فترة التحول المتهاوية فى الصين - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فترة التحول المتهاوية فى الصين

نشر فى : الإثنين 28 مايو 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 9 يوليه 2012 - 8:33 ص

ربما كانت بداية حديث القادة الصينيين عن «إجماع بيجين» وانتصار «النموذج الصينى» خلال السنوات القليلة الماضية، نذيرا بأن الفقاعة باتت وشيكة الانفجار. والآن، نرى صلف القادة الصينيين فى التعامل مع أكبر أزمة داخلية، منذ احتجاجات ميدان تيانانمين عام 1989.

 

وهذه المرة، تكمن غالبا خلف المشهد، مؤامرات سياسية وسط نخبة الحزب الشيوعى. وأبرزت العناوين الرئيسية، طرد بو شى لاى، رئيس الطموح للحزب فى مقاطعة شونج كينج. ولكن انبعثت عن التحقيقات حول فساد بو، موجات تهز مختلف انحاء النظام. إذ كانت شبكة أصدقاء بو والمقربين منه شديدة الاتساع، حتى إن كثيرا من كبار المسئولين فى الحزب والجيش، يخشون أن يطالهم الأمر.

 

ولأن الصين تحرص بشدة على إبقاء أمور نظامها السياسى طى الكتمان، لن يتمكن الغرباء من التعرف إلا على النذر اليسير مما يدور من اضطراب. إذ ذكرت جريدة فاينانشال تايمز نهاية الاسبوع الماضى أن تشو يونج كانج، أحد

مؤيدى بو الرئيسيين فى اللجنة الدائمة للمكتب السياسى، أُجبر على التخلى عن قيادة الشرطة والهيئات القضائية والشرطة السرية. وكتبت وول ستريت جورنال الخميس الماضى، أن اثنين من مسئولى الجيش الصينى رفيعى المستوى، الجنرال ليو يوان والجنرال تشانج هاييانج، خضعا لتوجيه الأسئلة لهما حول صلات كل منهما مع بو. ومع تكاثر مثل هذه الشائعات، أصبحت كل المستحيلات جائزة.

 

ويقال إن الشكوك تسود فى أنحاء الصين، بينما يحاول المسئولون إدراك ما يحدث وحماية أنفسهم. إنها لحظة مدمرة للأعصاب، فى دولة قال عنها أحد المستثمرين سرا: إن «الهم الأكبر للسلطة السياسية، يتمثل فى الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأموال، بأقصى سرعة ممكنة».

 

الاتجاه الرسمى، الذى ينقل يوميا إلى الناس، أن تسليم القيادة فى البلاد سيتم فى الخريف وفقا لما هو مقرر، مع توقع أن يخلف جين تاو الرئيس الحالى جين بنج. ومع ذلك، فهذه الواجهة القوية تخفى حالة قمة فى الاضطراب، كما يصور المراقبون فى الصين. ورغم الهجوم على بو لأنه الابن «المدلل» لنخبة الحزب، إلا أن بعض أعضاء المكتب السياسى من الذين أطاحوا به، ليسوا إلا أبناء مدللين أيضا، بمن فيهم رئيس الوزراء ون جياباو، وشى نفسه. ولم تتضح حتى الآن المجموعة الكاملة التى تستهدفها الحملة الموجهة ضد بو، ولذلك يصعب التكهن بالتداعيات.

 

●●●

 

ما هى الديناميكيات الكامنة وراء هذه المناورات بين القادة؟ بحثت عن إجابة لهذا السؤال لدى كينيث ليبيرثال، زميل معهد بروكينجز البارز، وأبرز علماء الشئون الصينية الأمريكيين. ورصد الباحث ثلاثة عوامل تجعل اللحظة الراهنة شديدة الدقة:

 

1ــ نادرا ما يحدث انقسام شديد الوضوح بين القادة الصينيين. ويحتفى حكام الحزب بحالة الإجماع، ويعتقدون أنها العامل الرئيسى فى الحفاظ على الاستقرار. ولقد تعملوا منذ القدم، أنهم إذا لم يعتصموا ببعضهم البعض، فإنهم يخاطرون

باصطيادهم جميعا كل على حدة. ولكن ذلك الإجماع الأساسى أصبح محلا للشك الآن.

 

2 ــ يبدو السخط حاليا وسط الطبقة الوسطى الصينية، التى دعم صعودها الاستقرار السياسى. ولا تزال وسائل الإعلام الاجتماعية الصينية محتفظة بحيويتها، تبث الشكاوى حول الأمن الإنتاجى والأمن الغذائى، والفساد واسع النطاق، وجودة الهواء (التى قال مسئولون بالولايات المتحدة إنها «منخفضة بشكل جنونى»). وبينما يتصاعد السخط بصورة متزايدة لدى القوة الاجتماعية الاساسية، يضاعف انتشار وسائل الإعلام الاجتماعية الجديدة هذا السخط.

 

3 ــ تشعر النخبة الصينية بالقلق بسبب هجرة القوة العاملة الهائلة، والتى تقدر بنحو 300 مليون عامل، يعيشون غالبا فى هوامش المدن الساحلية الفخمة. ويمثلون مصدرا محتملا للإضراب، لأنهم محرمون من الأوضاع الكاملة للمناطق الحضرية، المصحوبة بكثير من المزايا. وإذا كانت الصين تجيد أحد الأشياء، سيكون السيطرة على الاستياء الداخلى وقمعه، ولذلك بإمكانك المراهنة على تمكن بيجين من السيطرة على الوضع. ولكن الأمر يزداد صعوبة.

 

وستظل تلك المشاكل مثيرة للقلق، حتى وإن ظل الاقتصاد الصينى فى مرحلة الازدهار الكبير. إذ سيكون النمو الاقتصادى فاترا. فقد أصاب البطء كلا من الصادرات والواردات الصينية منذ العام الماضى، وقام البنك المركزى للدولة مؤخرا بتخفيض متطلبات الاحتياطى به، للمرة الثالثة خلال ستة أشهر، من أجل تشجيع البنوك على إقراض مزيد من الأموال.

 

●●●

 

وماذا يعنى هذا التحول الصينى المتهالك بالنسبة لأمريكا؟ كان ليبيرثال محقا بصورة مؤكدة، عندما قال ليس للولايات المتحدة الكثير لتقدمه من أجل صياغة الأحداث، وفى كل الأحوال. فالصين تمثل دولة اكثر اتساعا وتعقيدا من ذلك.

 

وطوال 40 عاما، رأت الولايات المتحدة صعود واستقرار الصين على أنه فى صالحها، وهذه المصالح الأساسية لم تتغير. ولكن إذا لم يستطع القادة الصينيون احتواء الاضطراب الحالى، ربما تظهر قوى سياسية جديدة تدعو إلى صين ديمقراطية أكثر انفتاحا. وينبغى أن يكون الأمريكيون متعاطفين مع هذا، كما فعلوا بالنسبة للمحتجين فى تيانانمين. ولكن عملية التغيير قد لا تكون مستقرة على نطاق واسع.. فالصين المتطورة أفضل بالنسبة للجميع، أكثر من صين على وشك الانفجار.

التعليقات