الاتحاد الأوروبى وعملية السلام الإسرائيلية ــ الفلسطينية فى مرحلة ما بعد موغيرينى - من الفضاء الإلكتروني «مدونات» - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 6:23 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاتحاد الأوروبى وعملية السلام الإسرائيلية ــ الفلسطينية فى مرحلة ما بعد موغيرينى

نشر فى : الأحد 6 أكتوبر 2019 - 9:05 م | آخر تحديث : الأحد 6 أكتوبر 2019 - 9:05 م

نشرت مدونة صدى التابعة لمركز كارنيجى مقالا للكاتبة غرايس ورمنبول، جاء فيه ما يلى:

من شأن وزير الخارجية الإسبانى جوزف بوريل الذى سيحل مكان فيديريكا موغيرينى فى منصب الممثل الأعلى للشئون الخارجية والسياسة الأمنية فى الاتحاد الأوروبى فى نوفمبر المقبل، أن يتسبب بمزيد من التدهور فى العلاقات المتشنّجة أصلا مع إسرائيل. فموقف بوريل الذى يُعتبَر داعِما للفلسطينيين ومناهضا لإسرائيل سوف يُعزّز النظرة الإسرائيلية التى ترى فى الاتحاد الأوروبى وسيطا منحازا، فيما يساهم فى الإبقاء على دور الولايات المتحدة الذى يجعل منها الوسيط المفضّل بالنسبة إلى إسرائيل فى عملية السلام فى الشرق الأوسط. وفضلا عن ذلك، غالب الظن أن التحديات التى تطرحها صناعة القرار فى السياسة الخارجية داخل الاتحاد الأوروبى سوف تُعطّل قدرة بوريل على تحقيق الوحدة بين أعضائه والتحرّك فى المسألة الإسرائيلية ــ الفلسطينية، وهكذا يبقى الاتحاد الأوروبى مجرد جهة تدفع الأموال بدلا من أن يكون لاعبا أساسيا.
وقد لقى تعيين بوريل معارضة شديدة فى إسرائيل. وفى هذا الإطار، أوردت صحيفة «إسرائيل اليوم» أن المسئولين يراقبون بحذر انتقال الدفة من يد إلى أخرى فى الاتحاد الأوروبى. ولفت صحفيّ بارز، فى الصحيفة نفسها، إلى أن «أوروبا [كشفت عن] ألوانها» من خلال تعيين بوريل. كانت إسرائيل تتطلع، بعد الانتخابات البرلمانية الأوروبية، إلى حدوث تبدُّل فى السياسة الخارجية الأوروبية نحو اليمين ونحو اعتماد موقف أكثر دعما لها فى العلن، مثلما جرى فى النمسا والمجر فى الأعوام الأخيرة. غير أن بوريل، وهو اشتراكى كتالونى، يُعتبَر ناقدا لاذعا لإسرائيل. وفى أعقاب تعيينه، سلّطت وسائل الإعلام الإسرائيلية الضوء على دعمه للفلسطينيين خلال تولّيه حقيبة وزارة الخارجية فى بلاده، والذى تجلّى بصورة خاصة من خلال اعتراف إسبانيا أحاديا بدولةٍ فلسطينية، وانتقاداته العلنية للتحركات العسكرية الإسرائيلية فى غزة.
***
وسوف يرث بوريل علاقة متشنّجة أصلا بين الاتحاد الأوروبى وإسرائيل. فموغيرينى لم تتوجه إلى إسرائيل فى زيارة عمل منذ عام 2014، أى بعد انطلاق ولايتها التى استمرت خمس سنوات. لم تكن موغيرينى، التى يُنظَر إليها بأنها نصيرة للفلسطينيين ومدافِعة عن الاتفاق النووى الإيرانى، محبوبة فى القدس. والقرار الذى اتخذه الاتحاد الأوروبى بوَسم المنتجات القادمة من المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية فى عام 2015 دفعَ برئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو إلى تعليق المشاركة الدبلوماسية للاتحاد الأوروبى فى جهود السلام مع الفلسطينيين من أجل إجراء «إعادة تقييم». وفى حين بُذِلت محاولات لوضع العلاقات الثنائية «على المسار الصحيح من جديد»، وفقا لتعبير نتنياهو، لا تزال العلاقات الأوروبية ــ الإسرائيلية متصدّعة. وقد تعثّرت الجهود التى هدفت إلى إعادة العمل بمجلس الشراكة الأوروبى ــ الإسرائيلى فى عام 2016، وهو عبارة عن حوار سياسى سنوى على مستوى وزارى. وبحسب الاتحاد الأوروبى، المجلس دليلٌ على «الأهمية التى يوليها الاتحاد الأوروبى لعلاقاته مع دولة إسرائيل». ولكنه لم يتمكّن من الانعقاد منذ عام 2012، على الرغم من أن إطاره القانونى يستوجب اجتماع المجلس مرة فى السنة للنظر فى العلاقات بين الطرفَين.
تسعى أوروبا، على امتداد العقود الأربعة الماضية، إلى استنباط طرق لدفع عملية السلام الإسرائيلية ــ الفلسطينية قدما. وعلى سبيل المثال، دعا الاتحاد الأوروبى، فى استراتيجيته العالمية لعام 2017، إلى إقامة تعاون وثيق «مع اللجنة الرباعية وجامعة الدول العربية وجميع الأفرقاء المعنيين الأساسيين حفاظا على آفاق التوصل إلى حل قابل للحياة قوامه إنشاء دولتين». وقد عبّر الاتحاد الأوروبى مرارا وتكرارا عن قلقه من الأوضاع فى الشرق الأوسط والتحركات السجالية للأفرقاء المعنيين. وهكذا، فى أعقاب إقرار إسرائيل قانون الدولة القومية المثير للجدل فى يوليو 2018، الذى ينص على أن إسرائيل هى الدولة القومية للشعب اليهودى، أدان الاتحاد الأوروبى القانون وأعلن عن دعمه لحل الدولتين. ومؤخرا، إزاء اعتراف الإدارة الأمريكية بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، أعاد الاتحاد الأوروبى تأكيد التزامه بقرارَى مجلس الأمن 242 و497 اللذين يُبطلان فعليا مطالب إسرائيل بالسيادة على الأراضى التى احتلتها فى الحرب.
وقد اكتفى الاتحاد الأوروبى، على الرغم من الدعم المالى المستمر الذى يُقدّمه للسلطة الفلسطينية وتعاونه الاقتصادى العميق مع إسرائيل، بأداء دور ثانوى فى تسوية النزاع. ففى حين يُعبّر الاتحاد الأوروبى عن مظهر من مظاهر الإجماع السياسى القائم على رد الفعل، يعجز عن المساهمة استباقيا فى إنعاش عملية السلام. والمحاولة الأخيرة التى بذلها لإعادة إحياء عملية حل الدولتَين ــ وقادتها باريس على نحو أساسى ــ كان مصيرها الفشل فى 2016 ــ2017 لجملة أسباب منها الرفض الإسرائيلى للمبادرة. هذا فضلا عن أن العوائق الداخلية حالت أيضا دون تقديم الاتحاد الأوروبى مساهمة أكثر نشاطا فى تحفيز عملية السلام فى الشرق الأوسط وكذلك دون مشاركته فيها بفاعلية أكبر. وتشمل هذه العقبات المعوّقات التشريعية والمعوّقات المؤسسية الداخلية، والاختلافات الأيديولوجية بين الدول الأعضاء، والانقسام داخل الاتحاد والذى ساهم استفتاء بريكسيت فى تأجيجه، وصعود اليمين المتشدد على الساحة السياسية.
***
وإلى جانب طبيعة عملية صناعة السياسات الخارجية فى الاتحاد الأوروبى، تتسبب الأجندات السياسية والأيديولوجية المتباينة فى الحد من فاعلية صناعة القرار داخل المؤسسات. وهذا التعارُض فى الأهداف ينبثق عن الانقسام داخل الاتحاد الأوروبى، ويؤثّر فيه أيضا. وقد حافظت دول أوروبا الغربية، على غرار فرنسا وألمانيا، على التزامها بمواقف الاتحاد الأوروبى وتسعى إلى الإبقاء على حل الدولتَين. أما الدول الواقعة فى أوروبا الشرقية فتبدى دعما أكبر لإسرائيل لأسباب أيديولوجية وجيوسياسية. وتشمل هذه المجموعة أعضاء حلف فيشغراد الذى يضم أربع دول من أوروبا الشرقية والوسطى هى بولندا والمجر والجمهورية التشيكية وسلوفاكيا. واصطفاف مواقف هذه الحكومات فى أوروبا الشرقية والوسطى إلى جانب مواقف الحكومة الإسرائيلية مردّه فى جزءٍ منه إلى صعود أحزاب وسياسات اليمين المتطرف. فقد شكّلت مواقف نتنياهو غير الليبرالية وآراؤه المناهضة للمسلمين وأسلوبه القيادى نموذجا جاذبا للقادة اليمينيين فى أوروبا على غرار رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان.
