القليل والأعمق - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 3:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القليل والأعمق

نشر فى : الأربعاء 26 أغسطس 2009 - 8:58 ص | آخر تحديث : الأربعاء 26 أغسطس 2009 - 8:58 ص

 من الممتع حقا أن تستمتع بعلاقتك مع الله، تفاصيل العلاقة، لحظة النشوة وأنت تتحدث معه بحميمية تليق به. أتعجب من العلاقات الأتوماتيكية التى نقيمها أحيانا، يصلى البعض صلاة زائفة يردد فيها آيات لا يتأمل فى معناها، مجرد صلاة يفرغها من كل جمالياتها.

ولكن يأتى رمضان كفرصة لعلاقة إيجابية مع الله. لا أقصد أن ندور فى الدائرة المعروفة بالصوم والصلاة والزكاة، أقصد أن تجرب أن تفعل ذلك بإيمان حقيقى، أن تقرر أن تتأمل فيما تفعل، فيما منحك الله، أن تتأمل فى كلماته، أن تتعبد بروح حقيقية.
الروحانية تختلف كثيرا عن التدين الشائع. قليلون جدا هم من يمارسون شعائر دينهم بروحانية.

أشاهد فى المترو فى رمضان نماذج عدة لممارسات تبدو دينية فى ظاهرها، كأن يجلس أحدهم ممسكا بالمصحف ويظل يقرأ فيه حتى محطة وصوله، كثيرا ما تنتابنى نوبات شر أريد فيها أن أسال الشخص عن الآية السابقة التى قرأها للتو، لأننى أثق فى أنه لن يتذكرها.

بداخل أرواحنا مساحات تحتاج للالتئام، يحاول البعض إقحام الممارسات الدينية داخل تلك المساحة لتلتئم، سيجد البعض منهم راحة وسكينة فى ذلك، لكنها ليست بالراحة الأبدية، إذ سرعان ما ينتابه القلق ويبدأ الوجع فى الظهور مرة أخرى، لكن مع إضفاء الجو الروحانى لتلك الممارسات ستشعر بجو من السكينة الحقيقية.

فلتجرب يوميا أن تبدأ يومك بتأمل بضع آيات من كتابك السماوى سواء القرآن أو الإنجيل، لا تهتم بالكم، فقط اهتم بفهم المحتوى، خذ منه عظة ليومك، تأمل فى معانيه بهدوء، استرخ قليلا وأنت تفعل ذلك.

قم وصل بهدوء وسكينة، تحدث مع الله واثقا فى أنه يسمعك، لا تردد أدعية محفوظة، ارتجل دعاءك الخاص بطلباتك الخاصة، تحدث معه بحميمية صديق يفهمك والله سينقذك.

عندما أفعل ذلك أشعر بسكينة صافية، أشعر وكأننى قد غسلت وطهرت من الداخل، أتمنى لو فعلت ذلك طوال الوقت، لكننى كثيرا ما أعود إلى ممارسة الشعائر بتقليدية.
أتذكر إحدى البنات اللاتى جئن إلى العيادة بهدف التغيير، كانت تمارس جنسا بمقابل، وقررت التغيير، كانت تحدثنى قائلة: «مازالت لدى الجرأة فى الحديث مع الله، أطلب منه يوميا أن يساعدنى» وكان الله يساعدها بالفعل فى مواقف عدة، روحانيتها المرتفعة مع آليات التغيير التى التزمت بها ساعداها كثيرا فى تخطى تلك المرحلة من حياتها.

سأعود وأذكر أن رمضان فرصة حقيقية لفعل ذلك، ليس لأنه الشهر الأفضل فى السنة، بل لأننا نؤمن بأن لدينا طاقة ودافعية عالية لإرضاء الله، يفعل كل منا طقوسه معتقدا أنه سيرضى بها الله.

أضحك من حديث الأطفال وبعض الكبار وهم يسألون بعضهم البعض عن كم قرأ من أجزاء فى القرآن، يفخر أحدهم بأنه ختم القرآن مرتين، أراه يكاد يلهث من السرعة التى يقرأ بها، ليصبح لديه وقت لختمه مرة ثالثة.

الشعور بالروحانية مفيد جدا نفسيا، وواحدة من الأساسيات المهمة التى تقوم عليها بعض برامج التغيير، فبرامج الـ12 خطوة فى علاج الإدمان فى الأساس هى برامج روحانية، تسعى لملء الفراغ الموجود فى شخصية المدمن، أتذكر أحد المدمنين فى حديثه عن محاولات تعافيه، تحدث أنه انضم لسنتين إلى إحدى الجماعات الإسلامية وارتدى الجلباب الأبيض وواظب على الصلاة وأصبح لديه لحية طويلة، ظل طوال سنتين لا يفعل شيئا سوى الصلاة والتفكير فى إرضاء الله، لكنه سرعان ما انتكس، ليواصل علاجه فى إحدى برامج 12 خطوة المنتشرة فى مصر ويفهم كيفية إقامة علاقة صحية مع الله مستمتعا بتفاصيل هذه العلاقة.

لست ضد الصلاة الطويلة والمتكررة، لكنك لو استطعت أن تفعل ذلك بروحانية وحقيقية فلتفعل، لكن أن تصبح صلاة فارغة من عمقها ومضمونها فستشعرك طوال الوقت بالذنب لأنك لا تشعر بالرضا وبالتالى تشعر بغضب الله منك.

فلنمنح أنفسنا وأرواحنا فرصة لإيمان مختلف، نمارس فيه شعورا مختلفا بالإيمان، نصلى فيه ونصوم بشكل مختلف، لا نهتم بالكم بقدر ما وصلنا من صلاتنا وما استطعنا أن نتواصل به مع الله.. فالله إله محب ينتظر عباده المخلصين فى عبادتهم القادرين على تغيير أنفسهم.

رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات