فلنتفاوض معهـم - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 3:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فلنتفاوض معهـم

نشر فى : الجمعة 30 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 30 مارس 2012 - 8:00 ص

كنت فى المنيا لإعطاء محاضرات لفريق عمل مؤسسة تعمل فى مشروع للعنف ضد المرأة، وتصادف ذلك مع يوم المرأة العالمى. وضع المرأة فى قرى الصعيد متدنٍ جدا رغم كل ما يُقال عن قوة المرأة الصعيدية وعن إمساك بعضهن بزمام الأمور، فبينما كنت أستمع لنقاشاتهم حول ما تتعرض له المرأة فى القرى التى يعملون بها، صارحتنى إحدى المتدربات بطرد حماتها وزوجها لها من المنزل لحضورها التدريب وعدم الاهتمام بطفلتها والجلوس معها.

 

فى الحقيقة رغم أننى أعمل أنا الأخرى فى مشروع للعنف ضد المرأة ولدى خبرات ليست بالقليلة فى هذا الميدان فإننى وجدت نفسى أتأمل فكرة تمكين المرأة عند التعامل مع حالات بعينها من العنف البدنى والنفسى الشديدين.

 

كان النقاش دائرا حول كيف يمكن لامرأة تهان يوميا من زوجها ومن حماتها وتطرد من المنزل وتطرد أيضا من منزل أهلها أن ترفض رفضا قاطعا فكرة الطلاق الذى يبدو شبحا مخيفا ومستبعدا رغم الإهانات المتكررة. وفى حالة عدم وجود عائد اقتصادى آخر لها سوى الزوج يبدو الأمر سوداويا جدا، لذا فمعظم الجمعيات التى تعمل مع المرأة فى الصعيد تعمل على التمكين الاقتصادى، بمعنى تعليم المرأة مهارات تمكنها من إقامة مشروع خاص بها ومنحها قروضا صغيرة.

 

فى الحقيقة بدا التمكين الاقتصادى مفيدا فى حالات نساء كثيرة، ومن خبرات الجمعيات ومن مشاركة السيدات أنفسهن كن يروين أن المشاريع الصغيرة كانت تشعر بعض الرجال أن زوجاتهن أصبحن يمتلكن بعض الموارد وأنهن لن تقفن عاجزات إزاء العنف المستمر، وبالتالى قل العنف تدريجيا مع وضوح فكرة أنهم بحاجة إلى ذلك الدخل الإضافى للأسرة. إحدى السيدات المشاركات أوضحت أنها تعلمت كيف ترفض إعطاء زوجها كل الربح الناتج عن اقتسامه معها برأس المال فى مشروع خاص بهما، وهددته أنها ستسحب كل رأسمالها من المشروع إذا ظل مصرا على أخذ الربح كله.

 

ورغم الجدوى الاقتصادية التى كانت تعود على الأسرة كلها من جراء التمكين الاقتصادى إلا أن بعض الرجال كانوا يقاومون بشدة فكرة ذهاب زوجاتهن إلى الجمعيات، وتلقيهن تدريبات، لأنهن يتغيرن بعد أن يتعرفوا على حقوقهن وكيفية المطالبة بها، فيزداد العنف تجاههن بدافع إرهابهن.

 

كان هذا ملخص ما واجهناه خلال المشروع المنيا الذى يتصدى للعنف ضد المرأة، مما جعلنا نضيف بعض الأنشطة التى يمكن أن تقام مع الرجال أنفسهم لتغيير توجهاتهم أو لتعليم النساء بعض مهارات التفاوض مع العنف. واكتشفت بشكل خاص أن هذه المهارات تختلف من ثقافة لأخرى داخل المجتمع المصرى وداخل الثقافة الفرعية نفسها. فمثلا رغم أننى ضد العنف نهائيا أى كان شكله، إلا أننا فى بعض الحالات نحاول أن نخفف من أشكاله ضد المرأة، من بعض حالات العنف البدنى إلى العنف النفسى واللفظى فقط، فأعلم المرأة مهارات التفاوض مع الزوج وكيف تبتلع الإهانة اللفظية ولا تنفعل بشدة حتى لا يتحول الأمر إلى إهانة بدنية.

 

خلال زيارتى الأخيرة للمنيا خاصة لقرية «الشرفاء» كانوا يعرضون على النساء اسكتشات مسرحية بسيطة تعلمهن مهارات التفاوض مع الزوج، ورغم سذاجة الاسكتش فإنه يعبر عن واقع معيش هناك، إذ تحاول المرأة فى الاسكتش إقناع الزوج بعملها، ويرفض هذا الأخير معددا كم الواجبات الملقاة على عاتقها فى المنزل. ولا ينسى أن يخبرها بأن أمه ستزورهم اليوم، وعندما تطلب منه الذهاب إلى الدكتور لأنها متعبة يرفض لأنه أخبر أمه بأنها ستتناول الغداء عندهم اليوم. ويبدأ الخلاف بتبادل الاتهامات وينتهى بضربه لها ورفضه لذهابها إلى الطبيب، ثم يقترح الاسكتش أن تكون إيجابية ولا تستسلم فتضع سيناريو آخر: لا تعترض حتى يضربها، وتطلب منه أموالا فيشعر بالعجز، بل يجب أن تتناقش معه بهدوء حتى تقنعه بعملها ومشاركتها فى الدخل. رغم سذاجة المسرحية إلا أنها تعبر عن واقع النساء هناك، فأكثر ما يفتقرن إليه هو مهارات التفاوض والتمكين.

 

والفكرة هى كيف توظف مهارة التفاوض فى الثقافات المختلفة، فأرى عدم جدوى الشعارات الرنانة التى تتحدث عن حقوق المرأة ضد ظلم الرجل دون دراسة حقيقية لاحتياجات النساء وإعطائهن بدائل حقيقية من واقع ثقافاتهن.

 

أظن أن الهدف ليس هو زيادة العنف ضد المرأة وليس هو زيادة نسب الطلاق، بل هو تمكين المرأة بكل الطرق الاقتصادية والاجتماعية. ولن نلمس نتائج حقيقية فعالة ومؤثرة لهذه المحاولات إلا فى ظل العمل مع الرجل أيضا وتغيير أفكاره، ما يحتاج إلى تكاتف الكثير من الجهود، فالتأثير عليه ليس بسهولة العمل مع النساء.

رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات