أداة دبلوماسية جديدة فى يد موسكو - من الفضاء الإلكتروني «مدونات» - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 1:50 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أداة دبلوماسية جديدة فى يد موسكو

نشر فى : الجمعة 2 أبريل 2021 - 9:00 م | آخر تحديث : الجمعة 2 أبريل 2021 - 9:00 م

نشرت مدونة ديوان التابعة لمركز كارنيجى مقالا للكاتب يزيد صايغ، تحدث فيه عن العملية التشاورية الثلاثية الجديدة التى أطلقت من قبل روسيا وتركيا وقطر بشأن الأزمة السورية، وما هو غرض روسيا من إشراك قطر. كما أشار فى ختام مقاله إلى موقع إيران من هذه المبادرة الثلاثية... نعرض منه ما يلى.

فى 11 مارس الماضى، أعلن وزراء خارجية روسيا وتركيا وقطر عن إطلاق «عملية تشاورية ثلاثية جديدة» للمساعدة على التوصل إلى «حل سياسى دائم فى سورية». وقد أعادوا فى بيانهم المشترك التأكيد على المبادئ المعهودة التى هى محط إجماع دولى لإنهاء النزاع السورى. ولم يُضف الأفرقاء شيئًا جديدًا على نحوٍ واضح وصريح، سواء فى شكل ترتيبات سياسية أو عملاتية.

لقد شدّد وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف على أن الإطار الثلاثى يُفترَض أن يكمّل، لا أن يستبدل، عملية الأستانة التى أُطلقت فى يناير 2017 ــ أو مساريْ مؤتمر الحوار الوطنى السورى فى سوتشى واللجنة الدستورية السورية اللذين انبثقا عنها لاحقًا. فما الهدف إذًا من إطلاق مبادرة جديدة، ولا سيما مبادرة تخلو إلى حد كبير من التفاصيل المحددة، بعد سلسلة من المبادرات الدبلوماسية السابقة التى دُفِن عدد كبير منها فيما الأخرى تحتضر؟ ولماذا هذه المبادرة الآن، فى هذا التوقيت؟

فى هذا الإطار، لن يُقدّم التدقيق فى البيان المشترك والإجابات التى أدلى بها وزراء الخارجية الثلاثة فى مؤتمرهم الصحافى الرسمى فى العاصمة القطرية الدوحة، إضاءات كثيرة. فقد ركّزوا على التزامهم الجماعى بسلامة ووحدة الأراضى السورية، وإطار العمل الذى نصّ عليه قرار مجلس الأمن الدولى 2254 من أجل التوصّل إلى تسوية سلمية، وبيان جنيف للعام 2012. وجدّدوا أيضًا التأكيد على دعمهم مكافحة الإرهاب، وجهود اللجنة الدستورية والمبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة إلى سورية، والعمل على زيادة المعونات الإنسانية، والتصدّى لجائحة كوفيدــ19، والمساعدة فى ملف عودة اللاجئين والنازحين داخليًا، والإفراج عن المعتقلين ولا سيما النساء والأطفال وكبار السن.

لا يعدو ذلك مجرّد تكرار للّازمة نفسها. فقد جدّدت الترويكا فى عملية الأستانة، أى روسيا وتركيا وإيران، التزامها بالعديد من المبادئ الأساسية نفسها قبل بضعة أسابيع. وصدور هذا التأكيد عن الترويكا بعد جلسة فاشلة للّجنة الدستورية ــ التى أُطلِقت فى يناير 2018 وتتألف من 150 ممثّلًا عن المعارضة والنظام والمجتمع المدنى فى سورية ــ سلّط الضوء مجددًا على ركود الدبلوماسية الدولية.

***

إذًا ما الذى تريده روسيا من المنصّة المشتركة الجديدة؟ ما الذى تقدّمه هذه المنصة ولا توفّره المحادثات الثنائية أو المسارات الدبلوماسية الروتينية؟ بحسب ما يُبيّنه علم تحليل سياسات الكرملين فى حقبة الحرب الباردة، يكشف المشهد الرسمى الكثير من خلال قائمة المشارِكين والمستبعَدين: وإذ تشارك إيران فى ترويكا الأستانة، فإن إشراك قطر فى المنصة الثلاثية الجديدة هو الأمر الهام. وفى هذا الإطار، غالب الظن أن روسيا تسعى إلى تليين المعارضة لنظام الأسد فى المنطقة وتوسيع الدعم الخليجى لعودة النظام السورى إلى كنف جامعة الدول العربية، من خلال البناء على الدعوات التى أطلقتها الإمارات العربية المتحدة مؤخرًا فى هذا الصدد.

إضافةً إلى تخفيف العزلة السياسية والدبلوماسية لنظام الأسد، من شبه المؤكّد أن الهدف الأساسى الذى تسعى إليه روسيا هو تحسين وصول سورية إلى الأسواق الخارجية والسلع الضرورية والائتمانات. فقد شكّل ذلك هدفًا مهمًا منذ عامين أو ثلاثة، أطلقت روسيا خلالها نداءات من أجل الحصول على التمويل الدولى لإعادة الإعمار وعودة اللاجئين السوريين. وقد أصبحت الحاجة إلى الإغاثة أكثر إلحاحًا فى ضوء التدهور المتسارع للأوضاع فى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام والتراجع الحاد فى قيمة الليرة السورية. ولكن روسيا تفتقر إلى الإمكانات اللازمة لتمويل إعادة الإعمار والتعافى الاقتصادى، ولم تفلح فى استنهاض الدعم الغربى لمبادراتها. فى الواقع، لا بوادر تَشى بتخفيف العقوبات الاقتصادية الغربية على النظام، وهذا ما اشتكى منه لافروف لدى إعلانه عن المبادرة الجديدة فى الدوحة. ولذلك من المنطقى جدًا أن تتحرك روسيا على خط الخليج الذى شكّل تاريخيًا مصدرًا أساسيًا للمساعدات المالية والاستثمارات وسوقًا للصادرات والعمالة السورية. وفى الخليج أيضًا، ظهرت مؤخرًا بصورة متزايدة رغبةٌ فى إعادة تأهيل نظام الأسد.

لم تكن روسيا لتحصد أى جدوى من انعطافتها نحو قطر، لا بل كان ليرتدّ عليها ذلك بنتائج عكسية، لولا عودة العلاقات الدبلوماسية بين الإمارة وخصومها فى مجلس التعاون الخليجى فى 5 يناير الماضى. وحتى فى الوقت الراهن، هذه المصالحة هى رمزية أكثر منها جوهرية، فى حين أن العلاقات المحسَّنة بين الإمارات العربية المتحدة والسعودية من جهة وتركيا من جهة أخرى لا تزال فى طورها الأول فى أفضل الأحوال. ولكن إشراك قطر وتركيا، أى الفريقَين الإقليميَّين الوحيدَين اللذين لا يزالان ملتزمَين علنًا بدعم المعارضة السورية، فى مبادرة تهدف إلى إنقاذ نظام الأسد، هو مسعى لانتهاز الفرصة المتاحة ويسهم فى تسهيل العمل على توسيع نطاق الدعم الخليجى لإعادة تأهيل النظام السورى على المستويَين السياسى والاقتصادى. وعلى مشارف الانتخابات الرئاسية السورية التى تفصلنا عنها بضعة أسابيع، ربما ترى روسيا أيضًا أن كل ما يضفى شرعيةً على حكم بشار الأسد من شأنه أن يؤمّن غطاءً مفيدًا لتحسين العلاقات مع الخليج.

***

بطبيعة الحال، يتوقّف الكثير، بالنسبة إلى بلدان مجلس التعاون الخليجى، على موقع إيران فى هذه المعادلة وماهيّته. لا تعارض السعودية استعادة العلاقات مع النظام السورى، وتخوض محادثات نشطة مع روسيا بشأن المسألة السورية، ولكنها تريد أيضًا أن يحدّ الأسد، فى المقابل، من علاقاته مع إيران. وقد رحّبت وزارة الخارجية الإيرانية، من جهتها، بالبيان الثلاثى الصادر فى الدوحة، ووصفته بأنه «مبادرة لمساعدة عملية الأستانة». وهذا غير مُقنع، لأن عملية الأستانة تبدو فى حالة احتضار. فقد أظهرت عدم فاعليتها فى منع التوغّل التركى فى شمال شرق سورية فى أكتوبر 2019 أو المواجهة الواسعة النطاق التى اندلعت فى فبراير 2020 بين مراقبى الهدنة الأتراك الذين انتشروا فى محافظة إدلب السورية وبين القوات الموالية للأسد التى تلقّت دعمًا جوّيا روسيا جزئيًا.

باتت عملية الأستانة تقتصر على المداولات البطيئة جدًّا للّجنة الدستورية التى لم تنعقد حضوريًا سوى خمس مرات منذ العام 2018. وقد عبّر مبعوث الأمم المتحدة الخاص غير بيدرسون عن ذلك وعن محدوديات دوره فى تقريره إلى مجلس الأمن فى 9 فبراير حين أشار إلى أن «لا المسار الدستورى ولا أى مسار آخر» فى عملية السلام «سيحقّق تقدّمًا فعليًا»، نظرًا إلى الغياب المستمر للثقة وللإرادة السياسية اللازمة لتقديم تنازلات.

ولكن عملية الأستانة المتعثّرة تكشف الكثير عن المقاربة الروسية والتفكير الذى هو على الأرجح فى أساس المنصة الثلاثية الجديدة. فمن جهة، تمنح المبادرة روسيا أداةً دبلوماسية إضافية وليست بديلة عن عملية الأستانة. ومن جهة أخرى، غالب الظن أن المبادرة الجديدة ستسير على نفس المنوال: لم يحُل إطار الأستانة دون استعادة قوات النظام السيطرة على ثلاثة من أصل أربع «مناطق خفض تصعيد» أنشأتها عملية الأستانة فى يناير 2017. وعلى النسق نفسه إلى حدٍّ كبير، ستتيح مبادرة الدوحة لروسيا ونظام الأسد إمكانية تحقيق مكاسب من دون العمل فعليًا على إحداث تغيير سياسى حقيقى فى سورية.

النص الأصلي

التعليقات