فاتورة الظلام - وسام أبوبكر باسندوه - بوابة الشروق
الخميس 4 يوليه 2024 6:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فاتورة الظلام

نشر فى : الإثنين 14 أكتوبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 14 أكتوبر 2013 - 8:00 ص

الصورة العامة فى اليمن باتت أشبه بلوحة سريالية يرى متأملها خطوطا معقدة وألوانا متداخلة لايكاد يُفهم منها شىء. يُوهِمنا المتخصصون بأنهم يفهمون اللوحة جيدا ويقرأونها بعناية، ويبدأون فى التنظير والتحليل وعرض التصورات فى قرائه كل خط وكل قطرة لون، مدعين أنهم يفكون ألغازها عن خبرة ودراسة، بينما يبقى المعنى دفينا فى نفس مبدعها، وحده من يستطيع وصف الحالة وفك الطلاسم، هذا إن أراد، لكنه فى الغالب ُيعجب بكل هذا التحليل، الذى لم يكن يقصده حين مسك فرشاته وانفرد بلوحته، وبما أنه ليس مضطرا لإفساد كل هذه الهالة، فلم إذن يصدح بالحقيقة! دعهم يحللون ويفسرون ويتساءلون.

●●●

هذا حال اليمن، شعب عجز عن مراقبة أى شىء، لأنه يغرق فى الظلام، الذى كان لساعات ثم امتد لأيام، انقطاع شبه كامل للكهرباء وهو مضطر للتعايش مع ذلك، وفى ظل هذا الظلام يسمع عن انطلاق حملات مطلوب منه التوقيع عليها، واحدة للتمديد للرئيس بن هادى الذى تنتهى ولايته فى فبراير 2014، وكما يبدو هناك اتجاه دولى لدعم عملية التمديد هذه.

وبين الكواليس تنطلق شائعة مفادها أن المؤتمر الشعبى العام، حزب الرئيس السابق على عبدالله صالح يتجه للدفع بحملة مماثلة، لترشيح نجله الأكبر العميد «أحمد» قائد الحرس الجمهورى والقوات الخاصة سابقا، والسفير المفوض فوق العادة للجمهورية اليمنية لدى دولة الامارات العربية المتحدة حاليا، يبقى الموضوع مجرد شائعة وكل ما يثار حوله يدور فى إطار التكهنات، لكنها بالقطع ليست شائعة بريئة، ربما هى كارت إنذار بأنهم لن يقبلوا بالتمديد، أو لعلهم يريدون التذكير بوجودهم، فى حال سولت النفس الأمارة بالسوء لأحد ما بالتفكير فى الاقتراب من بند الحصانة سواء بالجرح أو التعديل.

أيا كان الوضع يبقى أحمد صالح مواطنا يمنيا ومن حقه الترشح للرئاسة، اعتراضنا فى السابق لم يكن على شخصه، وانما لكونه نجل الرئيس، وبالتالى فى ذلك جور على حق الآخرين بالحصول على فرص متكافئة، أما ما ُيقال عن جرائم وانتهاكات لم يحاسب عليها وتحميله جريرة كل المرحلة السابقة، باعتباره كان عمودا من أعمدة النظام، فالنقد هنا يبقى شخصيا لا موضوعيا، فإذا كان تم الارتضاء ببند الحصانة سواء علنيا من خلال التفاعل مع العملية السياسية، أو ضمنيا بالاكتفاء بدور المتفرج، فيعنى ألا تعود لتفتح هذا الملف فقط حين تقتضى مصلحتك ذلك، كان من الأجدر ألا تقبل به من الأساس سفيرا فوق العادة، كما هو من الأجدر أن تنسف كل العملية السياسية اليوم وتعود لنقطة الصفر وتعلن بطلان كل ما تم بالتوازى مع الاعتراض على ترشيح أحمد، إن استطعت.

وأما الحديث عن كونه عمودا رئيسا من أعمدة النظام السابق، فالسؤال هو متى دُكّت أصلا؟ من الرئيس اليوم، ومن الذين حوله، ومن ومن؟ أوليسوا أعمدة النظام السابق؟ ربما تكون مشكلتك فقط مع أسره ولعداء شخصى فهذا أمر آخر، لا يعنى الوطن فى شىء.

إن استطاع أحمد أو نظام أبيه، أو حلفاء نظام أبيه بالأمس أعداء اليوم، كسب ود الشعب، فهو دليل عجز الآخرين، نعم نعترف بأنهم فقط ودون غيرهم من لايزالون يملكون أدوات القوة التقليدية، لكن كونهم قادرين ليس خطأهم بل خطأ العاجزين.

هذا ليس تصريحا برأيى الشخصى تجاه أى الحملتين، وإنما هى محاولة لتفنيد آراء هؤلاء الذين امتهنوا سياسة الكيل بمكيالين، فيتشدقون بأقصى درجات المثالية، بينما يقطرون ميكافيلية.

●●●

المشكلة أن المواطن اليمنى لن يستطيع التوقيع لا على هذه الوثيقة ولا تلك، لأنه يعيش فى الظلام، ظلام الأمية التى تجعله عاجزا عن التوقيع أصلا، فقد يخلط بين الوثيقتين، أو ربما يكون عرضة للتضليل من قبل من يقرأون ويكتبون ويصوغون ويبيعون ويشترون، أو لعله يعجز عن التوقيع لأنه لا يرى فى الظلام، بلا كهرباء ولا ماء، أو ربما لن يرى بسبب ظلام معدته الخاوية فى ظل الفقر والجوع وغلاء الأسعار.

فكروا فى حل لكل ذلك قبل أن تتجهوا له متوددين لكى يوقع وثائقكم، فالمواطن اليمنى يبقى وحده من يسدد فواتير ظلامكم.

وإلى مشهد سريالى آخر.

 

باحثة وأكاديمية يمنية

وسام أبوبكر باسندوه باحثة واكاديمية يمنية
التعليقات