الحذر هو كلمة السرفى الصين - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:40 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحذر هو كلمة السرفى الصين

نشر فى : الثلاثاء 26 أكتوبر 2010 - 10:28 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 26 أكتوبر 2010 - 10:28 ص
فى الأسبوع الذى أشارت فيه القيادة الصينية المتحفظة إلى هوية الرئيس المحتمل القادم للبلاد، تصادف أن التقيت هنا مع مجموعات من طلاب المدارس الثانوية الصينية ورجال الأعمال والصحفيين والأكاديميين. والغريب أنه لم يرد ذكر للسياسة فى هذه اللقاءات.
ويفترض الأمريكيون أحيانا أن الثراء المتزايد للصين سرعان ما سيصحبه المزيد من الحرية والديمقراطية. ولكن ذلك لا يمكن أن يُعوَّل عليه؛ فيكرر الصينيون أمام الزائرين الأجانب أقوال من قبيل: نحن نحب ما لدينا الآن ونخشى أن نفقده، ونريد الاستقرار حتى وإن كان يعنى هذا قدرا أقل من الحرية والانفتاح.
ولا يبدو أن الصينيين يعرفون الكثير عن شى جين بينغ، الرجل الذى أصبح هذا الأسبوع الوريث الواضح للرئيس هو جين تاو، سوى أنه «الأمير الصغير» ابن السلطة، وأنه متزوج من مغنية شهيرة.

وهو ما يرجح أن يكون هو الرجل الذى سوف يحافظ على الوضع الراهن، وربما يقوم بإصلاحات ويعيد توزيع الثروة على نحو يكفى لتهدئة المعارضين. وتبدو هذه المؤهلات كافية بالنسبة لمعظم الصينيين، الذين قابلتهم.ويقول آلان جو، وهو موظف سابق فى شركة جوجل أنشأ هنا مشروعا للتسوق على الإنترنت: «لن تجد الكثير من المثاليين فى الصين الآن. فحل أزمة مرور فى بكين أهم من انتخاب رئيس للجمهورية».

والسخط فى الصين موجود، ولكنه يتعلق بالقضايا الاقتصادية وحول الملكية الخاصة على نحو كبير. وتقلصت إلى حد كبير أجندة الحرية التى كانت مطروحة فى ميدان تيانانمن عام 1989، ويجسدها الآن ليو شياوبو السجين، الذى حاز جائزة نوبل. ويبدو الخوف من فلاحى المناطق النائية مدعاة لقلق بين النخبة فى المدن الصينية الغنية على نحو أكبر من زعامة الحزب الشيوعى الغامضة.

ولكى تأخذ فكرة سريعة عن مستقبل الصين، تحدث إلى طلاب مدرسة بكين الثانوية 101. فالطلاب الذين تأنقوا فى زيهم الأبيض والأزرق لمقابلة صحفيين غربيين (نظمت المقابلة لجنة المائة، وهى مجموعة أمريكية خاصة تعمل على تنشيط الحوار الصينى ـــــ الأمريكى) كانوا متألقين على نحو مدهش، ويجيدون التحدث بالإنجليزية، ولكن حتى هنا فى أرقى المستويات يوجد ضعف. فجميعهم نتاج سياسة الطفل الواحد الصينية، وتشعر بالتوقعات الكبيرة لأولياء أمورهم، وهى: أدرس وأنجح ولا تخسر مقعدك فى القطار السريع إلى الثروة.

ويبدى صبى ذو شارب خفيف قلقه من اتساع الفجوة بين أغنياء الصين وفقرائها، وأن الأثرياء «لا يريدون إلا أن يلعبوا الجولف». وتتفق معه زميلته فى الفصل: «فى هذا المجتمع، تسود القيم المادية. والناس يسعون وراء الثروة». ولكن لا يبدو أن هؤلاء الصغار سوف يغيرون الأوضاع. فالعديد منهم ينظر متحيرا عندما ينصحهم الزوار أن يسيروا وراء أحلامهم عند اختيار مهنة للعمل.

وفى جامعة تسينجهوا، يطرح طالب دراسات عليا اسمه يين وانغ فكرة ملفتة للنظر وربما كانت دقيقة: «الشباب لا يبالون بمن سيخلف هو جين تاو، ويهتمون بمن يخلف مايكل جاكسون».

وتوجد سمة متكررة هنا هى الرقابة الذاتية، ويمارسها المواطنون، الذين لا يرغبون فى المخاطرة بتجاوز الحدود المبهمة لحرية التعبير. وعلى نحو ما، يلتحق الطلاب بمدرسة الصحافة حتى يتعلموا ما هى الموضوعات المحظورة. ويوصم الصحفيون الشباب، الذين يتخطون الرواية الرسمية بأنهم «غير موثوق بهم» ويخسرون فرص التعيين الجيدة.

وتراقب الحكومة شبكة الإنترنت كى تظل مروضة، ولا يشكى أى من الشركات الصينية أو المستهلكين. ويقال إن أحد أكبر المواقع فى الصين عيَّن مائة موظف لمتابعة انتشار المدونات الصغيرة. ويتجنب الأهل الحديث إلى أبنائهم عن احتجاجات تيانانمن خشية أن يثير الأبناء مزيدا من التساؤلات ويتورطون فى متاعب.
ويأتى التهديد لحياة النخبة فى المدن من المناطق الريفية التى لا تزال فقيرة.

وقد بدأت الثورة الصينية بين أمثال هؤلاء الفلاحين، وهناك خوف يكاد يكون واضحا من أن يؤدى التفاوت الجديد المتزايد فى الصين إلى ثورة أخرى من هذا القبيل. وذلك أحد أسباب توتر الناس من الديمقراطية؛ فهم لا يريدون منح حق الاقتراع لهؤلاء الفلاحين. وقد أقر الحزب الشيوعى هذا الأسبوع خطة خمسية جديدة تدعو إلى «نمو شامل»، بمعنى منح نصيب أكبر من الكعكة للمناطق الريفية المحتمل أن تصبح مصدر للقلق.

 

وأثناء مأدبة فى قاعة الشعب الكبرى، قال المسئول الصينى نان تشن تشونج إنه على الرغم من أن المدن الساحلية فى الصين بها شبه من أوروبا، فالمناطق الداخلية تميل فى الشبه أفريقيا. وظل يكرر كلمة «الاستقرار» كما لو كانت عقيدة من العقائد.
وخلال ما يقارب الساعتين من الحديث، لم يذكر نان مرة واحدة الزعيم الجديد «شى»، الذى تأكد فى ذلك اليوم بالتحديد تنصيبه. وتلك علامة أخرى على المزاج المعادى للسياسة. وربما يكون البلد، الذى وُلِد وسط الثورة هو وحده الذى يحذر من التغيير حذرا شديدا.
التعليقات