سياسة الملح على الجرح - وسام أبوبكر باسندوه - بوابة الشروق
الخميس 4 يوليه 2024 6:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سياسة الملح على الجرح

نشر فى : الإثنين 11 فبراير 2013 - 9:25 ص | آخر تحديث : الإثنين 11 فبراير 2013 - 9:25 ص

حين يصبح مصطلح « الأزمة» هو اللفظ الرسمى المعتمد للثورة، وهو الأمر الذى لم يتكرر سوى فى الثورة اليمنية، ما يعنى أن النظام الذى يعتبر نفسه ممثلا للثورة يلتقى ورموز النظام السابق وإعلامه فى هذا التوصيف، فهذا يعكس حجم المسافة التى تباعد بين هذه الرموز والشارع الثورى الحقيقى، كما يعكس التقارب بين النظامين أيضا، حجم الالتقاء بين أصحاب الشعور البيضاء وما تعكسه من التقاء لعقلياتهم وسياساتهم الرجعية، وهى ما يسعى أصحاب الشعور السوداء المتطلعة للمستقبل لتجاوزها.

 

•••

 

من هنا لم يكن الكشف عن واقعة فساد جديدة بالصادم للشارع الثورى والمجتمع اليمنى، الذى لايزال يتذكر هذه الوجوه، وبصمات أياديهم المحفورة فى ملف الفساد. لكن هذه الوقائع وإن لم تكن صادمة لكنها بأمانة محبطة ومفرطة فى الجرم، كونها أتت بعد ثورة وانتفاضة شعبية. ألم يستطع أساطين الفساد أن يصبروا قليلا حتى تمسح الذاكرة أو يتجاوز الوطن محنته الطاحنة، هل يعقل أن يبلغ التجرد من الإنسانية حد الاتجار بآلام ومصاب من أوصلوهم بجراحهم وتضحياتهم لكراسى المناصب والتنفذ؟ الإجابة ببساطة نعم حدث هذا فى اليمن وأكثر.

 

أبشع هذه الفضائح ما كشف عنه النقاب مؤخرا من تلاعب بالأموال المخصصة لعلاج جرحى الثورة، حيث اتضح تخصيص مبلغ يقدر بمليارين و248 مليون ريال من قبل وزير المالية لصالح مؤسسة محسوبة على أحد الأحزاب الكبرى فى تكتل اللقاء المشترك إن لم يكن الأكبر والأكثر فاعلية فى الدولة حاليا. وحتى الكشف عن الواقعة لم يحصل الجرحى على أية تعويضات، كما سبق أن صدر الحكم لصالحهم من قبل المحكمة الإدارية بتاريخ 14/11/2012م،  والذى قضى بإلزام الحكومة بمعالجة الجرحى فى الخارج على نفقة الدولة، وهو حكم واجب النفاذ كونه تحصن من الطعن وصدرت توجيهات صريحة من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بتنفيذه وهو ما لم يتم.

 

مر أكثر من أسبوع والجرحى معتصمون أمام رئاسة الوزراء منفذين إضرابا عن الطعام، بهدف التأثير على المسئولين ولفت الرأى العام المحلى والدولى لقضيتهم وأوضاعهم الإنسانية الأليمة، وقد انضم إليهم العديد من الرموز والقوى الثورية، ومن فرط الظروف السيئة التى يعانونها، فقد أصيب العديد من المضربين بحالات إعياء وإغماء توجب معها نقلهم للمستشفيات، بل ووفاة أحد المعتصمين، كما أقدم أحد المتضامنين على إحراق نفسه أمام مقر الحكومة، وهو ما لم يغطَ إعلاميا بالشكل المناسب، وكأن كل شىء فى اليمن خارج الاهتمام المحلى والعربى والعالمى، فقط التحركات المتعلقة بالأمن والمبادرة، أما ما يمس المواطن اليمنى، فخارج الحسابات ولا يحظى بأى قيمة.

 

وكيف لا، إذا كانت كل هذه المأساة لم تحرك الضمائر الرسمية المسئولة للتعامل مع القضية بما يلزم، بل على العكس وجهت التهديدات للمعتصمين بضرورة فض الاعتصام ملوحين باستخدام القوة.

 

•••

 

يتبنى المسئولون وجهة نظر تتهم الزمرة السابقة بتأجيج هذا الملف، وهنا لا يمكن إنكار حقيقة أن الزمرة السابقة بالفعل تلقفت القضية وانكفأت تعمل عليها وتروج لها، للاقتصاص من حكومة الوفاق وإظهار عجزها وفشلها بل وفسادها أيضا، حتى إن الرئيس السابق تبنى هذا الملف شخصيا وقدم عرضا بعلاج الجرحى على نفقته، وهو أمر يدمى القلب بأن يوصلنا مسئولو ما بعد الثورة لهذا الحد من الإهانة والمذلة، للدرجة التى تتيح للجلاد التندر بمصابات ضحاياه، وعلى أية حال فقد قوبل العرض برمته بالرفض، فلا يزايدن أحد إذن على الثوار، أو يحاول أن ينسب فشله وفساده بالتحجج بالنظام السابق.

 

لم تكن هذه الفضيحة هى الأولى فيما يتعلق بالفساد فى ملف الجرحى، فقد سبق ذلك الكثير من القرائن بأن هناك اتجارا واضحا بالقضية وجمع العديد من التبرعات الدولية باسم الجرحى دون أن يتسلموا منها شيئا، أو حتى ينالوا أبسط مطلب إنسانى ينبغى أن يناله كل مواطن يمنى وهو الحق فى العلاج، فما بالك وهؤلاء من ضحوا من أجل الوطن.

 

•••

 

المسافة والفوارق تزداد بين من خرج مناديا بالثورة والتغيير، وبين من انضم إليها لجنى الأرباح، ولن يفلحوا. فإما أن يفيق ما تبقى من مسئولين وطنيين وينتفضوا أو سيلصق بهم الخزى والعار ما بقى من تاريخهم، أما الثورة فستبقى مستمرة وفيها هذا النموذج الواعد من شبابنا وشاباتنا.. الرهان عليهم وسيربحوه عاجلا وليس آجلا

وسام أبوبكر باسندوه باحثة واكاديمية يمنية
التعليقات