العرضى أبعد من مجرد مجزرة - وسام أبوبكر باسندوه - بوابة الشروق
الأحد 30 يونيو 2024 5:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العرضى أبعد من مجرد مجزرة

نشر فى : الإثنين 16 ديسمبر 2013 - 9:10 ص | آخر تحديث : الإثنين 16 ديسمبر 2013 - 9:10 ص

شاهد العالم الفيديو الخاص بجريمة مذبحة العرضى، لم أتمكن من مشاهدتها برغم كم الإرسال الذى تلقيته من الأصدقاء الناشطين والمهتمين بدعوتى لمشاهدته. المهم أنى كنت قد تابعت قبل نشر الفيديو الحوارات التى أجريت مع المصابين الناجين من الموت وانغمست باهتمام أدقق فى وصفهم لهول الموقف الذى عايشوه، وروايتهم للأحداث وكيف كان القتلة متعطشين للدماء ولإزهاق أكبر قدر من الأرواح، لا يردعهم فى ذلك كون الضحية مريضا لا حول له ولا قوة، أو طبيبا يؤدى واجبه بلا ذنب. لم تردعهم جنسية الضحايا أو دياناتهم أو جنسهم أو سنهم، الجميع فى نظرهم سواء يستحقون القتل، الجميع عندهم كفرة ولا مكان لهم فى الدنيا أو اﻵخرة.

•••

قبل انتشار الفيديو فكرت كثيرا ليس بجنسية القتلة أو هوياتهم أو من الذى يحركهم ولمصلحة من، ما كان يشغلنى: لماذا؟ ما الذى يوصل إنسان ليتجرد من إنسانيته بهذه الطريقة البشعة، ليقتل بدم بارد أناس لا يعرفهم شخصيا من قبل، ولم يتسببوا له بأى أذى مباشر أو غير مباشر، وبكل هذا القدر من الغل والحقد؟

جاءتنى الإجابة بشكل غير مباشر، حين سمعت فتوى تحريم الترحم على وفاة المناضل الجنوب إفريقى نيلسون مانديلا، والحديث هنا ليس عمن يسمون شيوخ الفضائيات والإنترنت، أو الفتاوى التى يراها البعض متطرفة أو فى أحيان أخرى مثارا للسخرية، لكننا نتحدث عن فتاوى شيوخ لهم اسمهم ووزنهم فى مجال العلم الدينى.

حجتهم فى التحريم استندت لعدة اعتبارات، منها أنه غير مسلم أو كافر ولا يجوز الترحم على غير المسلم، كما أنه برأيهم لم يكن مجاهدا فى سبيل الله وإنما كان يناضل من أجل قضية أخرى، بل اعتبروا هذا الزخم الذى أعطاه العالم لرحيل مانديلا إنما هو بمثابة تقليد للغرب، ولا ندرى ما الإشكالية فى ذلك إذا كان تقليدا محمودا لا يضير فى شىء.

•••

كل ما قيل مردود عليه دينيا فمن جهة الرسول صلوات الله وسلامه عليه ترحم على حاتم الطائى الذى اشتهر بصفة الكرم ولم يكن مسلما، فقط لأنه كان قد اتصف بخلق حميد أحبه الله ورسوله، ثم مانديلا جاهد ودفع عمره ثمنا للدفاع عن قضية كان الإسلام أول من نادى بها وهى تحرير الرق ونبذ التمييز، فكان عتق الرقاب كفارة لكثير من الأمور رغبة فى تعميم الظاهرة، ثم «لا فضل لعربى على عجمى إلا بالتقوى». ثم ألم يكن يناضل فى سبيل وطنه وأمته أو ليست تلك قضية تستحق أن نكون أول من يتبناها، ثم ما الضير أن ننخرط إنسانيا مع العالم ونشاركه أفراحه وأتراحه، لم يريدون أن نعيش فى معزل عن الكوكب؟ تهب عاصفة جوية يروح ضحيتها الأبرياء فى بلد ما، يتضامن معهم العالم كله إلا نحن من يفترض أن نكون أمة الرحمة المهداة للإنسانية، فيشمتون فى مصاب الناس وآلامهم على اعتبار أن عقاب الله هب عليهم.

لم كره العالم والبشر إلى هذا الحد فقط لأنهم يختلفون معنا دينيا أو سياسيا؟ طيب، ما ذنب الأبرياء، ولم نطالب أحرار العالم بالتضامن مع قضايانا وكأنه واجب عليهم، فلنقدم نحن النموذج.

•••

وجدت ضالتى، مهاجموا مستشفى العرضى خريجو هذه المدارس أيا كان من استخدمهم وأيا كانت أهدافهم، هم تلامذة نجباء لمن حشوا عقولهم بأن العالم كله كافر إلا هم، العالم كله عدائى وأنهم الأفضل والأقرب لله، وهم الفئة المختارة المصطفاة المجاهدة، وكل من عداهم أعداء الله.

فتشوا عن قتلة العرضى بين من ينشرون ثقافة الكراهية والانسلاخ عن العالم. ربما لم يفتوا بالقتل بشكل مباشر وربما يستنكرونه حين يقع، لكنهم فى كل درس يعطونه يرسخون للتكفير ونبذ اﻵخر والسخرية والاستهزاء بمعتقداتهم، والدعوة للانسلاخ عن العالم، بالمحصلة النهائية تكون النتيجة الكره ثم التكفير ثم القتل، لنواجه الحقيقة بشجاعة ولا ندفن رءوسنا فى الرمال، وليفتوا بقتلنا أيضا سنلقى الله راضين لأننا عرفناه بحب وعرفنا الناس على ديننا بالحب.

الكثير اليوم ممن يرون أن ما حدث فى العرضى مذبحة وإرهاب كانوا يؤيدون الكثير من هذه الفتاوى، بل يحتجون علينا حين نستنكرها باعتبار أننا ضللنا وهم الثابتون على الحق، اليوم انظروا لأنفسكم بالمرآة، واسألوها ألستم شركاء؟

وسام أبوبكر باسندوه باحثة واكاديمية يمنية
التعليقات