نشرت جامعة THE CHRONICLE OF HIGHER EDUCATION مقالا للكاتبة «أليسون فايلانكورت» دكتورة السياسات العامة بجامعة أريزونا حول شكل الحياة التى يسعى إليها معظم البشر وترتيب العمل بها، وكيف لنا أن نحظى بحياة رائعة ملؤها الشغف.ذكرت الكاتبة: يراودك ذلك الشعور الغامض بالحنق ربما أو القنوط.. ثمة نقصان فى شىء ما أو هناك خطأ غير ظاهر يعترى حياتنا، ما هو هذا الخطأ؟
مع مرور الوقت يبدأ هذا الشعور فى التنامى على غفلة منا، تبدأ أعراض أخرى فى الهجوم علينا مثل ظهور حكة فى بشرتنا، الذهاب إلى العمل يأخذ وقتا طويلا جدا وممل جدا، الاجتماعات لا جدوى منها، كل الكتب مملة، ليس هناك جديد على الأرض.
ومن أجل مكافحة ذلك الإحساس الذى يراودنا بالتهاوى؛ تارة نحاول التخلص من بعض الأمور الزائدة على حياتنا، وتارة أخرى نحاول الاشتراك فى أمور أخرى نقنع أنفسنا بأنها ستثير اهتمامنا؛ مثل التطوع فى مشاريع عالية الخطورة، أو تجربة الأطعمة النباتية أو الاشتراك فى درس لليوجا أو إعادة تنظيم المنزل وتغيير ديكور المطبخ، تعلم اللغة الإيطالية، نحاول بتلك الأنشطة أن نضيف المعنى إلى حياتنا، ونسأل أنفسنا على حين غرة، كيف حدث هذا؟ كيف تسرب المعنى من حياتنا وترك داخلنا خواء بتلك الطريقة؟
لوهلة اعتقدت أن هذا الشعور كان تعبيرا عن الإرهاق الوظيفى فى منتصف العمر، أو رد فعل معقول من أولئك الذين طموحاتهم المهنية قد عرقلت. ولكننى اكتشفت أنه من الشائع أيضا بين المتفوقين الذين حققوا علامات مهنية فى وقت مبكر، وحتى بين أصحاب الثلاثينيات الذين يتطلعون إلى أن يكونوا على مسار مثير للإعجاب.
ما الذى يحدث لنا؟ هل نحن غير واقعيين، وممتازين للغاية، ومدللين بشكل كبير نتيجة انتمائنا للعالم الأول؟ أم أن هناك شيئًا أعمق وأكثر أهمية يغيب عنا أذهاننا؟
فالكثيرون منا لديهم ذلك الشعور الغامض والمستمر والصاخب بأن ما نقوم به لا يعكس مانحن عليه بالفعل، وهذا تحديدا ما ذكره ستيفن ر. شاو من جامعة ماكجيل فى مدونته عبر مقال بعنوان «فقدان طريق التعلم» وذكره أيضا جوناثان ماليزيك فى مقاله «الإرهاق الذى استمر أربعين عاما» والذى يدور حول خيبة الأمل التى تؤثر على كثير من الأكاديميين.
كلا من «شاو» و«ماليزيك» عبروا عن الفكرة بطرق مختلفة؛ ففى حين ركز شاو فى مقاله على فكرة القرارات السديدة والحكم الذاتى، تناول ماليزيك المجتمع الأكاديمى واجتماعات الإدارات ولكنهم فى النهاية اتفقوا على أن تحديد معنى الحياة والهدف منها هو نضال لا ينتهى.
***
تضيف الكاتبة: محور الفكرة الرئيسى يدور حول التوقعات؛ ماهى توقعاتنا من الحياة؟ وكيف نوازن أمور حياتنا.. كيف نقسم الأنشطة المختلفة بين ساعات اليوم؟
عندما كنت صغيرة، كان أفراد عائلتى والجيران يتعاملون مع وظائفهم على أنها فرص عمل؛ كان هؤلاء الناس يذهبون إلى العمل يؤدون وظائفهم على أكمل وجه، ثم يعودوا إلى البيت ويقوموا بشىء آخر مختلف تماما، لم يكرهوا عملهم لأنهم لم يتوقعوا منه الكثير، كانت حياتهم الحقيقية تبدأ فور الدخول من باب المنزل؛ أحدهم يشذب حديقته من الأعشاب الضارة، والآخر يلعب الورق مع الأصدقاء وهناك من ينزوى فى ركنه الدافئ بالمنزل ويستمع إلى مقطوعة موسيقية غاية فى الروعة والجمال.
أما الآن... فنحن غالبا ما نشكو من العمل؛ لأن العمل هو كل ما نقوم به، وعليه فقد اخترعنا أسطورة ثقافية مفادها أننا إذا اخترنا الوظيفة الملائمة لنا فإن هذا سيعززنا ماليا وعاطفيا وروحيا.
وحتى نحصل على كمية كافية من الطاقة فى حياتنا المهنية، هناك بعض الاستراتيجيات التى من الممكن أن تساعدنا فى إعادة هيكلة أرواحنا، وذلك فى محاولة منا لجعل علمنا أفضل؛ هذه الاستراتيجيات هى:
ــ السعى لترسيخ فكرة إتقان شىء خارج نطاق العمل؛ الشعور بالنجاح المهنى مهم للغاية، ولكنه ملل أيضا ما لم يصاحبه إحساس بالإنجاز خارج العمل.. مثل الاهتمام بزراعة الريحان، مساعدة الآخرين فى تحسين مستوى القراءة من خلال برنامج محو الأمية. تعلم لغة جديدة أو تجربة مهارة يدوية؛ فهناك الكثير من الطرق التى يمكن أن نذكر أنفسنا من خلالها أن لدينا الكثير من المواهب المتنوعة.
ــ العمل أقل، ولكن العمل بشكل أفضل؛ عندما لا تسير الامور بشكل جيد، فمن الضرورى أن نعمل بجد للتغلب على ما يبدو أنه حواجز طريق مستعصية. وفور الانتهاء من العمل علينا الذهاب إلى فيلم، أو التنزه مع الأصدقاء، أو ربما تحضير الطعام ودمج مكوناته معا بشكل لذيذ وممتع عندها فقط يمكن تجدد الطاقة الإبداعية التى نحتاجها لمعالجة تحديات الحياة الشائكة.
ــ إيلاء الاهتمام لأجزاء العمل التى تحب أكثر من غيرها؛ ماذا تفعل عندما ترغب فى أن يمر الوقت بسرعة غير مفهومة؟ هل تريد تصميم عرض تقديمى؟ أم تريد تجربة استراتيجية جديدة للحديث؟ قراءة بحث جديد؟ مساعدة الطلاب على تحديد أفضل مسار أكاديمى؟ بذل المزيد من الحب على ما تقوم به يعود بنتائج مدهشة على الدوام.
ــ خذ قسطًا من النوم؛ فكثيرًا ما نشعر بشعور اليأس لأننا نستنفذ جسديًا ونفسيًا. إن تلبية حاجتنا للراحة يمكن أن يضبط وجهة نظرنا وشعورنا بالتفاؤل.
***
ختاما تقول الكاتبة: لقد صمم الكثيرون حياة جعلت العمل فى موقع القلب منها، وذلك بدل من وضعه فى نصابه الصحيح، فى اعتقادى أن الكثير من مفاهيمنا الخاطئة قابلة للتبديل، ولكن أغلب البشر نسوا ذلك الأمر على الأغلب، إن محاولة حل إشكالية «ما هو الخطأ فى حياتى» من خلال التركيز بشكل أكبر على العمل هو استراتيجية شائعة للغاية ولكنها غير فعالة على الإطلاق، بل من الممكن أن تدفعنا إلى الارتداد إلى مكان آخر بحثًا عن الإثارة المهنية أو الإشادة.
لأولئك الذين يتوقون إلى البحث عن المعنى.. الهدف.. الانتماء والتأثير؛ ربما عليكم البحث حثيثا عن بناء حياة أفضل وذلك بدلا من البحث عن وظيفة أفضل.
النص الأصلى