لا انتقال دون عدالة ولا وطن بلا مصالحة - وسام أبوبكر باسندوه - بوابة الشروق
الخميس 4 يوليه 2024 6:33 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا انتقال دون عدالة ولا وطن بلا مصالحة

نشر فى : الإثنين 21 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 21 يناير 2013 - 8:00 ص

تهدف قوانين العدالة الانتقالية لتحقيق انتقال ديمقراطى آمن للدول التى خرجت من جراء حروب أهلية أو ثورات على أنظمة استبدادية وغيرها، بحيث تسوى ملفات القتل والقتل المضاد والثأر والانتقام وكافة انتهاكات حقوق الإنسان دون إجحاف بحقوق الضحايا، وفى هذه الحالة يتوافق الجميع على أنهم لن يربحوا ويحققوا كل شىء، بل سيُقدِم الجميع تنازلات فى سبيل أن تمضى البلاد للأمام بشكل آمن. لكن هذا لا يعنى بأى حال من الأحوال أن يُعفى القتلة من كل جرم وأن يبقى الضحايا يتألمون إلى ما لا نهاية، بالتأكيد هذا يتنافى وروح قانون العدالة الانتقالية، بل هو تكريس لتفوق المستبد بما لايزال يملكه من عناصر قوة على الأرض، أهمها أنه قادر على تفجير الأوضاع.

 

•••

 

شهد اليمن خلال الأسبوع الماضى نقاشات حادة حول قانون «المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية»، الذى أحاله السيد الرئيس إلى البرلمان لمناقشته وإقراره. وهنا تنبغى الإشارة إلى أن البرلمان اليمنى بتركيبته الحالية والذى مازال حزب الرئيس السابق على عبدالله صالح يستحوذ على أغلبيته، وهذا من تجليات انفراد الثورة اليمنية، فما أبدع أن يكون النظام السابق هو من يملك أغلبية المصادقة على التشريعات والقوانين، إذن ماذا بقى للثورة والثوار، ببساطة وكأن ثورة لم تقم وكأن شيئا لم يتغير.

 

ربما هذا ما يبرر إحالة القانون بهذه الصيغة التى أثارت حفيظة شباب الثورة وأهالى الشهداء والجرحى والمخفيين قسريا، وانتفضت لها أحزاب اللقاء المشترك وهددت بالانسحاب من الحكومة لو ُأُقِر القانون، كما سبق وانسحبت من جلسات البرلمان. بينما شجع وأيد حزب المؤتمر الشعبى العام القانون كما هو.

 

•••

 

الخلاف الجوهرى فى القانون المثير للجدل هو حصره زمنيا بعام واحد وتحديدا من 1 يناير 2011 وحتى 21 فبراير 2012، وقصره على ضحايا الانتهاكات خلال الثورة السلمية، فى حين يتجاهل انتهاكات النظام التى سبقت هذا التاريخ وأهمها ضحايا حرب صيف 1994. وهنا تكمن المشكلة، فإذا كانت الدولة اليمنية  مهددة بوحدتها الاندماجية، فهل المطلوب أن يُطمئن الجنوبيون بنيل كامل حقوقهم فى ظل النظام الجديد، أم أن يستمر مسلسل التهميش والتجاهل؟ ولمصلحة من؟ لمصلحة القتلة الذين يبدوا أنهم الضلع الأقوى والأهم الذى استُرضِى بهذا القانون، أو ربما لأن الشركاء فى الدم كثر، ومنهم متنفذون اليوم بطبيعة الحال فكان من المهم أن يصاغ القانون بهذه الطريقة.  لقد عطّل هذا القانون كل عناصر العدالة الانتقالية. على أقل تقدير كان ينبغى أن يتزامن مع قانون الحصانة الذى ُمنِح لصالح، فكما وهب حصانة بطول مدة حكمة، دعوا العدالة الانتقالية تمتد بنفس الزمن، على الأقل لمعرفة ما جرى من انتهاكات ومعالجتها، وحفظ الذاكرة الوطنية.

 

الأعجب أن يصرح الدكتور محمود المخلافى وزير الشؤون القانونية عن رفضه للقانون بالصيغة الحالية، حيث جرى حذف العديد من البنود المهمة التى تضمنها القانون الذى أعدته وزارته بهذا الصدد، حتى أن وزارته التى هى معنية بشكل مباشر بهذا القانون لم تطلع على هذه التعديلات أو تُستشر فيها، ويبدو هذا حال رئيس الحكومة أيضا.  وهذا يؤكد ما كنا قد أشرنا إليه فى مقال الأسبوع الماضى عن غياب دولة المؤسسات، وربما دولة الثورة والعدالة.

 

•••

 

هل يعتقد الرئيس أن مثل هذا القانون وما أثاره سُيهيئ الأجواء لطاولة حوار وطنى حقيقية، أو هل من المعقول أن يقنع الأطراف الرافضة للانخراط فى الحوار والمشككة فى جديته، أم يؤكد شكوكهم؟ القتلة فقط من ينامون قريرى العين فى الوطن بينما تتصاعد عذابات المظلومين. إنهم يريدون تحقيق انتقال ديمقراطى وغلق الملفات دون عدالة، وهو ما لا يتسق مع الخبرات والتجارب الدولية، تماما كما أنه لا يمكن الحفاظ على الوطن دون مصالحة، لقد نسوا أو تناسوا أن الشعب فى الجنوب الذى صمت على الظلم لأكثر من 10 سنوات عاد وانتفض لأنه لم ينال حقوقه ولم يقبل التهميش، وأن الشعب فى عموم البلاد ثار وانتفض لأنه لم يجد العدالة الحقيقية التى وعد بها على مدى ثلاثة عقود. مفتاح الانتقال الديمقراطى الحقيقى هو تحقيق العدالة والمصالحة الحقيقية التى أبسط بنودها الاعتراف بالذنب.

 

 

 

كاتبة من اليمن

وسام أبوبكر باسندوه باحثة واكاديمية يمنية
التعليقات