وأخيرًا.. ستبقين طفلة حتى 18 ربيعًا - وسام أبوبكر باسندوه - بوابة الشروق
الخميس 4 يوليه 2024 5:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وأخيرًا.. ستبقين طفلة حتى 18 ربيعًا

نشر فى : الإثنين 7 أكتوبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 7 أكتوبر 2013 - 8:00 ص

تخرج مظاهرات نسائية تتشح بالسواد، تنظر إليها النظرة الأولى فتعتقد أنها مسيرة تأبين، ربما تحمل نعوشا لفتيات فى عمر الزهور فقدن طفولتهن على مذبح رغبات مرضى تحت مسمى الزواج، أو لعلها نعوشا لسيدات سلمن أرواحهن للبارئ تحت ضغط العنف البدنى والنفسى، أو لعلها مسيرات سوداء ترمز لحالة الظلامية التى تعانيها فتاة حرمت من نور التعليم تحت الضغط، فقط لكونها خُلِقَت امرأة.

يتجه الذهن الطبيعى السليم لأى شيء منطقى إيجابى يعبر عن خروج هؤلاء النسوة تضامنا مع بنات جنسهن المقهورات، وبغض النظر عن وحدة الجنس، ليكن تضامنا يعبر عن حالة إنسانية، عن شعور بشرى طبيعى فى التعاطف مع المقهورين، فكيف إذن وهذا المقهور هو منهن، بناتهن وأخواتهن بل هن شخصيا.

●●●

المفاجأة أن تكتشف أن هذه المظاهرة خرجت للمطالبة بعدم تحديد حد أدنى لسن الزواج، بل تركه على إطلاقه، لتزوج الطفلات والرضع، وإن اتجهت رغبات المرضى لمضاجعة الخدج بعقد زواج فلا ضير، طالما اثبتوا «أنها تصلح للوطء» كما كان يحدد القانون، ولا نفهم كيف يمكن إثبات ذلك ومن يا ترى من سيثبته، ويكأن انتهاك حق طفلة بالحياة وقتل براءتها وسلبها طفولتها يتوقف على هذه النقطة تحديدا.

خرجت هذه المظاهرات بالتزامن أو لنقل ردة فعل على مناقشة لجنة الحقوق والحريات بمؤتمر الحوار الوطنى مقترحا يقضى باعتماد سن الثامنة عشرة كسن قانونية للزواج فى اليمن، وهو ما سيترتب عليه وجود تشريعات قانونية تحمى حقوق الطفلة فى اليمن، أو الصغيرات كما يحلو لهم تسميتهن.

جن الجنون وانطلقت حملات التشويه والتكفير، والتهديد والوعيد، ونسجت الشائعات المكررة ذاتها فى الحديث عن الحرب الكونية على الإسلام، والمؤامرات التى يراد تمريرها عبر الاتفاقيات الدولية لإشاعة الفسق والفجور، فمن وجهة نظرهم المتقوقعة بحدود الجنس فقط فكل الاتفاقيات الدولية الحقوقية تستهدف أمرين زواج المثليين وإباحة الدعارة، وكأن القضية التى يدافعون عنها بتزويج الأطفال تقل إباحية وجرما، بل إن الجرم ذاته الذى يكاد يقترب من ازدراء ديننا الحنيف السمح هو إلصاق هذه الجريمة بقيم الإسلام وهو منه براء.

●●●

وبرغم كل الحرب الشعواء ثبت الأحرار، ونجحت اللجنة فى التصويت بالإجماع على المادتين بعد انسحاب ممثلى حزب الإصلاح وحزب الرشاد السلفى. تختص المادة (21) بتحديد سن الزواج بثمانية عشر عاما لكلا الجنسين، فيما تختص المادة رقم (48) بمعاقبة كل من يخالف ذلك. قُوبِل التصويت بالتصفيق المطول والزغاريد والتهانى فى مشهد مبهج مبكٍ، هو كذلك لأن هناك إنجازا تحقق بالفعل بعد حروب مطولة لأعوام وأعوام حتى ننتزع مثل هذا القرار المتعلق بحق أصيل وطبيعى. مبكٍ لأننا نصل للربع الأخير من العام الثالث عشر بعد الألفية الثانية وما زلنا نتحدث ونناضل من أجل هذه القضية التى تجاوزها الكون حتى فى دول عنوان دستورها الإسلام، ورغم ذلك هناك من لا يزال يستميت دفاعا للإبقاء عليها، معتبرا ذلك انتصارا لقيم الدين والأعراف والأصالة.

أن يكون هناك من لا يزال يدافع عن تزويج الأطفال بعد كل المآسى التى تواجهها آلاف اليمنيات أمر محير، يكفى أن ما خرج للعلن من قصص يمكن عده على أصابع اليد الواحدة، وكان فيها من المآسى ما يشيب الولدان، فكيف الحال بمن يعانين بصمت ويتألمن ويمتن أو يقتلن دون أن يحميهن أو يعرف بقصتهن أحد.

أما الحجج التى يقدمونها فمضحكة حد الألم، فيبدأون بسوق كل مساوئ وخطايا المجتمع الغربى من معاشرة غير شرعية بين المراهقين وحمل خارج إطار الزواج، وحالات اغتصاب الأطفال، وجرائم الانترنت من اتجار بالأطفال ونشر الصور الإباحية، مرورا بعجز الدولة داخليا عن توفير سبل التعليم والصحة الملائمين ومشكلات تأخر سن الزواج، وصولا إلى الأطفال الذين يقضون تحت القصف بالطائرات بدون طيار، ولا نفهم ما علاقة كل هذه الجرائم بمحاولة علاج جريمة أيضا، هل لأن المجتمع الغربى تحدث فيه كل هذه الانتهاكات التى لا يحميها القانون بالمناسبة، نتخلف عن تحديد سن الزواج، وإذا كان فى تزويج الأطفال علاج لمشكلة تأخر سن الزواج، فلم المشكلة منتشرة بعد كل هذه الأعوام من عدم تقنين السن؟ وفق منطقكم فهذا مسوغ إضافى لوضع حد أدنى لسن الزواج، فربما تتزوج الكبيرات إذا ُأغلِق هذا الباب إذن.

أما من يعتبر أن السيدات اللاتى خرجن لرفض القانون مغيبات ويرفضن تحميلهن اللوم، فأقول إن الطفلتين أروى ونجود وغيرهما لم يسبق أن خضعتا لدورات تبصير بالحقوق والحريات، ولم تكونا تعلمان من الحياة شيئا بعد فقط شعرت بآدميتهما، فهناك عروق تجرى فيها دماء الحرية بالفطرة، ورقاب تعشق الاستعباد.

●●●

القضية لم ولن تنتهى، لا يزال هناك الكثير من الجهد لاستصدار القوانين المناسبة ومراقبة تنفيذها، وتفعيلها على الأرض والتطبيق بصرامة تتماشى وحجم الجرم.

 

باحثة وأكاديمية يمنية

وسام أبوبكر باسندوه باحثة واكاديمية يمنية
التعليقات