وطرحت شركات اللوبى الإسرائيلية أيضا تحديا أمام تطبيق سياسة خارجية موحّدة فى الاتحاد الأوروبى. فقد ركّزت الجهود التى بذلتها هذه الشركات على تعزيز علاقات إسرائيل مع دول أوروبا الشرقية والوسطى وتوطيدها بهدف تغيير موقف الاتحاد الأوروبى غير الداعِم لإسرائيل. وهذه الأهداف ليست خافية على أحد. فقد أبدى نتنياهو، قبيل زيارته دول البلطيق فى صيف 2018، اهتمامه بـ«إرساء توازن فى العلاقات بين الاتحاد الأوروبى وإسرائيل، من أجل الحصول على معاملة أكثر نزاهة وصدقية». وكذلك، عبّر نتنياهو، خلال زيارة رئيسة الوزراء الرومانية فيوريكا دانسيلا إلى بلاده فى يناير 2019، عن أمله بأن تبادر رومانيا إلى «[...] التحرك لوقف القرارات السيئة التى يُصدرها الاتحاد الأوروبى ضد إسرائيل، وبالطبع من أجل نقل سفارتكم وسائر السفارات إلى القدس».
وقد بدأت المساعى الإسرائيلية تعود بثمارها. ففى مايو 2018، نجحت المجر والجمهورية التشيكية ورومانيا، بالتنسيق مع إسرائيل، فى منع صدور بيان مشترك عن الاتحاد الأوروبى لإدانة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الذى تمّ فى 14 مايو 2018 تزامنا مع الذكرى السبعين لتأسيس إسرائيل. وكذلك سلّط اعتراف الإدارة الأمريكية بالقدس عاصمة لإسرائيل فى ديسمبر 2017، الضوء على غياب الإجماع فى الاتحاد الأوروبى بشأن مسائل السياسة الخارجية المتعلقة بإسرائيل وفلسطين. ففى حين لم يصوّت أيٌّ من الدول الأعضاء فى الاتحاد ضد القرار الذى اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة فى ديسمبر 2017 ودعت فيه واشنطن إلى سحب اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، امتنعت ست دول فى أوروبا الشرقية عن التصويت بعد تلقّيها تهديدات من المبعوثة الأمريكية السابقة لدى الأمم المتحدة نيكى هالى التى حذّرت تلك الدول من أن الولايات المتحدة «ستتذكر جيدا [التصويت] عندما تقصدنا بلدانٌ كثيرة، وهذا ما يحصل غالبا، كى ندفع لها مزيدا من الأموال ونستخدم نفوذنا تحقيقا لمصالحها». وعلاوةً على ذلك، افتتحت المجر مكتبا تجاريا فى القدس ذا مكانة دبلوماسية فى مارس 2019. وكان هذا القرار بمثابة تحدٍّ للمذكرة الداخلية التى صدرت عن الاتحاد الأوروبى فى الشهر نفسه ودعت الدول الأعضاء إلى «مواصلة احترام الإجماع الدولى بشأن القدس».
تمكّن «الإجماع الهش للدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى»، حتى تاريخه، من الصمود، على الرغم من التكهنات بأن الجمهورية التشيكية ورومانيا قد تعمدان إلى نقل سفارتَيهما إلى القدس. وفى الفترة المقبلة، غالب الظن أن رغبة بوريل فى تعزيز نفوذ الاتحاد الأوروبى ستؤدّى إلى تبنّى مواقف أكثر تصلبا فى مواجهة التحديات للمعايير المعترَف بها دوليا، بما فى ذلك من جانب الولايات المتحدة. ولكن على ضوء الخلافات الراهنة بين الاتحاد الأوروبى وواشنطن ــ التى تتمحور حول جملة أمور منها حملة الضغوط القصوى التى يمارسها ترامب على إيران، والتغير المناخى، والعجوزات التجارية، والإنفاق الدفاعى فى حلف شمال الأطلسى (الناتو) ــ سوف يجد بوريل نفسه مضطرا إلى التفكير مليا فى أولويات السياسة الخارجية. وفيما يُركّز الاتحاد الأوروبى على مأزق بريكسيت والتعاون الداخلى، غالب الظن أنه سيظل يكتفى بالموقف القائم على رد الفعل والتحرك الدبلوماسى خلف الكواليس.

النص الأصلى:من هنا

التعليقات