التحرش ثقافة شعب - أمل أبو ستة - بوابة الشروق
السبت 11 يناير 2025 6:52 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التحرش ثقافة شعب

نشر فى : الجمعة 21 مارس 2014 - 6:15 م | آخر تحديث : الجمعة 21 مارس 2014 - 6:15 م

دعني أبدأ عزيزي القارئ، وحديثي هنا للسيدات والسادة على السواء، بدعوتك إلى الإجابة عن الأسئلة التالية:

إذا جاءتك أمك أو أختك أو ابنتك أو زوجتك تشتكي إليك من تعرضها للتحرش لا قدر الله، هل ستسكتها باعتبار أنه لا يصح لامرأة محترمة أن تتحدث في مثل هذه المواضيع؟ هل ستبادر بإلقاء اللوم عليها باعتبارها تتحمل المسئولية كاملة أو حتى جزء من المسئولية عما حدث لها؟ لو حاولت هي التحدث إلى آخرين عما حدث لها بهدف مساعدتها للقصاص من المتحرش أو بهدف البحث عن دعم نفسي، هل ستنهاها عن ذلك؟ هل ستثنيها عن محاولة القصاص لحقها من الجاني؟ هل ستعزف عن مساعدتها لأخذ حقها منه إذا طلبت منك ذلك؟

إذا كانت إجابتك بنعم عن أي من الأسئلة السابقة فيؤسفني أن أطلعك على خبر سئ، وهو أنك مسئول مسئولية غير مباشرة عن تفشي مرض التحرش في مصر.

دعني أولا أؤكد لك عزيزي القارئ أن التحرش الجنسي جريمة مثل أي جريمة في الوجود، الجاني فيها هو مرتكبها بغض النظر عن الأسباب المؤدية إليها. فالجاني في جريمة القتل هو القاتل وليس المقتول حتى وإن كان المقتول يسير في شارع هادئ ومظلم بعد منتصف الليل. عدم اتخاذ المقتول حذره لا يمكن بأي شكل من الأشكال إن يقلل من شأن الجريمة أو يقودنا إلى لوم المقتول واعتباره مسئول عن مقتله.

إذا تم سرقة سيارتك فالجاني هو السارق. ولن يغير من الأمر شيثا إن كنت شخصا حذرا فقمت بترك سيارتك في الجراج وغطيتها بغطاء السيارات أو كنت شخصا مهملا فتركت سيارتك ليلا في شارع جانبي ونسيت الباب مفتوحا. في كلتا الحالتين هناك جاني واحد وهو السارق وهناك مجني عليه واحد وهو أنت. قد يلومك من حولك على إهمالك في الحالة الثانية ولكنه يصبح من العبث أن يحاول أحدهم أن يقدمك إلى العدالة بتهمة سرقة السيارة أو حتى تهمة تسهيل المهمة على السارق. وهكذا فإن لومك جائز وقد يكون ضروريا ولكنه يظل بمعزل عن الجريمة الأساسية التي قام السارق بارتكابها ولا يصح بأي حال من الأحوال الخلط بين المسألتين.

نفس المنطق يسري على جريمة التحرش الجنسي. المجرم الوحيد في حالة وقوع جريمة التحرش هو المتحرِش وليس المتحرَش بها. التفتيش عن زي المرأة في محاولة لتبرير جريمة التحرش هو عمل ينافي المنطق ويصرف النظر عن الجريمة والمجرم ويقع تحت بند لوم الضحية. المرأة ليست المسئولة عن التحرش بها. المرأة التي تعرضت إلى التحرش هي ضحية لجريمة تماما مثلما أن المقتول ضحية جريمة القتل والمسروق ضحية جريمة السرقة. والجاني في أي جريمة دائما له أسبابه التي قد يعتبرها البعض مبررات لارتكاب الجريمة ولكنه يظل الجاني وتظل المحاسبة مطلوبة.

قد يلوم البعض ضحية التحرش على طريقة لبسها الضيق أو القصير أو الكاشف، ولكن هذه قضية يجب مناقشتها بمعزل عن القضية الأساسية وهي الجريمة التي تم ارتكابها. ويجب أن نعي تماما أن رأي كل منا في ماهية الزي المناسب يختلف باختلاف مرجعياتنا الدينية والعقائدية والثقافية. وبالتالي قد تطول مناقشتنا لهذا الأمر وننتهي إلى أن نتفق على ألا نتفق. ويجب أن نعي أيضا أنه حتى وإن اتفقنا على أن هناك خطوطا عريضة من المعايير المجتمعية والثقافية التي يجب أن تراعيها كل فتاة عند اختيار ملابسها، فلا يمكن أبدا أن نقبل بارتكاب جريمة ضد من تخرق تلك المعايير ونعتبر هذا الخرق مبررا للجريمة.

