أيها الطبيب.. أنت تملك الابتسامة - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 3:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أيها الطبيب.. أنت تملك الابتسامة

نشر فى : الأربعاء 27 مايو 2009 - 10:15 ص | آخر تحديث : الأربعاء 27 مايو 2009 - 10:15 ص

 ما زالت ذكرى ذلك الطبيب تثير فى نفسى الكثير من الاشمئزاز. منذ عام تقريبا أصبت بجروح عميقة فى أربعة من أصابع يدى اليسرى، وذهبت للمستشفى لخياطتها.

أتذكر اللامبالاة التى كان يتعامل بها الطبيب مع حالتى رغم الألم الشديد والفزع، أتذكر أيضا سخريته من ألمى وعدم تصديقه مشاعرى.

أذكر أيضا مشهدا لا يزال عالقا فى ذهنى وأنا فى معهد الأورام مع إحدى البنات، كانت صغيرة لا تتعدى العشرين من عمرها، يتيمة الأب والأم، تخلع ملابسها فى غرفة ملحقة بغرفة العمليات لتجرى جراحة ما لا أتذكرها، لكنى أذكر جيدا الطبيب الذى استعجلها لخلع ملابسها وأبدى اعتراضه لتضيعها الوقت.

أكثر ما يربط القصتين ببعضهما، رغم اختلاف المكان والأطباء، هو المعاملة الجافة بين الطبيب والمريض، والتى تتراوح ما بين الإهانة فى المستشفيات الحكومية والتهكم واللامبالاة فى المستشفيات الخاصة.

تلك العلاقة بين الطبيب والمريض شغلت العديد من علماء النفس فى فرع علم النفس الطبى، وأخذت العديد من الدراسات تحاول إثبات دور العلاقة الإيجابية والمساندة للمريض وأثرها على تحسنه.

أتذكر موقفا حدث لى يؤيد هذا الكلام، فعند إصابتى بهذه الجروح وفى أثناء كشف الطبيب على الجرح وهو ينظفه ظل يسخر بشكل أهاننى، ممن أجرى تلك الخياطة وأكد لى أنه لابد أن يفك الخياطة ويجريها مرة أخرى.

وقتها أصبت بالهلع الشديد وشعرت بآلام فظيعة فى الجرح، بعدها ذهبت لطبيب آخر لأستشيره فى فكرة فك الخياطة، أكثر ما كان يتميز به ذلك الطبيب هو تلك الدقائق العشر التى منحنى إياها ليستمع إلى قصة الجرح وكيف حدث ذلك، وكم تألمت، استمع إلى جيدا متابعا ملامحى وأنا أحكى متأثرا كما بدا عليه، طمأننى واعتذر مبدئيا عن الألم الذى ربما يسببه لى كشفه، أتذكر أننى لم أشعر بأى آلام تذكر، وتشجعت كثيرا.

على الرغم من تزايد الدراسات التى تثير قضايا كثيرة فى علم النفس الطبى، فإن الأطباء لا يهتمون بهذا الفرع من علم النفس، فمساندة المريض فى ألمه ليست وحدها من الموضوعات الأساسية فى هذا الفرع، بل هناك العديد من الموضوعات مثل مدى امتثال المريض لتعليمات الطبيب.

فقد تم اكتشاف أن هناك عوامل عدة تتدخل فى هذه العملية مثل عدم تذكر المرضى العديد من تعليمات الطبيب، لذا فعند إجراء دراسات تقارن مدى تذكر المرضى للتعليمات التفصيلية المكتوبة بوضوح على ظهر الروشتة مقارنة بتذكرهم المعلومات التى يلقيها الطبيب بسرعة وبلامبالاة فى الخمس دقائق التى يمنحها المريض، وجد أن التعليمات المكتوبة أفضل كثيرا وتؤدى لامتثال المرضى للتعليمات.

كما حاولت العديد من الدراسات الكشف عن أثر المدة الزمنية التى يقضيها الطبيب مع المريض فى المرة الأولى على مدى رضا المريض عن الخدمة المقدمة. ولوحظ أنه لا توجد فروق دالة بين المدد الزمنية المختلفة.

بالقدر الذى يعكس نوعية الخدمة المقدمة فعند تحليل الجلسة الطبية تبين أن ما نسميه «التفاعل غير اللفظى» من أكثر الأشياء التى تؤثر فى رضا المريض، وذلك مثل النظر إلى عينى المريض وإبداء الاهتمام والتعاطف الواضح على الوجه.

كل هذه الانفعالات تؤثر بشكل إيجابى ويمكنها أن تزيد من دافعية المريض للعلاج وتؤدى لتحسنه.

ربما نلاحظ ذلك عند زيارتنا للطبيب وربما نقوم بهذا التحليل للجلسة بعد قيامنا ويتحدد عليها مدى رضائنا عن الطبيب، فنجدنا وقد تحدثنا عن راحتنا لطبيب معين رغم عدم ضبطه مواعيده إلا أنه يشعرنا بالاهتمام، وهناك الطبيب الشهير الذى لا يعنيه سوى ما سندفعه فقط مقابل ما سيمنحنا من دقائق.

ربما يرى بعض الأطباء أن ذلك مجرد أشياء لا أهمية لها، والأهم هو مدى تأثير الدواء الذى سيكتبه على صحة المريض، لكن الدراسات منذ وقت بعيد تحدثت عن تأثير الحالة النفسية على الجسمية.

وأننا إذا أخذنا فى اعتبارنا ذلك فسنضمن سرعة تحسن المريض، وهو الأمر الذى يجعل للطبيب والإخصائى النفسى دورا واضحا فى الفريق العلاجى الذى يعالج مختلف الحالات، وهو الأمر الشائع فى المستشفيات فى الغرب.

أعرف أن الوضع فى مستشفياتنا سيئا للغاية، لكن إذا كنا لا نملك قدرا كبيرا من الإمكانات والتجهيزات الطبية، فنحن نملك بالتأكيد ابتسامة يمكننا أن نمنحها المرضى.

ونملك مشاعر يمكنها أن تسانده، فتلك العلاقة بين المريض والطبيب بإمكانها أن تقف عاملا أساسيا فعالا ومؤثرا بشدة فى مدى تحسنه.
رضوى أسامة ( باحثة نفسية)





رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات