نشرت مدونة صدى التابعة لمركز كارنيجى مقالا للكاتب عادل مرزوق يعرض فيه الفرص والتحديات التى يفرضها قرار تطبيع السودان لعلاقاته مع إسرائيل لكل من السودان وإسرائيل والمحاور المتصارعة فى المنطقة... نعرض منه ما يلى.
يشتبك قرار تطبيع العلاقات السودانية الإسرائيلية جذريا بعدة ملفات خارجية، فى مقدمتها انتخابات الرئاسة الأمريكية وصراع المحاور (الإماراتى السعودى) و(التركى القطرى) فى المنطقة، إلا أنه وداخل السودان تحديدا، يُمثل فرصة سانحة للسودانيين لتجاوز عقود من الصعوبات الاقتصادية والعزلة الدولية. دوليا، يتيح قرار التطبيع مع إسرائيل للخرطوم تموضعا أفضل والتقدم بخطوات واثقة فى ثلاثة محاور؛ فى محور العلاقة مع واشنطن حيث يستثمر الرئيس دونالد ترامب هذه الاختراق الجديد فى ملف الصراع العربى الإسرائيلى كدلالة على دبلوماسيته القادرة على صناعة السلام فى منطقة الشرق الأوسط أولا، وفى محور العلاقة مع المحور الإماراتى السعودى الذى يلعب دورا مساندا وراعيا لمرحلة ما بعد الإطاحة بالرئيس البشير ثانيا، وأخيرا، وفى محور العلاقة مع إسرائيل التى سيكون لها أن تتشارك مع السودان فى عدة ملفات اقتصادية بالغة الأهمية للبلدين.
سياسيا، يُمثل قرار تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل رافعة سياسية لرئيس مجلس السيادة الانتقالى عبدالفتاح البرهان للبقاء على رأس السلطة، على أن ذلك لا يعنى أن طريق البرهان تبدو سالكة وممهدة وصولا إلى الاستحقاق الرئاسى الذى ستشهده البلاد عام 2022، من المتوقع أن يكون لمراكز القوة التى يحتفظ بها رموز النظام السابق داخل الدولة والجيش، وكذلك لقوى إعلان الحرية والتغيير (شريك الحكم)، القدرة على إعادة الحسابات فى أى لحظة، وبما يشمل فرض معادلات جديدة ومؤثرة على أرض الواقع.
وعلى أى حال، قرار التطبيع السودانى الإسرائيلى هو اختبار صعب سيكشف مدى تماسك التوليفة السياسية (مجلس السيادة الانتقالى) فى السودان والتى تُمثل اتفاق تقاسم السلطة بين الجيش والقوى المدنية فى البلاد، خصوصا أنه سيفتح الباب أمام عدة سيناريوهات قد تلقى بظلالها على الترتيبات والاتفاقات السياسية السابقة. ما قد يجعل الأمور أكثر إيجابية للمراهنين على خيار التطبيع، هو أن المواقف الشعبية متباينة وتبدو أكثر ليونة وتطلعا لنتائج الاتفاق. يقيم فى إسرائيل نحو 7700 لاجئا سودانيا كما أن نتائج استطلاعات للرأى تُشير إلى أن نسب قابلية السودانيين لتطبيع العلاقات مع إسرائيل تعتبر من النسب الأعلى فى العالم العربى.
اقتصاديا، يمثل الوصول إلى إنجاز حقيقى فى مؤشرات النمو الاقتصادى وجلب الاستثمارات الدولية إلى البلاد تحديا صعبا فى ظل جائحة كورونا وتباطؤ الاقتصاد الدولى ومشاكل جوهرية تتعلق ببنية الاقتصاد السودانى وتفشى الفساد، إلا أن دعما إماراتيا وسعوديا وأمريكيا جديدا لمالية الدولة من شأنه أن يُعزز قناعة السودانيين بجدوى تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
على الصعيد ذاته، من المتوقع أن يستفيد السودان من نفوذ اللوبى الإسرائيلى فى واشنطن للدفع فى ملفات سياسية واقتصادية ملحة، فى مقدمتها مُساعدة الخرطوم على الخروج من عزلتها الدولية.
على الجانب الإسرائيلى، لا شك أن إبرام الاتفاق مع السودان هو إنجازٌ يُضاف لسلة انجازات بنيامين نتنياهو الذى يقود جهدا دوليا لفرض واقع جديد لمنطقة الشرق الأوسط يتجاوز الصراع العربى الإسرائيلى، ويقوم على أولوية ضمان المصالح بين دول المنطقة والاصطفاف الفعال بقيادة واشنطن فى مواجهة إيران وأذرعها المُنتشرة فى المنطقة. اقتصاديا، يمثل السودان فرصة استثمارية واعدة فى القطاعين الزراعى والغذائى لتل أبيب، فضلا عن أن سواحل السودان البحرية ستتيح للإسرائيليين فى السنوات المقبلة فرصة للتواجد على البحر الأحمر لمزاحمة ــ وربما تعويض ــ تواجد تركيا فى جزيرة سواكن التى لا يُعرَف مصيرُ اتفاقيتها مع السودان حتى اليوم.
فى مستوى صراعات المحاور فى المنطقة، يُعزز توقيع الاتفاق السودانى الإسرائيلى قوة المحور السعودى الإماراتى. يضمن الاتفاق لهذا المحور علاقات استراتيجية مع تل أبيب وواشنطن وسيعزز من نفوذه فى واشنطن بغض النظر عن نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية.
من جهة أخرى يُؤمن اتفاق التطبيع السودانى الإسرائيلى دفعة جديدة لهذا المحور وتقدما فى احتواء الخرطوم وضمها لمناطق نفوذهِ فى مُواجهته المفتوحة مع المحورين؛ التركى القطرى والإيرانى، على أكثر من مستوى، وفى أكثر من ملف. رغم ذلك، يجب التنبه إلى أنه من المبكر فعلا الذهاب والجزم بأن الرياض وأبوظبى قد استطاعتا فعلا إنهاء نفوذ المحور التركى القطرى فى السودان والسيطرة على مسار العملية السياسية فى البلاد ومُخرجاتها.
وإذا كانت طهران قد عبرت عن الاتفاق الإماراتى البحرينى مع إسرائيل باعتباره تهديدا لها ولحدودها على الخليج، سيكون المحور التركى القطرى مشغولا بصياغة إعادة تموضع جديدة فى المنطقة، خصوصا فيما يتعلق بضمان تواجده فى البحر الأحمر، ونفوذه الإقليمى والتأثير على مستوى شراكته الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وهو ما يُحيل إلى أننا نقف أمام متغيرات جديدة، قريبا.
يُمكن الذهاب إلى أن المحور التركى القطرى قد لا يسمح للمحور الإماراتى السعودى بالتقدم عليه والذهاب بعيدا فى علاقاته مع واشنطن وتل أبيب. وهو ما يُشير إلى احتمال تدشين اتفاقية سلام قطرية إسرائيلية تُعزز من مستوى العلاقات والتفاهمات القائمة بين الدوحة وتل أبيب منذ عام 1996 من جهة، ولقطع الطريق على أى أفضلية «مفترضة» للرياض وأبوظبى من جهة أخرى.
من المتوقع أن تشهد المنطقة نشاطا وتسابقا دبلوماسيا بين هذين المحورين خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، على أن محصلة الفهم لهذه المحاور تتفق على أن مد وتجذير العلاقات مع تل أبيب هو العامل الرئيسى والطريق الأقصر فى الوصول إلى تفاهمات أوثق وأكثر صلابة وقوة مع واشنطن.
النص الأصلى هنا