نشرت مدونة ديوان التابعة لمركز كارنيجى مقالا لوزير خارجية الأردن الأسبق، مروان المعشر، يقول فيه إن أى سيناريوهات دولية تُطرح فى دوائر صنع القرار ومراكز الأبحاث ــ لمعالجة أمر غزة بعد الحرب ــ ستبوء بالفشل ما لم تأخذ فى الاعتبار رأى الشارع الفلسطينى. ذكر الكاتب إنه وإن يتم التركيز على السلطة الفلسطينية لتولى الحكم بعد الحرب، إلا أن استطلاع رأى أجراه المركز الفلسطينى للبحوث السياسية والمسحية، الأكثر مصداقية فلسطينيا، كشف ميل أغلبية الشعب الفلسطينى ــ فى غزة والضفة والقدس ــ لتولى حماس الحكم لا حركة فتح، حتى إن الأخيرة جاءت فى مرتبة بعد قوى سياسية ثالثة!... نعرض من المقال ما يلى:
بينما بدأ المجتمع الدولى والكثير من مراكز البحث بالحديث عن مرحلة ما بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، وطرح سيناريوهات متعددة للإجابة على أسئلة مستعصية عمّن يحكم غزة بعد الحرب، أو عن فرص إطلاق أى عملية سياسية لحل الصراع، ثمة عامل لا يؤخذ بالمستوى المطلوب من الجدية لدى إعداد هذه الطروحات، وهو الرأى العام الفلسطينى فى الأراضى المحتلة، أى فى الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة. لا يمكن أن تتوافر عوامل النجاح لأى خطة مستقبلية من دون الانتباه إلى نبض الشارع الفلسطينى تحت الاحتلال من الآن فصاعدًا.
من هنا، يكتسب استطلاع الرأى الأخير الذى أجراه المركز الفلسطينى للبحوث السياسية والمسحية بإدارة خليل الشقاقى أهمية خاصة. فعدا عن كونه المركز الأبرز والأكثر مصداقية فلسطينيًا فى إجراء مثل هذه البحوث، فإنه يلقى الضوء للمرة الأولى على رأى الشارع الفلسطينى منذ السابع من أكتوبر، كما أنه أُجرى فى الفترة ما بين 22 أكتوبر و2 ديسمبر 2023، فى كلٍّ من الضفة الغربية وقطاع غزة (خلال فترة الهدنة). وفى حين أن أى استطلاع للرأى يمثل إطلالة فى وقت معين لرأى الناس، فإن تجاهل هذا الرأى ستكون له عواقب وخيمة على أى خطط يجرى إعدادها.
غطى الاستطلاع جوانب كثيرة لا مجال لتعدادها جميعًا فى هذا المقال، لكنه ألقى الضوء على المزاج العام فى هذه الفترة حيال أمور عدة أودّ تسليط الضوء عليها. الأمر الأول يتعلق بمن سيحكم غزة بعد الحرب. يتنبأ 64 فى المائة من الأشخاص المستطلعين (73 فى المائة من الضفة الغربية و51 فى المائة من غزة) بأن حماس هى من سيحكم، بينما أبدى 60 فى المائة (75 فى المائة من الضفة الغربية و38 فى المائة من غزة) تفضيلهم لحكم حماس بعد الحرب على أى سيناريو آخر. ما يقوله الاستطلاع هو أن أى سيناريو يتم وضعه لمرحلة ما بعد الحرب لا يستطيع تجاهل حماس على الإطلاق، وأنها فرضت نفسها كلاعب هام على الساحة فى المرحلة المقبلة.
