حلول جديدة لأزمة اللاجئين السوريين - من الفضاء الإلكتروني «مدونات» - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 9:14 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حلول جديدة لأزمة اللاجئين السوريين

نشر فى : الأحد 20 أغسطس 2023 - 8:25 م | آخر تحديث : الأحد 20 أغسطس 2023 - 8:25 م
أحد أهم المعضلات التى تواجه اللاجئين واللاجئات هى مشكلة التمويل، وبلا شك انخفضت المساعدات الدولية مؤخرا بسبب الحرب الروسية ضد أوكرانيا. فى ضوء ذلك، نشرت مدونة ديوان التابعة لمركز كارنيجى مقالا لوزير الخارجية الأردنى الأسبق مروان المعشر، اقترح فيه حلا غير تقليدى لمواجهة مسألة شح التمويل، هذا الحل يتمثل فى مقايضة ديون الدول المضيفة مقابل استخدام العائدات من خدمة الدين للإنفاق على اللاجئين واللاجئات، وتوفير حياة كريمة لهم... نعرض من المقال ما يلى:
وصلت معاناة اللاجئات واللاجئين السوريين، خاصة فى دول الجوار، أى الأردن ولبنان وتركيا، إلى مستويات غير مسبوقة. يبلغ عددهم قرابة 7.5 مليون نسمة، منهم 3.5 مليون فى تركيا، و1.5 مليون فى لبنان و1.4 مليون فى الأردن بحسب إحصائيات تلك الدول. لكن سنتناول هنا قضية اللاجئات واللاجئين السوريين فى الأردن تحديدًا، وإن انطبقت حالتهم فى أمور عدة على مثيلاتها فى الدول الأخرى.
تتمثّل المعضلة الأولى فى أن حجم المساعدات الدولية لهؤلاء اللاجئات واللاجئين انخفضت بشكل كبير فى السنوات الأخيرة، وذلك نتيجة تحويل الكثير من هذه المساعدات إلى أوكرانيا، إضافةً إلى ظاهرة «إرهاق المانح» وهى ظاهرة معروفة فى أوساط الدول المانحة، التى يخف حماسها لتقديم مثل هذه المساعدات مع مرور الزمن. وقد بلغ هذا الانخفاض حدودًا أصبح من الصعب معها حتى تقديم الغذاء بعد فترة وجيزة.
تطلب الدول المانحة من الأردن أن يوفر العجز الكبير فى هذه المساعدات من موازنته، وهو أمر صعب للغاية، إن لم يكن مستحيلًا. لقد قدّم الأردن فوق ما يستطيع فى هذا المجال، واستضاف عددًا يقارب 15 فى المائة من سكانه، وهذا عبء كبير لا تستطيع دول غنية القيام به، فما بالك دولة كالأردن فاق الدين العام فيها مائة فى المائة، وبلغ حجم البطالة فيها حوالى 23 فى المائة.
المعضلة الأخرى هى قصور القانون الدولى فى هذا المجال، إذ إن بروتوكول الأمم المتحدة الخاص بتنظيم أمور اللاجئين حول العالم، والذى أُقر العام 1951، يفرض على الدول المضيفة المجاورة استقبال اللاجئات واللاجئين من دون تحديد العدد، ولكنه لا يفرض على الدول المانحة أى مبالغ ملزمة لضمان حياة كريمة لهم. بمعنى آخر، فإن المساعدات الدولية هى «منة» من تلك الدول، تمنحها وتحجبها كما تشاء، بينما استضافة الدول المجاورة للاجئين واللاجئات «مسئولية» لتلك الدول بغض النظر عن قدراتها المالية.
صحيحٌ أن الأردن لم يصادق على هذا البروتوكول، ولكنه لا يمكنه إغفاله أيضًا. وقد تقدّم الأردن بخطط وطنية عدة للتعامل مع الاستضافة السورية، لكن من الواضح أن قدراته لا تسمح بأى حال من الأحوال أن يفعل أكثر من ذلك.
