تتفق تماما مع من أتيحت لهم منابر إعلامية، أصبحت منابر «ملاكى» لتصفية حسابات لا يعلمها إلا الله، أو لتحقيق مكاسب لا يعلمها أيضا إلى الله.
وللحديث كله بقية.. ربما.