وزيرستان.. تاريخ من المقاومة - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وزيرستان.. تاريخ من المقاومة

نشر فى : الأربعاء 28 أكتوبر 2009 - 9:39 ص | آخر تحديث : الأربعاء 28 أكتوبر 2009 - 9:39 ص

 فى الأسبوع الماضى، أبدى أحد الزائرين أثناء حديثه مع ضابط استخبارات باكستانية حول اقتحام الجيش جنوب وزيرستان، ملاحظة عن أن القوات النظامية ظلت لأكثر من 150 عاما تسير على نفس الطرق الوعرة، باتجاه معاقل القبائل ذاتها، من دون أن يحالفها أبدا حظ أفضل. وأجاب المسئول الباكستانى «نعم، كل ذلك حدث من قبل».

ثم أوضح أن الفرق هذه المرة يتمثل فى أن الجيش سوف يتبع الغزو بعملية تنمية سياسية واقتصادية شاملة، ليبدأ ما لم يستطع الحكم البريطانى القوى أن ينجزه أبدا، وهو استيعاب وزيرستان تدريجياً ضمن بقية مناطق البلاد.

وتكمن قيمة التاريخ فى أنه يعلمنا التشكيك فى مشروعات التحول الجارية اليوم. لذلك، ففى حين أننى أشارك الجيش الباكستانى أمله فى أن تستطيع منطقة القبائل أن تنضم أخيرا إلى ما يطلق عليه بتعبير جذاب حزام «المناطق المستقرة» فإن نجاح هذه الحملة لمكافحة التمرد ستكون شديدة الصعوبة بمكان وسوف يمثل هذا الأمر اختباراً مهما لمهارة باكستان العسكرية وقدرتها على تقديم الحل السياسى النهائى.

فقد ظلت قبائل وزيرستان تقاوم الدخلاء منذ وصول البريطانيين إلى حدودها لأول مرة عام 1850. وأسست المعارك الأولى نموذجا صار يتكرر منذ ذلك الحين: كانت قبيلتا «محسود» و «وزير»، وهما أشرس وأكبر قبيلتين فى المنطقة، تصدان محاولات المغيرين على مناطقهما؛ ومن الناحية المقابلة تستمر بريطانيا فى شن غارات تأديبية. ثم تسفك القبائل دم البريطانيين وترفض التنازل، وعندها تتراجع القوات الاستعمارية. ولا تختلف التجربة الباكستانية عن ذلك كثيرا.

وفى الفترة من 1850 حتى 1880 شن البريطانيون ما لا يقل عن ست حملات تأديبية على وزيرستان. ومن بين الأمثلة على فشلهم هجوم شنته قوات بريطانية يزيد عددها على خمسة آلاف فرد من القوات البريطانية عام 1860 على نفس الطرق التى يتبعها الباكستانيون اليوم. ورفض أبناء قبيلة «محسود» التفاوض، حتى بعد أن هدم الغزاة بيوت زعماء القبيلة. وفى نهاية المطاف، توقف البريطانيون وعادوا أدراجهم.

وحصلت قبيلة «بنى مالك» على استقلالها كجزء من ميثاق الشرف المعروف باسم «بشتون والى». وبالنسبة للبريطانيين، جعل هذا العناد من وزيرستان « أرض الغطرسة»، مثلما كتب أحد الضباط المستعمرين. ولكن التأريخ البريطانى للعمليات العسكرية عام 1921 يسلم بأنه «من الممكن أن يصنف أهل وزيرستان وقبيلة محسود الذين حاربوا على أرض بلادهم ضمن أرقى المقاتلين فى العالم».

وبعد فشل محاولة 1894 لتأسيس محمية فى وزيرستان، حيث صارت المناطق ملاذاً آمنا للخارجين على القانون بسبب إصرار القبائل على الانفصال، كتب ريتشارد بروس، المفوض المحلى من الحكم البريطانى: «طالما ظل فى بلدهم بُردة، سوف يستطيع من خلفه الملالى وغيرهم من الزمر المطبوعة على الشر، تفريخ جميع صنوف المؤامرات والخبائث».

وقبل قرن من الزمان، ثار جدل حول كيفية التعامل مع الوزيرستانيين الشرسين، يشابه ما يبحثه البيت الأبيض بخصوص سياسة الولايات المتحدة فى أفغانستان.

ودارت القضية فى الأساس حول ما إذا كان ينبغى الاعتماد على الضربات العسكرية التأديبية («مكافحة الإرهاب» بالتعبير الحديث) أو تبنى سياسة أوسع للتنمية السياسية والاقتصادية بغرض مساعدة السكان («مكافحة التمرد»).

وكان النهج المعروف آنذاك هو نظام «إغلاق الحدود». وفى دراسة مشهورة تمت عام 1938 عن وزيرستان، أوضح اللفتنانت كولونيل تشارلز إى بروس (وهو نجل المفوض الذى اقتبسنا عنه آنفاً) أن «سياسة عدم التدخل المصحوبة بالحملات التأديبية» مثلت فشلا ذريعا: ففى ظل ذلك النظام، لم يترك حزام المناطق القبلية هذا... فى حالة فوضى والاضطراب فحسب، وإنما ظل واستمر بمثابة ملاذ للخارجين عن القانون والعصابات المغيرة».

ويرى بروس نهجاً أفضل أطلق عليه «نظام سانديمان،» نسبة إلى السير روبرت سانديمان، رجل الإدارة الاستعمارية فى بلوشستان بالجنوب. وركز هذا النهج على التنمية الاقتصادية و«الرعاية الاجتماعية للقبائل» ويخلص إلى أنه «من البديهى أن مشكلة الحدود مشكلة اقتصادية أكثر من كونها مشكلة عسكرية. ومع ذلك، هل نحن نتصرف دائما كما لو أننا نتذكر هذا»؟

وطرح بروس فكرته عن نهج مكافحة التمرد إثر انتفاضة 1936 فى شمال وزيرستان بقيادة الملا ميرزا على خان، المعروف بلقب فقير إيبى، وهو ملا متقد حماسة على غرار أسامة بن لادن حالياً. وتعقبه البريطانيون مع فرقته من الجهاديين بواسطة قوات قوامها أربعون ألف جندى. حتى إنهم قصفوا كهوفه من الجو، ولكنهم لم ينجحوا أبدا فى القبض عليه أو قتله. وقال ضابط بريطانى فى أسى «وجدنا الرماد المتخلف عن النار التى أشعلها مازال دافئا فى الكهف، ولكنه كان قد فر. إذ كان مرشدنا كالعادة ينقل المعلومات إلى الطرفين».

وسوف يلاحظ دارسو التاريخ أن فقير إيبى المخيف توفى أخيرا لأسباب طبيعية فى 1960، وكان حينها نسيا منسيا.

Washington Post Writers Group

التعليقات