رفقًا بالمساكين - وسام أبوبكر باسندوه - بوابة الشروق
الأحد 30 يونيو 2024 4:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رفقًا بالمساكين

نشر فى : الإثنين 30 ديسمبر 2013 - 8:50 ص | آخر تحديث : الإثنين 30 ديسمبر 2013 - 8:50 ص

حين تحدث أزمة سياسية بين دولتين يحذر العقلاء عادة من أن ينسحب هذا القرار السياسى على حركة انتقال العمالة بين البلدين أو أن يمس المقيمين أو السياح من مواطنى إحدى البلدين ضرر إن أقاموا أو تنقلوا فى البلد الآخر، فى كل الأحوال هم ليسوا أصحاب القرار، حتى وإن كانوا من المؤيدين لقرارات دولتهم، ليس من حسن الخُلق والمروءة التعرض لهم هكذا دون وجه حق فقط لأنهم تواجدوا على أرضنا، تبقى هذه التصرفات هوجاء ومرفوضة فى كل شرع ودين، مرفوضة بمعيار الفطرة الإنسانية.

•••

يزداد الأمر سوء وتعقيدا حين تتكلم عن مواطنى دولة واحدة تنقل الناس بين أقاليمها، واستقروا حيث قدر الله أرزاقهم، ثم يقرر البعض أنه من اليوم لم يعد لهم مكان هنا، ويرهبونهم بشتى أنواع الإرهاب ثم يفاخرون فى مجالسهم وإذاعاتهم بألا أحد من الطرف الآخر يمكنه البقاء أو التحرك على أرضنا كسرناهم وطردناهم، هذا توصيف لجانب مما يحدث فى المناطق الجنوبية اليوم، فضلت الوصف دون استخدام المفردات والتوصيفات المتداولة، لأنها كلها عنصرية طائفية أربأ بنفسى من استخدامها. إخوتى المظلومين المضطهدين على مدى أكثر من عقدين ولازلتم، نقر لكم بذلك، لكن لا شيء يبرر أن يتجه المظلوم ليكون ظالما.

هذا المقال ليس مجالا لاستعراض القضية الجنوبية وتطوراتها، فمن جهة تتفاقم الأزمة فى الشارع فى ظل تعتيم دولى، ومن جهة أخرى يروج البعض أن الأمور فى أحسن حالاتها وتتجه للحل، قد نناقش هذه الجزئيات السياسية فى وقت لاحق، لكن حديثى ها هنا تحديدا عن مفاهيم الاحتلال التى يستخدمها البعض، الأمر الذى يمتد للتعامل مع أبناء القسم الشمالى من الوطن بوصفهم محتلين، وبالتالى يصور الأمر وكأن المقاومين الشجعان يتربصون ببائع الخضار المسكين المنتمى للمناطق الشمالية ومن ثم الهجوم عليه أو خطفه وحتى قتله، ويذاع الخبر فى نشرة أخبارهم بنشوة على اعتبار أنه مستوطن تم الإجهاز عليه، أين نحن؟ أيعقل هذا؟ هذا مثال وحيد، الأمثلة كثر، جلها مفزعة لن أذكر بأن الكثير وربما أكثر بكثير من أبناء المحافظات الجنوبية يعملون ويعيشون من سنوات على الشق الآخر، وقد يكونون محلا للاستهداف والعمليات الثأرية، لن أتحدث فى ذلك لأنه حتى ولو لم يتواجدوا على الطرف الآخر، وحتى لو لن يحدث أى انتقام، يا بنى آدم، يا مؤمن.. بأى ذنب تقاتل هذا الشقى، هل هو من اغتصب بيتك؟ هل هو من عاملك كمواطن من الدرجة الثانية، هل هو فى عرف من ظلمك له قيمة أصلا حتى ينال عقابك، كلاكما مظلومان مرتان ومن ذات الجهات، من ظلمك ومص دمك ومقدرات وطنك لينعم فعل ذلك معه أيضا، ومن جهة أخرى عبأه عنصريا ضدك، كما هناك من يفعل معك أيضا، كلاكما مستغلان بشكل أو بآخر تقاتلون فى معركة ليست معركتكما وكالة عن آخرين منتفعين، لو كان هذا الذى تصفونه بالمستوطن له حول أو قوة لما وجدته لقمة سائغة فى الشارع، لا حرس ولا مال ولا منصب، لولا العوز والحاجة لما فارق أرضه وأهله وخرج يطلب الله فى أى مكان، ثم تفاخر أنت اليوم بأنك أرهبته.

•••

أما الأحاديث العنصرية عن التفتيش فى أصول الناس وأعراقهم فحدث ولا حرج، فهذا من مواطنى ما قبل 90، وهذا أصوله من المناطق الشمالية يطلقون عليهم مزاحا عرب 48، أى أنهم يعودون لأصول شمالية، وهذا أمه قدمت من البلد الفلانية، من أنتم؟ لا والله نسيبلكم البلد ثلاثة أربعة تقررون مصيرها، وتستبعدون من تشاءون لأنهم ليسوا على هواكم، وأين ستجدون هذا العرق المصفى، أستقيمون جمهوريتكم النازية لأبناء العرق الآرى فقط؟

القضية التى تدخلها العنصرية والظلم تجب ما تعرض لها أبناؤها من مظلومية وهى محقة كلنا عانيناها، وسيبقى يعانيها كل من يقول كلمة الحق، كل من هو ليس عنصريا، كل من هو ليس نفعيا، كل من يدافع عن القضية لأنه مؤمن بها لا متاجر بها، وسيبقى مرفوضا من الجميع، يرضى عنه هذا اليوم ويلفظه غدا، لا تهتم ليس من المهم رضاء أحد عنك، المهم إرضاء ضميرك وإنسانيتك. أما الحلم الذى يروجه البعض ويسوقه للمضطهدين المساكين على مدى أعوام بأن قاتلوا وقدموا دماءكم دفاعا عنا وسنعود لنقيم لكم جمهورية الحلم سيصبح وطننا سلطنة بروناى الغارقة فى الثروات، أو إحدى الإمارات الغنية. وليخبرونا إذن لماذا لم يقيموها على مدى أعوام طويلة استولوا فيها على كل شيء، وسيطروا على كل مقدرات البلاد والعباد بقبضة حديدية، فظلوا يتنقلون من قتال لآخر، وهكذا سيبقى الحال غدا تذكروا جيدا، ولا تكن ذاكرتكم ضعيفة.

المجتمعات التى تتداخل اليوم وتتعايش وتلفظ العنصرية تتجه للأمام، والمجتمعات التى تلفظ بعضها، وتريد التقسيم على أسس عرقية ستتناحر وتتقاتل وستبقى تتناحر وتتقاتل ولن تبنى أوطانا، سيتجهون غدا لقتال بعضهم على نفس الأسس، هناك قضية محقة نعم هناك مآس ومجازر وإقصاء تعرضتم له لا يجادل فى ذلك منصف، هناك اتجاه للملمة القضية دون عدالة، هذه حقيقة. لكن كل ذلك لن يجعلنا نكون عنصريين وإقصائيين ولن يحولنا لقتلة، أو مرتزقة نقاتل بالوكالة لمن يريدنا أن نموت نيابة عنه.

وسام أبوبكر باسندوه باحثة واكاديمية يمنية
التعليقات