تأملات فى عبدة الأصنام - وسام أبوبكر باسندوه - بوابة الشروق
الخميس 4 يوليه 2024 6:33 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تأملات فى عبدة الأصنام

نشر فى : الأربعاء 13 يوليه 2011 - 9:11 ص | آخر تحديث : الأربعاء 13 يوليه 2011 - 9:11 ص

 عندما يتحدث معارضو النظام أو الثوار فإن حديثهم ينصب على الوطن وقضاياه كما أن حججهم وانتقاداتهم تتعلق بالأزمات التى وصلت إليها البلاد، والتى هى فى جزئها الأكبر صنيعة النظام. فى حين لا يتحدث أنصار النظام عن الوطن ومستقبله أبدا بمعزل عن على صالح، فهم يختزلون الوطن والوطنية فى الانتماء والولاء لهذا الرجل والبراء مما سواه.

ويمكن تقسيم مؤيدى صالح إلى ثلاث فئات، الفئة الأولى وهى شريحة المنتفعين الذين ترتبط مصالحهم بوجود صالح، وبالتالى فإن كل مايقولونه أو يفعلونه هو لخدمة مصالحهم بالأساس. والفئة الثانية تمثلها الشرائح مسبقة الدفع، التى لا تتحرك أو تتكلم أو تدافع عن النظام إلا بعد قبض الثمن. أما الفئة الثالثة فهى الفئة المستعصية، والتى عملت أجهزة النظام طوال عقود على تلويث عقولهم بملوثات ومهلوسات بحاجة إلى ماء البحر لتطهيرها، فهم يرون فى صالح القائد الملهم وفارس العروبة والمهدى المنتظر والمسيح المخلص، فى حين تجد حال الواحد منهم يدمى القلب، فهو أشعث أغبر، لا يكاد يجد قوت يومه، ولم يحصل على أبسط حقوقه فى الحياة والوطن، ومع ذلك قلبه معلق بين أصابع صالح، وهذه الفئة هى بالأساس ضحية النظام، الذى سخر أجهزة الدولة لإفساد وعى الناس، فالمناهج التربوية رسخت صورة القائد الرمز الملهم، والتلفزيون الرسمى لم يفرط فى أغنية من أغانى الحب والغرام وذكر المحاسن والكرامات إلا وأسقطها على صور صالح وبثها صباح مساء، حتى بات العامة فى اليمن على قناعة بأن الفنانون العرب يتشاركون معهم فى عشق صالح، وأنهم من أهداه هذه الأغانى.

تجاوز النظام وأجهزته أكثر فى وصف رئيسه القائد فهو لم يعد الملهم والمعشوق فحسب، بل بدأت عملية ممنهجة للحديث عن كرامات الرجل، حتى على لسان صالح نفسه فى إحدى خطبه التى عير فيها معارضيه،بأن الله بدأ عقابه لهم وابتلاءهم الواحد تلو الآخر، فهذا ابتلى بالمرض وذاك ابتلاه الله بفقد عزيز، وكأننا فى حضرة شيخ طريقة وليس رئيس دولة. وبعد محاولة الاغتيال الأخيرة التى تعرض لها صالح انتعش الحديث عن الكرامات مجددا، وبرأيهم كل الآيات القرآنية التى اختص الله بها أنبيائه تنطبق على صالح، فأسقطت كل الآيات المتعلقة بنجاة سيدنا موسى من فرعون وقومه، وآيات نجاة سيدنا إبراهيم من نار النمرود على نجاة صالح من حادثة الاغتيال، فى حين أن أى عاقل يعلم جيدا من هو فرعون اليمن ومن نمروده.

وأخيرا وصل التمادى والتجاوز منتهاه فى إسقاط الأناشيد والتراتيل الخاصة بوصف وتعظيم الذات الإلهية على كليبات صور صالح، دون أن يجدوا فى ذلك غضاضة، ولا ندرى أهو بحكم التعود أم القناعة. وقد يقدم النظام تبريراته بهذا الصدد فى أن هذا التجاوز غير مقصود أو أنه فسر خطأ، وأن كل ما قصده أن صالح محفوظ بعناية الله، أكاذيب لم تعد تنطلى على أحد، فالنظام يتعمد رفع الرجل فى أذهان العامة إلى هذه الدرجة، حتى بات وجه أحدهم يحمر ويصفر إذا انتقد صالح وسياساته أمامهم ويستغفر الله مرارا وتكرارا، دون أن نفهم لماذا؟ الآن فقط فهمنا.
إن لم يكن لهذا النظام من جريمة سوى تضليل الناس وإفهامهم أن صالح لم يكن مجرد موظف دولة بدرجة رئيس وإنما هو أكبر من ذلك بكثير، وتحويلهم إلى عبدة أصنام لكفته هذه الجريمة ليلعنه التاريخ.

وسام أبوبكر باسندوه باحثة واكاديمية يمنية
التعليقات