الحرب على لبنان ليست وشيكة - من الفضاء الإلكتروني «مدونات» - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 6:56 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحرب على لبنان ليست وشيكة

نشر فى : السبت 6 يناير 2024 - 7:55 م | آخر تحديث : السبت 6 يناير 2024 - 7:55 م
نشرت مدونة ديوان التابعة لمركز كارنيجى مقالا للكاتب يزيد صايغ، تناول فيه الأسباب التى تحول دون نشوب مواجهة بين إسرائيل وحزب الله، رغم تصاعد الحديث عن ارتفاع هكذا احتمال... نعرض من المقال ما يلى:
ازدادت التوقعات بأن تبادل إطلاق النار اليومى بين إسرائيل وحزب الله على طول الحدود اللبنانية الجنوبية، والمستمر منذ الهجوم الذى نفّذته حماس يوم 7 أكتوبر، قد يشهد تصعيدًا يصل إلى حدّ مواجهة كبرى، حتى إن بعض المحلّلين اعتبروا هذا الاحتمال «مرتفعًا». ومع أن هذا الخطر سيبقى ماثلًا لوقتٍ طويل من العام 2024، تشير الدلائل إلى أن هذا السيناريو لن يحدث فى الأسابيع القادمة أو حتى على مدى الأشهر القليلة المقبلة.
على سبيل المثال، أشار آموس هاريل، المراسل العسكرى ومحلّل شئون الدفاع فى صحيفة هآرتس، إلى تحضيرات تجريها ألوية عدة فى الجيش الإسرائيلى لسحب بعض جنود الاحتياط من الخدمة، استجابةً «للعبء الهائل الذى يتكبّده الاقتصاد وجنود الاحتياط وعائلاتهم». وستتولّى وحدات عسكرية نظامية حراسة الحدود مع لبنان، حيث يُعتبر حزب الله تهديدًا يجب التصدّى له، إنما يُنظر إلى عملياته عبر الحدود على أنها «أمرٌ روتينى تقريبًا».
إن ما ستشهده الحدود اللبنانية الإسرائيلية فى المرحلة المقبلة رهنٌ بمزيج من العوامل السياسية والعسكرية المرتبطة بشكل أساسى بالحرب فى غزة. فقد يستخدم رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو التهديد بالتصعيد فى لبنان لمنع الرئيس الأمريكى جو بايدن من ممارسة ضغوط على إسرائيل للحدّ من عملياتها العسكرية فى غزة أو وقفها. لكن الضغوط الأمريكية فى هذا الصدد لا تزال أدنى بكثير من العتبة التى قد تدفع نتنياهو إلى تعمّد إشعال حرب مع لبنان من أجل ضمان تحقيق مكاسب ملموسة لإسرائيل.
على نحو مماثل، ومع أن نتنياهو قد يعمد إلى التصعيد مع حزب الله «للسيطرة على الأزمة» – علمًا أن المقصود هنا بالأزمة هو عبارة عن التحديات الداخلية المُحدقة بالبقاء السياسى لنتنياهو – غير أن المواجهة المفتوحة لن تقع إلا بموافقة سائر أعضاء «مجلس الحرب» الإسرائيلى والقيادة العسكرية. وعلى الرغم من أن هذه الأخيرة ربما تشاركه الرغبة فى إلحاق الهزيمة بحزب الله باعتباره تهديدًا عسكريًا محتملًا، الأرجح أنها ستتجنّب فتح جبهة ثانية إذا كان ثمة خطر من أن يقوّض ذلك قدرتها على «إكمال المهمّة» فى غزة. إن توسيع رقعة الصراع فى غزة من شأنه أن يخيف الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية بشكلٍ كافٍ لدفعها إلى انتهاج جهودٍ دبلوماسية نشطة أكثر قد تؤدّى إلى تقييد حرية إسرائيل فى تنفيذ عمليات عسكرية فى غزة وتقليص الخيارات المتاحة أمامها لمرحلة ما بعد انتهاء القتال الدائر فى القطاع.
بالطبع، ثمة وجه آخر لهذا التحليل. إذا خلصت إسرائيل ومجلسها الحربى إلى أنهما لن ينجحا بتحقيق الهدف الإسرائيلى المعلن بالقضاء على التهديد العسكرى الذى تمثّله حماس، أو إلى أن حماس ستبقى القوة المسيطرة فى ما سيبقى من قطاع غزة بعد الحرب، قد يدفعهما ذلك إلى محاولة التقليل من التهديد الذى يطرحه حزب الله طالما أن الفرصة سانحة لذلك.
• • •
إذًا، كيف يمكننا تقييم ما ستئول إليه الأحداث؟ تبرز مؤشرات عدة قد تساعد على ذلك.
أولًا، لا بدّ من الحديث عن نبرة الخطاب الأمريكى الرسمى حول غزة وجوهره، وما إذا يمكن ترجمة فحواها إلى تدابير محدّدة من شأنها التأثير على خيارات إسرائيل وأفعالها. حتى الآن، لم تقترن التصريحات الأمريكية عن ضرورة الحدّ من الخسائر فى صفوف السكان المدنيين الفلسطينيين بعواقب يُعتدّ بها من شأنها أن تطال إسرائيل فى حال عدم الالتزام بمضامينها. هذه النتائج قد لا تكون عقابية بالضرورة، مثلًا على شكل تعليق عمليات تزويد إسرائيل بالأسلحة والذخائر. بل يمكن أن تشمل النتائج تعزيز إدارة بايدن خطابها المتمحور حول إعادة إحياء حلّ الدولتَين، كسبيلٍ لإنهاء النزاع الإسرائيلى الفلسطينى، واتّخاذ خطوات تمهّد الطريق نحو إقامة دولة فلسطينية فعليًا. وبإمكان الإدارة، على الأقل، تعزيز الدور الإنسانى لمنظمة الأمم المتحدة، حتى لو تطلّب الأمر ممارسة ضغوط ذات مصداقية على إسرائيل للسماح بإيصال المساعدات إلى غزة على نطاق واسع. فى موازاة ذلك، بإمكان واشنطن توسيع الحظر الذى فرضته على منح تأشيرات دخول للمستوطنين الإسرائيليين المنخرطين فى أعمال عنف.
لكن الرسائل التى تصدر عن واشنطن فى الوقت الراهن تدلّ على استمرار تساهلها مع العمليات العسكرية الإسرائيلية فى غزة. وفى ظل غياب تدابير أمريكية مقنعة مثل ما ذكر أعلاه، لا يوجد سبب يدفعنا إلى الاعتقاد بأن مجلس الحرب الإسرائيلى سيشعر بالحاجة إلى تصعيد وتائر الأعمال العدائية مع حزب الله إلى درجة شنّ حرب شاملة من أجل استباق حدوث تحوّل ما فى السياسة الأمريكية تجاه غزة.
ثانيًا، تشكّل طبيعة العمليات القتالية الإسرائيلية فى غزة ووتيرتها مؤشّرًا على النوايا الإسرائيلية المحتملة تجاه حزب الله. طالما أن هذه تدلّ على استمرار العزم على القضاء التام على حماس، تتضاءل تبعًا لذلك احتمالات فتح جبهة ثانية مع لبنان.
يواجه مجلس الحرب الإسرائيلى – والشريحة القيادية السياسية عمومًا – معضلة تتمثّل فى افتقاره حتى الآن إلى خطة واضحة لغزة بعد انتهاء القتال، وتحديدًا خلال المرحلة التى تتجاوز المدى القصير والذى يتراوح، مثلًا، بين ستة أشهر وسنة. ويحمل هذا الواقع تأثيرات متضاربة. فمن جهة، ونظرًا إلى الغموض المحيط بمرحلة ما بعد الحرب، قد ترى إسرائيل أن استهداف حزب الله هو خيار معقول للتخفيف من حالة اللايقين الاستراتيجى. أما من جهة أخرى، فقد تمكّن الجيش الإسرائيلى حتى الآن من إطالة أمد عمليته البرية فى ظل غياب هدف سياسى عام واضح. وأدّى اتّساع نطاق العمليات القتالية نحو جنوب غزة إلى وضع الجيش الإسرائيلى أمام أحد هذَين السيناريوهَين المحتملَين: إما مواصلة القتال إلى حين القضاء على قدرات حماس العسكرية (وإنهاء حكمها)، أو الانتقال إلى تحقيق أهداف محدودة أكثر.
ثالثًا، قد ينذر التحوّل فى نطاق الهجمات الإسرائيلية فى لبنان بتصعيد وشيك يشعل حربًا أوسع مع حزب الله. تحديدًا، إنّ شنّ غارات كبيرة تستهدف بصورة لا لبس فيها المدنيين سيشكّل على الأرجح استفزازًا متعمّدًا من أجل دفع حزب الله إلى الردّ بالمثل، وبالتالى إعطاء إسرائيل ذريعة لتنفيذ عملية كبيرة. هذا السيناريو سيكون فى الواقع أشبه بتكرار للاستراتيجية التى اتّبعتها إسرائيل فى عهد رئيس الوزراء آنذاك مناحيم بيجن ووزير دفاعه أرييل شارون فى مطلع الثمانينيات. فقد توقّعا شنّ غزو برى على لبنان بعد ردّ مدفعية منظمة التحرير الفلسطينية على قصف سلاح الجو الإسرائيلى مبانى سكنية مدنية ومكاتب منظمة التحرير فى قلب العاصمة بيروت فى يوليو من العام 1981، ثم مجدّدًا عقب غارات جوية إسرائيلية فى مايو 1982. لكن الاجتياح بدأ فى نهاية المطاف فى الشهر التالى بعدما تعرّض السفير الإسرائيلى فى لندن لمحاولة اغتيال (نفّذها، للمفارقة، فصيل فلسطينى منشقّ يعمل لصالح المخابرات العراقية التابعة لصدام حسين)، على الرغم من أن منظمة التحرير الفلسطينية لم تكن قد خرقت اتفاق وقف إطلاق النار.
ستحدّد التطوّرات التى تشهدها الساحة السياسية الداخلية فى إسرائيل مسار الكثير من الأمور، لكن فى الوقت الراهن يبدو أن نتنياهو لا يقوى على ضغوط بقية أعضاء المجلس الحربى حول القرارات المهمة. وتشير التقارير إلى أن الجيش الإسرائيلى يستعدّ لتغيير نمط عملياته ووتيرتها بعد منتصف يناير 2024، بيد أن ذلك لا يعنى انحسار الحرب فى غزة، بل هى أبعد ما تكون عن ذلك. فى هذا السياق، قال وزير الدفاع يوآف جالانت لمستشار الأمن القومى الأمريكى جيك سوليفان فى منتصف ديسمبر الماضى إن العمليات القتالية الإسرائيلية «ستمتد لأكثر من أشهر عدّة»، فيما توقّع مسئولون أمنيون إسرائيليون آخرون خلال الفترة نفسها أن تتطلّب الحرب «ما بين ستة وتسعة أشهر إضافية من العمليات العسكرية المكثفة».
• • •
قد تكون هذه التقييمات جزئيًا عبارة عن جعجعة خطابية، ولا شكّ أيضًا أنها عرضة للتغيير. لكنها تشجّع على الاستنتاج بأن مجلس الحرب الإسرائيلى قادرٌ على الاستمرار فى حرب غزة لأشهر عدّة إضافية، ولن يحقّق مكاسب تُذكر من زعزعة هذا الوضع المريح استراتيجيًا من خلال شنّ حرب متفلّتة ضدّ حزب الله.

النص الأصلى:

التعليقات