ثمة أمر ثالث لا يتم الحديث عنه بإسهاب، وهو أن البروتوكول الأممى ذاته لا يسمح بالعودة غير الطوعية للاجئين واللاجئات، ومن يفعل ذلك من الدول يخالف القانون الدولى. ولقد خرج الكثير من المسئولين اللبنانيين والأتراك بوعود انتخابية لتنفيذ مثل هذه العودة القسرية، وكلها مخالفة للقانون الدولى. لم يفعل الأردن ذلك، فبالرغم من عدم مصادقته على البروتوكول المذكور، فإن طبيعة النظام الأردنى الإنسانية لا تسمح بذلك، كما أن الأردن المتلقى للكثير من المساعدات الخارجية لا يستطيع الدخول بمثل هكذا مجازفة من شأنها أن تؤثر على مجمل علاقاته مع الدول المانحة.
ثمة عامل هام جدًّا لا يتم تسليط الضوء عليه بما فيه الكفاية، وهو أن جلّ اللاجئات واللاجئين السوريين لا يرغبون فى العودة طالما لم يضمن لهم النظام السورى عدم التعرض لهم. وقد أظهرت استطلاعات أخيرة للرأى أن 97 فى المائة منهم فى الأردن و92 فى المائة منهم فى لبنان لا يرغبون فى العودة تحت الظروف الحالية. هذا بالإضافة إلى أن النظام السورى لا يرغب فى عودتهم، لأن جلّهم ضده، وقد هرب معظمهم من هذا النظام فى أول سنوات الحرب.
تظهر الدراسات الدولية بوضوح أن عودة اللاجئات واللاجئين إلى بلادهم فى كافة دول العالم تواجه مصاعب عدة، وهى عودة ليست مضمونة على الإطلاق، وتدل على ذلك أمثلة كثيرة كاللاجئات واللاجئين الفلسطينيين ونظيراتهن ونظرائهم من الحرب الباكستانية الهندية. فى الأردن، لم يعد أغلب اللاجئات واللاجئين العراقيين إلى بلادهم حتى بعد مرور عشرين عامًا على انتهاء الحرب.
إذًا، تواجه الدول المضيفة، ومنها الأردن، وضعًا صعبًا للغاية، فهى لا تستطيع زيادة مساعداتها من مواردها المالية للاجئين، كما لا تستطيع ترحيلهم أيضًا، كما أن استيعابهم فى الاقتصاد المحلى يواجه صعوبات اقتصادية وسياسية، علاوةً على أن استدامة وضعهم الحالى يخلق مشاكل إنسانية وسياسية واقتصادية وأمنية.
ما العمل إذا؟ ثمة حاجة إلى حلول خلاقة من شأنها تلبية احتياجات كافة الأطراف، بما فى ذلك الدول المضيفة. من هذه الحلول التى تستحق الدراسة بجدية من المجتمع الدولى هو النظر فى إمكانية مقايضة الديون الأردنية، يتم من خلالها تخفيض الديون المترتبة على الأردن للعالم الخارجى بنسبة معينة تتيح للأردن استخدام العائدات المتوفرة من خدمة الدين للإنفاق على اللاجئين واللاجئات والمجتمعات المحلية. وبهذا، يستفيد الأردن على المدى الطويل بتخفيض ديونه، وتتوفر له موارد إضافية يستطيع استخدامها لرفع مستوى معيشة المجتمعات المحلية الأردنية وتوفير حياة كريمة للاجئين واللاجئات والاستفادة من بعض خبرات العمالة السورية، بشكل يزيد من حجم الاقتصاد الأردنى ولا يؤثر على العمالة الأردنية.
إن اقتراحًا كهذا يشكل أحد الحلول التى قد تعالج بعض عناصر المشكلة إن لم يكن كلها. بالطبع، يتعيّن على المجتمع الدولى تجاوز موقفه التقليدى بأن وضع الأردن الاقتصادى لا يتيح له تخفيض دينه. إن معضلة اللاجئات واللاجئين تحتاج لحلول جديدة، وقد يكون هذا أحدها. أما إصرار المجتمع الدولى على تحمّل الأردن وحده الأعباء الناتجة عن تخفيض المساعدات الدولية المقدمة للاجئين واللاجئات من دون تقديم فوائد له فلن يأتى بنتيجة.

النص الأصلى:

التعليقات