لعل أبو السعود الإبيارى هو المؤلف الأشهر فى اقتباس القصص الأجنبية وتحويلها إلى أفلام مصرية، وللحق فإن الكاتب كان يمارس هذا العمل بطريقة «التناتيش»، بمعنى أنه لا يقتبس العمل كاملاً وإنما تجد الفيلم الواحد عبارة عن مجموعة من الاقتباسات من روايات أو مسرحيات أجنبية، باعتبار أن الفطرة الخصبة للكاتب كانت تعنى الاقتباس عن نصوص أدبية أكثر منها أفلام، ونجد هذا بشكل ملحوظ فى فيلم «البنى آدم» إخراج نيازى مصطفى عام 1945، فالفكرة الأساسية فى الفيلم حول أن الحياة تدب فى عدد من الحمير يتحولون إلى بشر، ويعانون كثيرًا من أن أخلاق الحيوانات أنبل وأرقى من أخلاق الإنسان، لكن الفكرة الأساسية الثانية هى مسألة الميراث، فهذا الفيلم يعد عملاً أول من أفلام تدور حول شخص بسيط يعمل فى وظيفة متواضعة لدى صاحب مهنة جشع للغاية، هذا الرجل الأخير يعلم أن الرجل الذى يعمل لديه قد ورث مبلغًا كبيرًا من المال، فيسعى إلى استغلاله، ويوقع معه عقدًا لاحتكاره شرط أن لا يغادره إلا إذا دفع مبلغًا كبيرًا، باعتبار أن العامل الفقير لا يعرف أن الثروة تنتظره، هذه الفكرة استغلها أبو السعود الإبيارى نفسه وغيره فى أكثر من فيلم فيما بعد، منها فيلم «حسن ومرقص وكوهين»، و«المليونير الفقير»، و«تعالى سلم»، فى كل هذه الأعمال فإن أصحاب العمل يبتزون العامل الأجير، لكن فى فيلم «البنى آدم» فإننا أمام أربعة من الحمير تحولوا إلى بشر بسبب دعاء فى إحدى الليالى المقدسة، أى أننا أمام أربع قصص، وأربعة أشخاص يريد كل منهم التخلص من سطوة صاحب العمل الذى يطلب منهم أربعين ألف جنيه مقابل التخلص من العقد الموقع فيما بينهم، لقد استفاد المؤلف من هذه الحبكة عبر تلك الأفلام، وأعتقد أن أى مشاهد محترف سوف يتذكر تلك الأفلام بالتفصيل، ففى فيلم «تعالى سلم» فإن فريد الأطرش الفقير يحب ابنة صاحب المقهى الذى يعمل به، علمًا أن النص الفرنسى الأصل يحمل اسم «المقهى الصغير» تأليف تريستيان برنارد، وفى فيلم «المليونير الفقير» فإن هناك فلاحًا بسيطًا يتم نشل أمواله، وينزل فى فندق بمنطقة رمسيس، ويبتزه صاحب العمل بعد أن عرف بأمر الميراث الكبير، وفى كل هذه الأفلام فإن الحب هو الذى ينقذ الموقف، مثلما حدث فى فيلم اليوم، حيث يتغير موقف إبراهيم بعد أن دبر مؤامرة للاستيلاء على النقود، من أجل حبه لأمينة فإنه يتحول إلى الجانب الطيب ويساعد تلك الحمير فى العودة إلى طبيعتهم الأولى بعد أن استجابت السماء لهم ليلة النصف من شعبان، هكذا كان المؤلف يدير أفكاره، ويقوم بعمل كسوة جديدة لها من فيلم إلى آخر، المهم العثور عليها، وقد ظل الإبيارى يفعل ذلك فى أغلب أعماله، فكم كتب نفس الفكرة مرتين وأكثر، ويتطلب هذا من الباحث السينمائى مشاهدة جميع الأفلام التى كتبها المؤلف. فمن الملاحظ هنا أن الإبيارى قد تعاون مع إسماعيل ياسين الذى صار فيما بعد ممثله المفضل فى السينما والمسرح، وفيما بعد زادت العلاقة قوة بين الاثنين، فإسماعيل ياسين هو بطل فيلم «المليونير الفقير»، كما أنه أحد أبطال فيلم «البنى آدم»، وقد ظهر أيضا فى فيلم «تعالى سلم»، كما أن سامية جمال ظهرت كبطلة لاثنين من هذه الأفلام، وقد حول الإبيارى تلك الفكرة إلى مسرحيات أكثر من مرة، وليعلم القارئ أن خريطة السينما لم يتم التعرف عليها كما يجب، وأن الدارسين للنقد السينمائى أو لتاريخ السينما ليس لديهم أدوات المقارنة، بما يعنى أن ما نقدمه فى كتابتنا لن يتاح أبدًا مثيل له فى تاريخ الكتابة عن هذه السينما.