قد يساعد أن تعرف أن جرائم التحرش تطال المرأة بغض النظر عن ملبسها وأن المنقبة والمحجبة والسافرة جميعهن يتم التحرش بهن في مصر. فطبقا لبحث نشرته وكالة رويترز في أواخر 2012، فإن 99.3% من المصريات اللاتي تضمنتهن عينة البحث أفدن أنهن يتعرضن للتحرش. ثم عاد المركز الديموجرافي المصري – وهو مركز حكومي – ليؤكد نفس النسبة في دراسة لاحقة في 2013. في قول آخر، فإن جميع أفراد أسرتك من النساء غالبا يتعرضن للتحرش. وقد يفيد أيضا أن تعرف أن نسبة التحرش في أوروبا حيث التحرر في الملبس أقل عنها بكثير في مصر. فطبقا لتقرير نشرته جريدة الجارديان، فإن تلك النسبة تنخفض إلى 40% في بريطانيا.

لكن لماذا يتفشى وباء التحرش الجنسي بهذا الشكل المخيف في مصر؟

نلوم زماننا والعيب فينا ... وما لزماننا عيب سوانا

لخص لنا الإمام الشافعي الداء والدواء في هذا البيت الموجز.

فطبقا لآخر تقرير عن ظاهرة التحرش في مصر نشره موقع "خريطة التحرش" HarassMap فإن أسباب المشكلة وحلها ينحصر في ثلاثة أبعاد: الأول يتعلق بتوافر الأمن العام وبالتالي فإن الدولة بأجهزتها تتحمل المسئولية. ولكن يطلعنا التقرير على أنه في بعض الأحيان يتواجد أفراد الشرطة في موقع الجريمة ولا يفعلون شيئا وفي أحيان أخرى يقومون هم بارتكاب جريمة التحرش. وبالتالي فإن مطلب الثورة في إعادة تأهيل الداخلية هو مطلب محوري إن أردنا القضاء على ظاهرة التحرش.

يتعلق البعد الثاني بدور وسائل الإعلام التي تشكل الوعي العام وخاصة عند الأطفال وبالتالي يصبح شرح جريمة التحرش وتجريمها ووصمها واجب على من يعملون في هذا المجال.

أما البعد الثالث، والذي وصفه التقرير بالبعد الأهم، يتعلق بتقبل عام مجتمعي لجريمة التحرش، وبثقافة مجتمع تهوِن من جرم فعل التحرش وتلوم ضحيته وتبحث عن مبررات لمرتكبه، مما يدفع الضحية للسكوت على الجريمة اتقاء للوم وخوفا من التقريع. وفي رأيي مثل هذه الثقافة ترتبط ارتباطا وثيقا بثقافة ذكورية سائدة تمارس الظلم ضد المرأة بدءا من النظر إليها نظرة دونية وقاصرة ووصولا إلى التميز ضدها في التعليم والعمل والمعاملة. وجدير بالذكر أن المرأة تشارك في ترسيخ تلك الثقافة وإعادة إنتاجها من خلال ممارسة نفس صور الظلم ضد النساء الأخريات.

وهكذا فإن التقرير يؤكد على أن تغيير مثل هذه النظرة المجتمعية المتقبلة للتحرش يقع على عاتقنا جميعا. تصرفاتنا وردود أفعالنا إزاء المتحرش وضحيته لهم دور كبير في زيادة حجم المشكلة أو القضاء عليها. عسكري الداخلية الذي يرى التحرش ولا يحرك ساكنا مسئول. المذيع الذي يعلق على حادثة تحرش ويلوم الضحية مسئول. رئيس الجامعة الذي لا يجرم المتحرش بقوة ويختار أن يحول الأنظار إلى تحليل ملابس الفتاة المتحرش بها مسئول. أنت مسئول حينما تكون في موقع رد الفعل على موقف مشابه. فماذا قررت أن تفعل لتحمي نفسك وعائلتك من مجتمع استشرت فيه تلك الظاهرة المخجلة؟

أمل أبو ستة حاصلة على دكتوراه فى أبحاث التعليم من جامعة لانكستر بانجلترا
التعليقات