يلاحَظ هنا التباين الكبير لتأييد حماس بين أهل غزة وأهل الضفة الغربية، بحيث إن شعبية حماس أعلى بكثير فى الضفة الغربية منها فى غزة، ولعلّ ذلك مفهوم بعد المعاناة الكبيرة التى تتحمّلها غزة من جرّاء العدوان الإسرائيلى. بالمقارنة، فإن 7 فى المائة من الأشخاص المستطلعين فقط يرغبون فى أن تحكم السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس غزة بعد الحرب، و3 فى المائة فقط يؤيدون قدوم قوة عربية لإدارة غزة، و88 فى المائة يرغبون بأن يستقيل عباس من منصبه. هذه الأرقام هامة وربما صادمة لأى سيناريوهات دولية تطرح اليوم وتفترض أن السلطة الوطنية الفلسطينية بشكلها الحالى ستكون مقبولة لإدارة غزة.
فيما يتعلق بمن يفضل الشعب الفلسطينى من القوى السياسية فى حال أُجريت انتخابات تشريعية، فإن حماس ستحصل على 43 فى المائة (44 فى المائة فى الضفة و38 فى المائة فى غزة) بينما ستحصل فتح على 17 فى المائة (16 فى المائة فى الضفة و25 فى المائة فى غزة) بينما ستحصل القوى الثالثة (عدا فتح وحماس) على 23 فى المائة (أكثر من فتح) وأبدى 17 فى المائة عدم اتخاذهم قرارًا بعد لمن يصوتون). مرة أخرى، يلاحَظ الدعم الكبير لحماس اليوم، ويلاحَظ أيضًا أن القوى الثالثة فى المجتمع تتفوق على فتح اليوم.
ونظرًا إلى أن النظام الانتخابى الفلسطينى نظام نسبى، ستتمثل كل هذه القوى فى المجلس التشريعى المقبل، وسيكون من المستحيل تجاهل حماس كقوة سياسية لدى الحديث عن أى عملية سياسية مستقبلية. ومن الواضح عدم نجاعة سياسة الحديث مع السلطة الوطنية الفلسطينية بشكلها الحالى فقط، إذ تجاوزتها كلٌّ من حماس والقوى الثالثة فى المجتمع الفلسطينى.
أما بالنسبة لمن يفضل الشعب الفلسطينى أن يقوده فى مرحلة ما بعد الرئيس عباس، فثمة أكثرية كبيرة اختارت الأسير مروان البرغوثى (36 فى المائة)، يتبعه وبفارق كبير إسماعيل هنية (19 فى المائة)، ويحيى السنوار (16 فى المائة)، ومحمد دحلان (4 فى المائة)، بينما اختار 1 فى المائة فقط حسين الشيخ، وهو ربما من بين المفضلين لدى الرئيس عباس.
وفيما يتعلق بشكل الحل النهائى للصراع، فإن 64 فى المائة من الفلسطينيين والفلسطينيات يعارضون فكرة حل الدولتَين، ويؤيدها 34 فى المائة فقط، و65 فى المائة يعتقدون بأن حل الدولتَين لم يعد ممكنًا من الناحية العملية بسبب التوسع الاستيطانى.
وفى تطوّر لافت أيضًا، ولدى السؤال عن الطريقة المثلى لإنهاء الاحتلال الإسرائيلى وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، فإن 63 فى المائة من الأشخاص المستطلعين (20 فى المائة فى الضفة و56 فى المائة فى غزة) أجابوا بأنها المقاومة المسلحة، مقارنةً مع 20 فى المائة ممن يفضلون المفاوضات، و13 فى المائة ممن يؤمنون بالمقاومة السلمية. لم تكن ثمة أغلبية فلسطينية تؤمن بالمقاومة المسلحة قبل عشرين عامًا، ما يعنى التخلّى عن الوسائل السلمية اليوم وعدم الاقتناع بأنها أتت بنتيجة لإنهاء الاحتلال.
هذه نتائج تؤشّر على تطورات هامة فى المزاج الشعبى الفلسطينى، ولعل عدم جدية المجتمع الدولى فى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، إنْ استمرت، ستعنى تحولًا نحو المقاومة المسلحة فى المرحلة المقبلة ولوقت طويل. يحسن المجتمع الدولى صنعًا إنْ درس هذه النتائج جيدًا واستخلص العبر اللازمة وابتعد عن طروحات لا تمت إلى الواقع بصلة.
النص الأصلى:
https://bitly.ws/38xay