على خطى تشيلى - وسام أبوبكر باسندوه - بوابة الشروق
الخميس 4 يوليه 2024 5:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

على خطى تشيلى

نشر فى : الإثنين 15 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 15 أبريل 2013 - 8:00 ص

وكان الموعد مساء الأربعاء الموافق العاشر من أبريل ٢٠١٣، الموعد الذى أنهى سيطرة ألوية الأسرة الحمراء على الجيش اليمنى، حيث أصدر الرئيس عبدربه منصور هادى مجموعة من القرارات فحواها استبعاد أعمدة وأركان النظام السابق من مفاصل الجيش، وهو ما كان يشار إليه بالهيكلة، تمهيدا لإعادة بناء قوات مسلحة يمنية على أساس وطنى.

 

أجمل ما فى هذه القرارات أنها لم تقتصر على صالح وأسرته، بل شملت آخرين من رموز النظام السابق، حتى وإن كان منهم من ُوصِف بمساندة ودعم الثورة، كما هو حال رئيس الفرقة الأولى مدرع على محسن الأحمر، وبهذا أُسقِطَت عن هذه القرارات أى شبهة بالانتقام أو المحاباة. وبالمقابل أسوأ ما فيها أن المستبعدين وبرغم تورطهم بالعديد من الحروب والانتهاكات خلال العهد البائد، جرى تكريمهم ووضعهم فى مناصب مرموقة، فوزعوا بين السفارات اليمنية واللجان الاستشارية، بينما كان الثوار يطالبون بالمحاسبة والقصاص، أو على أقل تقدير فتح الملفات وكشف الجرائم، حتى يكون لدينا أرشيف وطنى شفاف نعلم من خلاله أخطاء المرحلة السابقة وتجاوزاتها، وينال كل ذى حق حقه.

 

●●●

 

 

يقترب النموذج اليمنى أكثر وأكثر من التجربة التشيلية من عدة أوجه، أولها: العلاقة بين النظام السابق والمعارضة التى يمثلها جناح الثورة بمختلف أطيافه، هذه العلاقة المعقدة التى توصل فيها الطرفان لقناعة بأنه لا يمكن لأحدهما إلغاء الآخر، وأن أى محاولة بهذا الصدد سُتدخِل البلاد فى حرب دموية طاحنة. ثانيا: من حيث استمرار الديكتاتور التشيلى «بينوشيه» مسيطرا على مقاليد الأجهزة الأمنية والعسكرية، حتى بعد التغيير الذى أقصاه من رأس السلطة بانتخابات ديمقراطية قال له الشعب فيها لا، بينما فى اليمن توقف الأمر على حدود استفتاء، قال الشعب اليمنى فيه للرئيس بن هادى نعم بأغلبية كاسحة، وهو مشهد ُيفهَم منه بوضوح الرغبة الشعبية فى التغيير والانتقال بسلمية. ثالثا: من حيث دور التيار المدنى والاجتماعى والدينى الذى دعم التغيير بسلمية دون إراقة دماء فى تشيلى، وهو الدور ذاته الذى لعبته هذه القوى إلى حد كبير فى اليمن، مهما كانت تحفظاتنا على أجنداتهم الخاصة فى ذلك، إلا أن هذا لا ينفى أنه موجود. وأخيرا: من حيث صدور قانون الحصانة لصالح وزمرته وهو يقترب كثيرا من قانون العفو الذى أصدره بينوشيه لينجو بنفسه عام ١٩٨٦، إلا أن هذا لم يساعده، فبعد سنوات قليلة تشكلت بأمر رئاسى عام 1990 اللجنة الوطنية للحقيقة والمصالحة، وكان جوهر مهامها تحقيق العدالة الانتقالية والمحاسبة، وهو الدور المنوط أن تقوم به لجنة العدالة الانتقالية فى مؤتمر الحوار الوطنى.

 

ما أود قوله أن النموذج اليمنى فى الانتقال الديمقراطى ليس بدعة أو طفرة فى مجال التحول الديمقراطى كما يتندر البعض، بل سبقته نماذج كثر استفاد كل منها من الآخر، فالنموذج التشيلى الذى استشهدتُ به استفاد من التجربة الأرجنتينية على سبيل المثال، حتى إن اليمن ُخطاه تبدو أسرع. لذا وإن كانت الروح الثورية بداخلى قد تمنت وحلمت بنموذج مختلف، فإن التحليل الموضوعى يقتضى ذكر الحقائق كما هى والتعامل مع الواقع.

 

●●●

 

وأخيرا لا يمكن لأحد إنكار حقيقة أنه وفق هذه القرارات جرى استبعاد رموز النظام السابق ممن لم نكن نحلم قبل 2011 أن نرى «يمن» دونهم، وأن المحاسبة قادمة بأشكال أخرى بصورة انتقالية لا انتقامية أو انتقائية مهما طال الزمن، ولنا فى النماذج السابقة أسوة أخرى، ويبقى كل التفاؤل مرهون بصدق وجدية النوايا، لذا فالنضال مستمر خاصة مع بقاء ثكنات لقوى رجعية أخرى تعرقل بناء الدولة المدنية، ويجب أن يعى الجميع ألا نجاة إلا باستبعادها أيضا.

 

 

 

باحثة وأكاديمية يمنية

وسام أبوبكر باسندوه باحثة واكاديمية يمنية
التعليقات