نشر مركز كارنيجى مقالا للكاتبة ريهام عودة، شرحت فيه أبرز التحديات التى يشكلها بناء المستوطنات فى الضفة الغربية على إنشاء دولة فلسطينية مستقلة؛ تمثلت التحديات فى تقطيع أوصال الدولة الفلسطينية، تهديد السلم الأمنى، الحرمان من مصادر المياه، وإعاقة التنمية الزراعية، مما يجعل من الصعب جدا تأسيس دولة قوية ذات سيادة... نعرض من المقال ما يلى:تستخدم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة المستوطنات أداة للحئول دون حل الدولتين عبر مصادقاتها المستمرة لمخططات توسيع الاستيطان بالضفة الغربية، ما يُشكل عقبة كبيرة أمام الشعب الفلسطينى لتأسيس دولة مستقلة ذات سيادة على حدود عام 1967. تمثل التحديات التالية، التى سببها الاستيطان، أبرز المعيقات لتأسيس دولة فلسطينية:
خرق السيادة الفلسطينية وتقطيع أوصال الدولة
بلغ عدد المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية حتى عام 2022، 199 مستوطنة، إضافة إلى وجود 220 بؤرة استيطانية أخرى، وتبلغ مساحة المستوطنات الإسرائيلية حتى العام 2021، نحو 201.1 كم مربع أى 3.6 فى المائة من مساحة الضفة الغربية، فيما تبلغ المساحة التى تخضع للتصنيف الإسرائيلى، تحت مسمى مناطق نفوذ المستوطنات نحو 542 كم مربع أى 9.6 فى المائة من أراضى الضفة الغربية.
استيلاء المستوطنات، والبؤر الاستيطانية الإسرائيلية على هذه المساحات الجغرافية الفلسطينية يُشكل تهديدا أساسيا للسيادة الفلسطينية، لأن هذه المستوطنات تُقَطع أرجاء الدولة فلسطينية المستقبلية، وتحد من تطورها العمرانى، فقد قسم الجدار الإسرائيلى العازل الذى يحمى المستوطنات وشبكة الطرق الخاصة بالمستوطنات الإسرائيلية الضفة الغربية إلى ثلاث كتل سكانية فلسطينية كبرى؛ الشمال وتضم نابلس وجنين وطولكرم، والوسط رام الله والبيرة، والجنوب وتشمل الخليل وبيت لحم، وتم أيضا تقسيم هذه الكتل الثلاث إلى ست كنتونات، مع تجزئة الكنتونات إلى نحو 68 معزلا، تقع جميعها تحت سيطرة الجيش الإسرائيلى، هذا يمنع التواصل العمرانى الجنوبى لمحافظة رام الله والبيرة والتواصل الشمالى لمحافظة بيت لحم، الأمر الذى يشكل خرقا كاملا للسيادة الفلسطينية، ويمنع تأسيس دولة فلسطينية تتمتع بالحد الأدنى من الاستقلال الجغرافى.
التوتر الأمنى وتهديد السلم الأهلى
مع انتشار قوات الأمن الإسرائيلية فى الضفة الغربية، تحت ذريعة حماية المستوطنات الإسرائيلية، واستمرار استفزازات المستوطنين الإسرائيليين للشعب الفلسطينى، الأمر الذى سيؤدى إلى استمرار تبادل إطلاق النار بين الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى، سيكون من الصعب جدا تأسيس دولة فلسطينية مستقرة أمنيا، ينعم سكانها بالأمن والسلام.
تُشكل اعتداءات المستوطنين تهديدا جديا للسلم الأهلى الفلسطينى، فعلى سبيل المثال حتى عام 2020 نفذ المستوطنون نحو 127 اقتحاما للقرى والبلدات الفلسطينية، وكتب هؤلاء المستوطنون شعارات عنصرية ضد العرب على نحو 137 مركبة فلسطينية. كما يُعد الاستيطان الإسرائيلى عائقا أمام قوات الأمن الفلسطينية، لملاحقة مرتكبى الجرائم بسبب اختبائهم فى المناطق المحيطة بالمستوطنات الإسرائيلية، التى لا تخضع لسيطرة قوات الأمن الفلسطينية، ما يهدد حالة السلم الأهلى ويضعف أمن الدولة الفلسطينية المستقبلية. لا يمكن تحقيق استقرار أمنى، أو سلم أهلى فى ظل وجود قوات أمنية أجنبية تخترق كيان هذه الدولة، وفى ظل اعتداء مجموعات أجنبية على مواطنيها ومواطناتها.
حرمان الدولة من مصادر المياه
تسيطر إسرائيل على المياه السطحية الفلسطينية مثل مياه نهر الأردن ومياه البحر الميت، فلم يتبق للفلسطينيين والفلسطينيات سوى الاعتماد على مياه الآبار الجوفية، ومع ذلك استولت المستوطنات الإسرائيلية على جزء كبير من المياه الجوفية الفلسطينية، حيث تقع نحو 70 فى المائة من المستوطنات الإسرائيلية على حوض الخزان الشرقى فى الضفة الغربية، و45 فى المائة من مجموع المستوطنات تقع على مناطق حساسة جدا بالنسبة لتغذية الخزان الجوفى الجبلى فى الضفة الغربية. كما تستهلك المستوطنات الإسرائيلية التى يقطنها نحو أربعمائة ألف مستوطن نحو 32 فى المائة من المياه الجوفية، فيما أن حصة الفلسطينيين والفلسطينيات من هذه المياه، البالغ عددهم نحو 3.7 مليون نسمة لا تزيد على 18 فى المائة.
فى ظل استمرار سيطرة المستوطنات الإسرائيلية على مصادر المياه الجوفية فى الضفة الغربية سيكون من المستحيل تأسيس دولة فلسطينية تتمتع بالنفوذ والموارد لتلبية احتياجات شعبها من مياه الشرب والرى.
إعاقة التنمية الزراعية
يُعد القطاع الزراعى من أهم الموارد الاقتصادية للشعب الفلسطينى، ولكن لا تتحقق تنمية زراعية مع وجود اعتداءات وحملات تجريف وقلع أشجار الأراضى الزراعية فى الضفة الغربية، حيث رصد خلال عام 2020 نحو 75 اعتداء من قبل المستوطنين على أراض زراعية فلسطينية، نجم عنه اقتلاع وإلحاق الضرر بـ6507 أشجار زيتون وكرمة عنب. وتسيطر المستوطنات الإسرائيلية على مساحات شاسعة من الأرضى الزراعية الخضراء التابعة للضفة الغربية، وبسبب الطرق الالتفافية والجدار الإسرائيلى العازل، يعجز عدد كبير من المزارعين الفلسطينيين من الوصول لأراضيهم للزراعة وحصد المحاصيل، وهذا يجعل الدولة الفلسطينية المستقبلية دولة عاجزة عن تحقيق أى تنمية زراعية أو تطوير لاقتصادها الأخضر.
خلاصة
يُعد حل الدولتين، بمعنى أن تؤسس دولة فلسطينية بجوار دولة إسرائيل، من أنجع الحلول السلمية لإنهاء الصراع الإسرائيلى ــ الفلسطينى ولتحقيق السلام فى الشرق الأوسط، وهو الحل الذى طُرح فى بنود اتفاقية أوسلو، وبناء على رغبة الشعب الفلسطينى بالاستقلال والسيادة، ووفقا لقرار الأمم المتحدة رقم 242، الذى يدعو إلى احترام سيادة وحدة أراضى كل دولة فى المنطقة، ويطالب الجانب الإسرائيلى بالانسحاب من أراض عام 1967.
النص الأصلى: