نشر الكاتب بيتر بينارت مقالا بتاريخ 21 مارس 2022 على مدونته الشخصية (ذا بينارت نوت بوك)، تحدث فيه عن دعم منظمة إيباك لسلطوية الحزب الجمهورى فى أمريكا والمتمثلة فى منع وصول الأشخاص الملونين لصناديق الاقتراع وإنكار نتائج الانتخابات الرئاسية 2020، وذلك لإيمان المنظمة بأن وصول الحزب الجمهورى لسدة الحكم يمثل دعما غير مشروط لإسرائيل.. نعرض من المقال ما يلى.
يوم الجمعة الماضى، أصدرت لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية «إيباك» ــ جماعة ضغط مؤيدة لإسرائيل ــ بيانًا لا شك فى أن المؤرخين سيدققون فيه لعقود قادمة. هذا البيان يجادل بأنه من أجل الحفاظ على دعم الولايات المتحدة لقدرة إسرائيل على الحكم غير الديمقراطى للشعب الفلسطينى، يجب على إيباك دعم السياسيين الذين يسعون إلى حكم الشعب الأمريكى بشكل غير ديمقراطى. باختصار، الاستبداد الإسرائيلى بالشعب الفلسطينى يتطلب دعم استبداد الساسة الأمريكيين بالشعب الأمريكى.
يأتى ذلك ردًا على الانتقادات التى تلقتها المنظمة لتأييد 37 عضوًا فى الكونجرس صوتوا ضد التصديق على فوز جو بايدن كرئيس. بدأ بيان إيباك بالإشارة إلى طلب الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى فى خطاب أمام الكونجرس قبل أسبوع تقريبا «دعم الحزبين» لإنقاذ أوكرانيا من «حرب الانقراض». والرسالة واضحة: بما أن إسرائيل تواجه أعداء وجوديين، فهى أيضًا بحاجة إلى دعم من الحزبين.
لكن التشبيه فيه مغالطة، ومن ثم هناك بعض الحروف التى ينبغى أن تستقر فوق حروفها. أوكرانيا تحت الاحتلال الروسى. إسرائيل ليست تحت الاحتلال الفلسطينى بل على العكس احتلت إسرائيل أراضٍ بالقوة عام 1967 وفرضت على سكانها الفلسطينيين قانونًا عسكريًا فى الضفة الغربية وحصارًا اقتصاديًا على قطاع غزة. زيلينسكى يحاول حماية المواطنات والمواطنين الأوكرانيين من روسيا، الأمر الذى يجعلهم رعايا لقوة احتلال، بينما تحاول «إيباك» حماية قدرة إسرائيل ــ كقوة احتلال ــ على حكم الرعايا الفلسطينيين. إنه ليس تشبيهًا فى محله على الإطلاق.
ولكن أكثر ما يكشف عنه البيان ليس وجهة نظر إيباك تجاه أوكرانيا بل وجهة نظر إيباك تجاه الولايات المتحدة. فعلى مدى عقود، وصفت منظمة إيباك ومنظمات يهودية أخرى علاقة أمريكا بإسرائيل بأنها متجذرة فى «القيم الديمقراطية» المشتركة. لكن هذا البيان لا يقول شيئا عن ذلك! فإيباك تجادل بأنه من أجل الحفاظ على الدعم الأمريكى لإسرائيل، يجب عليها دعم السياسيين الذين حاولوا قلب الانتخابات الديمقراطية الأمريكية فى 2020.
ومع ذلك، احتج بعض القادة اليهود ضد هذا التحول. أحد القادة قال إن «أمن إسرائيل يعتمد على كون أمريكا ديمقراطية قوية». كما حذر هالى سويفر، الرئيس التنفيذى للمجلس اليهودى الديمقراطى الأمريكى، من أن «العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل لا يمكن تعزيزها على حساب الديمقراطية الأمريكية». لكن إيباك لا تصدق ذلك. إيباك ترى أن الديمقراطية الأمريكية ــ بعيدًا عن كونها حجر الزاوية فى الدعم الأمريكى لإسرائيل ــ تشكل تهديدًا متزايدًا لها. فكلما نجحت الديمقراطية الأمريكية فى الصمود أمام الهجوم الذى شنه عليها الحزب الجمهورى فى عهد ترامب، كلما أصبح التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل معرضًا للخطر.
• • •
لنلقِ نظرة على هيكل السياسة الأمريكية؛ أغلبية الحزب الجمهورى من البيض بينما الحزب الديموقراطى متعدد الأعراق. وبالرغم من كل الحديث عن مكاسب الحزب الجمهورى بين ذوى الأصول الإسبانية، إلا أنهم ما زالوا يدعمون جو بايدن على ترامب. ونظرًا لأن الحزب الجمهورى يعتمد بشكل كبير على الناخبين والناخبات البيض، كان ذلك سببا كافيا لعدم فوز الحزب الجمهورى بالتصويت الشعبى فى الانتخابات الرئاسية منذ عام 2004.
