لابد من استعراض عضلات السياسة الخارجية - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لابد من استعراض عضلات السياسة الخارجية

نشر فى : الإثنين 31 أغسطس 2009 - 10:12 ص | آخر تحديث : الإثنين 31 أغسطس 2009 - 10:12 ص

 تواجه إدارة أوباما وقتا حرجا فيما يتعلق باثنين من أصعب تحديات السياسة الخارجية الأمريكية، هما عملية السلام العربى الإسرائيلى، والحرب فى أفغانستان. ولسوء الحظ، فإن هذين الاختبارين يأتيان فى لحظة ضعف بالنسبة لإدارة أوباما، بسبب الجدل الدائر حول برنامج الرعاية الصحية، وهو ما يجعل لدى هذه الإدارة القليل من رأس المال السياسى لتنفقه.

وقد أدرك أوباما ومساعدوه منذ وقت طويل أن مساحة الفرص المتوفرة لديهم محدودة. ذلك فى عام 2007 عندما كان هناك عدد قليل من الناس يؤمن بإمكانية فوز أوباما استعان أوباما برأى مستشار الأمن القومى الأمريكى السابق زبجنيو بريجنسكى بشأن الإنجازات التى يمكن أن يحققها رئيس ما فى الشهور الستة الأولى من تقلده مهام منصبه، وهى الفترة التى تكون فيها شعبيته فى أوجها.

وخلال الساعات السابقة على إعلان فوز أوباما فى نوفمبر الماضى كشف أحد كبار مستشاريه أنه كان يأمل فى أن يتم إطلاق مبادرة ما للسلام فى الشرق الأوسط فى تلك اللحظة نفسها، عندما كانت هالة الفوز فى أكثر حالاتها إشراقا. فقد كان لما يتمتع به من كاريزما آنذاك اعتباره بمثابة كنز قومى، لكنه لم يكن فى المستطاع أن تستمر حالة الانبهار هذه إلى الأبد.

وسوف تبدأ اختبارات السياسة الخارجية الحقيقة قريبا، بمجرد أن يبدأ أوباما فى اتخاذ بعض القرارات الصعبة والمثيرة للجدل من الناحية السياسية، بشأن القضية الفلسطينية وأفغانستان. وحتى لو كان الرئيس لا يزال فى قمة شعبيته مثلما كان عليه الحال منذ عدة شهور، لكان سيواجه مشكلات صعبة. والآن، فى ظل انخفاض شعبية أوباما وانخراط الكونجرس فى سعار التنافس الحزبى، أصبحت هذه المشكلات بحاجة إلى مستوى آخر من القيادة.

وقد واجهت الانفراجة العربية الإسرائيلية التى سعى إليها أوباما منذ أيامه الأولى لحظة حرجة الأسبوع الماضى، عندما التقى مبعوث السلام فى الشرق الأوسط جورج ميتشيل ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو. وبالرغم من ذلك، فإن اتفاق الطرفين على تجميد بناء المستوطنات يمكن يفتح الطريق أمام إجراء محادثات بشأن إقامة دولة فلسطينية.

غير أنه توجد فى الطريق العديد من المساومات المستنزفة سياسيا، حيث تثور أسئلة حول فترة تجميد بناء المستوطنات، وهل سيتضمن هذا التجميد الـ700 مشروع استيطانى الذين يجرى تنفيذهم حاليا أم لا.

وبالرغم من جهود ميتشيل للتوصل إلى صيغ توفيقية، فإن هذا النهج من المرجح أن يثير استياء الطرفين. وماذا عن رد الفعل العربى؟ ذلك أن أوباما ينتظر من العرب أن يتخذوا خطوات فى اتجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فى مقابل تجميد الاستيطان.

لكن هذه الخطوات ستكون متواضعة فى الأغلب، حيث من المقرر أن تشمل استئناف العلاقات الدبلوماسية والتجارية، وربما بعض التنازلات على صعيد حقوق التحليق والهبوط بالنسبة للطيران الإسرائيلى. لكن ليس فى ذلك ما يثير الكثير من الحماس لدى الإسرائيليين، أو يخفف من قلق الكثيرين حول ما يعتبرونه انحيازا من جانب أوباما إلى الطرف العربى.

ويثور جدل فى البيت الأبيض حول ما إذا كان يجب على أوباما إطلاق مبادرة مصحوبة بإعلان حول عناصر التسوية النهائية التى تراها الولايات المتحدة. لكنه يُقال إن ميتشيل يفضل نهجا تدرجيا، يقوم خلاله الإسرائيليون والفلسطينيون بالبدء فى التفاوض، بينما تتدخل الولايات المتحدة فى مرحلة لاحقة، طارحة مقترحات للتقريب بين وجهات النظر.

وقد يكون قيام أوباما بإصدار بيان حول مبادئ التفاوض التى تراها الولايات المتحدة بدلا من تحديد عناصر صريحة للتسوية بمثابة حل وسط جيد. غير أنه حتى مع هذا النهج من المرجح أن يزعج نتنياهو ومؤيدى إسرائيلى فى الكونجرس. فهل سيمتلك أوباما فى الفترة المقبلة النفوذ السياسى اللازم للصمود أمام ضغوط هؤلاء، بينما يدفع من أجل التوصل إلى تسوية؟ وهذه هى النقطة التى تتشابك فيها قضيتا إصلاح نظام الرعاية الصحية وإحياء عملية السلام فى الشرق الأوسط.

ثم نأتى إلى أفغانستان. فبعد أن أجريت الانتخابات الرئاسية فى هذا البلد، سوف يواجه أوباما ضغوطا جديدة من أجل حل بعض القضايا الملتبسة فيما يتعلق بالاستراتيجية الأمريكية فى باكستان وأفغانستان التى أُقرت فى الربيع الماضى. فوفقا لهذه الإستراتيجية، سار البيت فى اتجاهين متزامنين، هما الانخراط فى مهمة عسكرية محدودة ضد إرهاب القاعدة، وفى الوقت نفسه استخدام تكتيكات بناء الأمة وهى تكتيكات طموحة ومكلفة على حد سواء من أجل تحقيق هذا الهدف.

غير أنه لا يمكن الاستمرار فى هذا الهراء. ذلك أن القادة العسكريين فى كابول يريدون من الإدارة الأمريكية أن تتعهد بإرسال المزيد من القوات وتخصيص المزيد من الموارد للحرب فى أفغانستان العام المقبل. لكن نائب الرئيس جو بايدن يقود معسكرا من المتشككين الذين يتزايد عددهم داخل البيت الأبيض، ممن يؤيدون طرح أنه قد آن الأوان لتقليص المهمة العسكرية فى أفغانستان، بدلا من التوسع فيها. وفى غضون ذلك، أشار استطلاع الرأى الأخير الذى أجرته واشنطن بوست بالتعاون مع شبكة إن بى سى نيوز إلى تصاعد معارضة الأمريكيين لتوسيع نطاق الحرب فى أفغانستان.

إن من السهل علينا أن نصف النتيجة المثالية التى نريدها بشأن أفغانستان. فهى تتضمن القيام بحشد عسكرى يصيب طالبان بما يكفى لجعلها على استعداد للتفاوض على صفقة تسمح للقوات الأمريكية بالبدء فى الانسحاب العام القادم. وهو ما يمثل جوهر الإستراتيجية الأمريكية. لكنه حتى تنجح هذه الإستراتيجية، يجب أن يقتنع العدو بأن الرئيس قوى بما يكفى للاستمرار فى هذا المسار بالرغم من المعارضة فى الداخل.

هل يبدو هذا الكلام مألوفا؟ بالطبع كانت تلك هى المعضلة التى واجهت بوش فى العراق. والآن يواجه أوباما تحديا مماثلا، بعدما أصبح القائد الأعلى للقوات المسلحة. وقبل أشهر قليلة، عندما كان الرئيس فى قمة شعبيته، جعل الأمر برمته يبدو سهلا. لكننا الآن لدينا قيد الواقع السياسى ولدينا كتاب Leadership 101 (مبادئ القيادة).

(2009، Washington Post Writers Group)

التعليقات