الحزب الجمهورى يستجيب لهذه المشكلة من خلال محاولة التأكد من أن الأمريكيين والأمريكيات غير البيض لا يمكنهم ترجمة أعدادهم المتزايدة إلى قوة سياسية. لذلك أقرت المجالس التشريعية للولايات التى يهيمن عليها الحزب الجمهورى قوانين تجعل من الصعب على الأشخاص الملونين التصويت. كما أعلنوا أنهم سيستخدمون مزاعم تزوير الانتخابات لإلغاء أى انتخابات رئاسية تدفع الحزب الديمقراطى للفوز. وبناء عليه، سيكون عمل إيباك أسهل بكثير إذا نجحت هذه الجهود الجمهورية لأن الناخبات والناخبين الجمهوريين من المرجح أن يؤيدوا الدعم الأمريكى غير المحدود لإسرائيل. فعلى مدى السنوات العشرين الماضية، انقسم الرأى العام الأمريكى بشأن الصراع الإسرائيلى الفلسطينى بشكل كبير على أسس حزبية. ويعتقد غالبية الديمقراطيات والديمقراطيين أن حل الصراع الإسرائيلى الفلسطينى يتطلب المزيد من الضغط الأمريكى على الدولة اليهودية.
إذن، إذا كانت وظيفة من هم فى السلطة هى ضمان الدعم الأمريكى شبه غير المشروط لإسرائيل، فإن هذه الوظيفة أسهل بكثير مع وجود الحزب الجمهورى فى السلطة. وبما أن أفضل طريقة لضمان تمسك الحزب الجمهورى بالسلطة فى مواجهة التغيرات الديموغرافية هى جعل أمريكا أقل ديمقراطية، فإن جعل أمريكا أقل ديمقراطية يخدم قضية إيباك. وكما يوضح بيان إيباك، فإن المنظمة تحكم على السياسيين «على أساس شىء واحد فقط: ما إذا كان المرشح السياسى يدعم العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل». لذا يضع قادة «إيباك» جانبا أى ارتباطات عاطفية لديهم بالديمقراطية الأمريكية ويدعمون المرشحين والمرشحات الأكثر التزاما بمنح الحكومة الإسرائيلية شيكا على بياض. بالنسبة لإيباك، فإن أمريكا الأكثر سلطوية هى أمر جيد لها.
• • •
ليس من قبيل المصادفة أن تدعم إيباك الحزب الجمهورى الذى يهدد الديمقراطية الأمريكية فى نفس الوقت الذى تتخلى فيه الحكومة الإسرائيلية عن توفير حقوق ديمقراطية لملايين الفلسطينيات والفلسطينيين المحرومين فى الضفة الغربية والذين يعيشون تحت سيطرتها. الحزب الديمقراطى أصبح أكثر نفورًا بسبب التعصب الإسرائيلى الممنهج ضد الشعب الفلسطينى. على النقيض من ذلك، فإن الحزب الجمهورى لا يقلق كثيرًا بشأن العنصرية النظامية فى أمريكا وبالتالى ليس من المستغرب أنهم أقل انزعاجًا من التمييز الإسرائيلى ضد الشعب الفلسطينى وأكثر قلقًا من أن الجهود المبذولة للتراجع عنه ستضعف أو حتى تدمر الدولة اليهودية. كما أصبح من الشائع سماع أنصار إسرائيل يشجبون المقارنات بين محنة الشعب الفلسطينى ومحنة السود وغيرهم من الأمريكيات والأمريكيين ذوى البشرة الملونة. لكن، فى الحقيقة، تشكّل المقارنات بين إسرائيل والولايات المتحدة الطريقة التى يرى بها أعضاء الحزبين الدولة اليهودية. فإسرائيل تمارس بفخر سلطة الدولة للحفاظ على طابعها الديمغرافى. وهذا يجعلها نموذجًا لأمريكا يريده كثير ممن ينتمون للحزب الجمهورى ويخشاه العديد ممن ينتمون للحزب الديمقراطى.
كلمة أخيرة، إن جهود الحزب الجمهورى لحرمان الأشخاص الملونين من حق التصويت لن تدعم فقط دعم الولايات المتحدة لإسرائيل بل سيجعل الولايات المتحدة أشبه بإسرائيل. وهذا ما تقاتل لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) من أجله: تحالف أمريكى ــ إسرائيلى مبنى على القيم الاستبدادية المشتركة المتمثلة فى التفوق العرقى والدينى وعدم المساواة بموجب القانون!
لكن هذا ما يجب على الشعبين الإسرائيلى والأمريكى محاربته.
ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلي