استخدام تهمة معاداة السامية كسلاح - من الفضاء الإلكتروني «مدونات» - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 12:18 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استخدام تهمة معاداة السامية كسلاح

نشر فى : السبت 24 يونيو 2023 - 7:15 م | آخر تحديث : السبت 24 يونيو 2023 - 7:15 م
نشرت مدونة ديوان التابعة لمركز كارنيجى مقابلة أجراها الكاتب مايكل يونج مع كل من جيوفانى فاسينا ــ مدير المركز الأوروبى للدعم القانونى والذى يقدّم الدعم للأفراد والمجموعات المعاقبين بسبب دفاعهم عن حقوق الشعب الفلسطينى ــ وأليس غارسيا ــ تعمل فى مجال المناصرة فى قضايا متعلقة بإسرائيل وفلسطين منذ العام 2015. ناقشا لما يعارضان مصطلح «معاداة السامية»، وكيف يحارب المصطلح الأشخاص المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطينى... نعرض من المقابلة ما يلى:
مايكل يونج: ما الذى تعارضانه بالتحديد فى تعريف التحالف الدولى لإحياء ذكرى الهولوكوست لمعاداة السامية؟ وما هدفه من هذا التعريف؟
جيوفانى فاسينا وأليس غارسيا: معاداة السامية آفة، ولا بدّ من مواجهتها، لكن بالوسائل والأدوات المناسبة. الأكيد أن تعريف التحالف الدولى لإحياء ذكرى الهولوكوست لمعاداة السامية لا يقدّم أى وسيلة مماثلة. علاوة على ذلك، تُظهر أبحاثنا أن التعريف يهدف إلى حدّ كبير إلى قمع الأشخاص المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطينى بهدف إسكات الانتقادات الموجهة للسياسات والممارسات الإسرائيلية.
لم يُحضّر التحالف الدولى لإحياء ذكرى الهولوكوست هذا التعريف، فقد أتى نتيجة جهود متضافرة بذلها منذ مطلع القرن الحادى والعشرين أفراد ومنظمات متحالفون مع الحكومة الإسرائيلية، من أجل إعادة تعريف مفهوم معاداة السامية بطريقة تُبعد الانتقادات الموّجهة لإسرائيل على خلفية انتهاكها حقوق الإنسان وأعمال القمع العنيفة ضدّ الشعب الفلسطينى.
• • •
يونج: ما العملية التى استند إليها التحوّل المطرد فى تعريف مفهوم معاداة السامية ليشمل أى انتقادات موجهة لإسرائيل؟ وكيف يمكن التعامل مع واقع أن مؤرخين وكتّاب يهود هم من بين أشدّ منتقدى السياسات الإسرائيلية؟
فاسينا وغارسيا: صحيحٌ أن التحالف الدولى لإحياء ذكرى الهولوكوست بحدّ ذاته لم يتبنّ الأمثلة التى تطرح إشكالية على الإطلاق، إلا أنها تُستخدم راهنا فى مؤسسات، مثل الاتحاد الأوروبى، على أنها جزء من التعريف، ويُعتبر ذلك حصيلة سنوات من الضغوط التى مارسها داعمو نظرية «معاداة السامية الجديدة».
على الصعيد الدولى، تشمل الجهات التى تنتقد السياسات الإسرائيلية أفرادا ومنظمات من خلفيات متنوعة من جميع أنحاء العالم. لا شكّ أن تاريخ إسرائيل يترابط مع التاريخ اليهودى فى نقطة ما، وبالتالى من غير المفاجئ أن يفكّر المؤرخون والكتّاب اليهود ويكتبوا عن إسرائيل بشكل نقدى.
علاوة على ذلك، عبّر عدد من المؤرخين والكتّاب اليهود عن رفضهم لتعريف التحالف لأنه يخلط بين انتقاد إسرائيل ومفهوم معاداة السامية. وفى نوفمبر 2022، حذّر 128 باحثا متخصصا فى أبحاث الهولوكوست ومعاداة السامية والمجالات المتعلقة بها فى رسالة مفتوحة من «عدم حصر الأمم المتحدة فى تعريف مبهم لمصطلح معاداة السامية ويمكن استخدامه كسلاح».
• • •
يونج: نشرتما للتو تقريرا عن تعريف التحالف الدولى لإحياء ذكرى الهولوكوست وكيفية انتهاكه لحرية التعبير. ما النقاط الأساسية التى تعرضانها فى تقريركما؟
فاسينا وغارسيا: يحمل التقرير الذى نشرناه للتو عنوان «قمع مناصرة حقوق الفلسطينيين من خلال التعريف العملى لمعاداة السامية الصادر عن التحالف الدولى لإحياء ذكرى الهولوكوست ــ انتهاك حرية التعبير والتجمّع فى الاتحاد الأوروبى والمملكة المتحدة». يُقدّم التقرير، استنادا إلى 53 حالة استُخدِم فيها تعريف التحالف لاستهداف الأشخاص المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطينى بادّعاءات معاداة السامية التى ثبُت أن لا أساس لها من الصحة، أدلّة على أن هذا التعريف يُطبَّق بطرق تكبح حرية التعبير والتجمّع.
يواجه الأشخاص المدافعون عن الحقوق الفلسطينية الذين يتم استهدافهم، مجموعة من العواقب الظالمة والمؤذية، بما فيها خسارة وظائفهم وتضرّر سُمعتهم، والإقصاء من المجال الأكاديمى أو الوظيفة، وما إلى هنالك. تترك ادّعاءات معاداة السامية، حتى إذا ثبت أن لا أساس لها من الصحة، بصمات لا تُمحى فى حياة الشخص، ومَن يمتلكون الموارد لرفع التحدّى بوجهها عليهم أن يسلكوا دربا قانونيا طويلا وشاقّا للقيام بذلك.
• • •
يونج: هل تريان أى تأثير لتعريف التحالف تحديدا على الدراسات والأبحاث حول الصراع العربى الإسرائيلى أو الفلسطينى الإسرائيلى؟ وإن كان ثمّة تأثير، هلاّ تصفانه؟
فاسينا وغارسيا: ثمة أثرٌ على الباحثين الذين يعملون على هذا الموضوع منذ سنوات عدّة. فالموظفون والطلاب الأكاديميون الذين واجهوا إجراءات تأديبية مروّعة أشبه بمحاكمات مصغّرة، تأثّروا بطرق كثيرة. فقد كان على بعضهم أخذ إجازة مرَضية لأنهم لم يكونوا قادرين على التدريس فى ظل خضوعهم لهذه الإجراءات الطويلة والمرهقة، أو عانوا من مشاكل صحّية. وغادر بعضهم المجال الأكاديمى بسبب ذلك. وانسحب بعضهم الآخر من مواقع التواصل الاجتماعى. وقال لنا آخرون إنهم يمارسون الآن الرقابة الذاتية لتجنّب توجيه اتهامات غير صحيحة إليهم،. وأخبرتنا إحدى الأكاديميات أنها حذفت مقاطع كاملة من كتابها الجديد خوفا من تعرّضها لرد فعل عنيف. يُلحق ذلك أضرارا شديدة بالحرّية الأكاديمية.
فى المملكة المتحدة، تُمارس الحكومة ضغوطا على الجامعات لاعتماد تعريف التحالف. ونتيجة لذلك، أدرجت أكثر من 200 جامعة بريطانية التعريف فى سياساتها، وأُفيد أيضا عن فرض قيود على الحرية والنقاش الأكاديميَّين. وهكذا، أصبح تعريف التحالف سياسة مُلزمة فى جامعات كثيرة، ما أدّى إلى تعرّض الطلاب والموظّفين لإجراءات تأديبية. فى معظم الحالات، يُستهدَف الطلاب والأكاديميون بشكاوى (مجهولة المصدر فى معظم الأحيان) عن معاداة مزعومة للسامية، استنادا إلى مقالات أكاديمية بأقلامهم أو منشورات لهم على مواقع التواصل الاجتماعى. وأحيانا، انطلقت الشكاوى من مجرد قيام الأشخاص بمشاركة منشورات أو «وضع علامة الإعجاب» عليها!
مع تطبيق تعريف التحالف، نشهد تبدّل الجهة التى يقع على عاتقها عبء الإثبات، حيث لم يعد المشتكى ملزما بأن يشرح على أى أساس يُعتبَر سلوكٌ معيّن معاديا للسامية. يكفى أن يشير المشتكى إلى أن منشورا على مواقع التواصل الاجتماعى أو علامة إعجاب على منشور تشكّل انتهاكا لتعريف التحالف كى ينطلق تحقيقٌ تأديبى.
فى ألمانيا أو النمسا، استُبعِد عدد كبير من الأكاديميين من فاعليات وأبحاث، أو أُلغيت الدعوات الموجَّهة إليهم جرّاء ضغوط مارستها مجموعات ادّعت معاداتهم للسامية استنادا إلى تعريف التحالف، ما حدّ من حرّيتهم الأكاديمية، وعلى نطاق أوسع، من حرّية التعبير لديهم. على الرغم من هذا الاتجاه المُقلق، نحن على يقين شديد من أن تدخّلنا القانونى، وتعبئة شبكة تضامن، والعدد الكبير من القضايا التى ربحناها تردع المشتكين المعتادين من مواصلة ادّعاءاتهم التى لا أساس لها من الصحة.
• • •
يونج: هل ثمة خطر بأن تخسر عبارة معاداة السامية معناها تدريجيا إذا جرى توسيع تعريفها إلى حد كبير، نظرا إلى أنها قد تتعرض للتقويض بسبب السجال السياسى المثير للاستقطاب بصورة أساسية؟ بعبارة أخرى، ألن يتفكك الإجماع على مساوئ معاداة السامية عند تحميل العبارة شروطا سياسية؟
فاسينا وغارسيا: يوسّع هذا السؤال نطاق مهمتنا، لكن معارضين كثرا لتعريف التحالف يقولون بالفعل إنه يسىء إلى النضال ضد معاداة السامية ويشتّت الانتباه عن النظريات والجرائم الفعلية المعادية للسامية التى تتّصف بالخطورة الشديدة. فالبعض يقول إنه إذا وجب وضع تعريف لمعاداة السامية، «ثمة تعريفات أفضل من تعريف التحالف، ويمكن استخدامها بالإضافة إليه أو بدلا منه». والبعض الآخر يقول إن تعريف معاداة السامية يجب ألا يضعه اليهود فحسب دون سواهم.
فى حين أن داعمى تعريف التحالف يخلطون، على نحوٍ لا أساس له من الصحّة، بين الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطينى ومعاداة السامية، بغية إسكات الانتقادات الموجهة للسياسات الإسرائيلية، من اللافت أن المعاداة الفعلية للسامية من المتعصّبين لتفوّق البيض والنازيين الجدد يمكن أن «تُعذَر» أو أن يُسمَح بها، أو أن تبقى من دون عقاب. ففى الولايات المتحدة، شهدنا على التحالف الغريب بين إسرائيل والمتعصّبين لتفوّق البيض المعادين للسامية. فى الآونة الأخيرة، قام الوزير الإسرائيلى الجديد لشئون الشتات ومكافحة معاداة السامية بالدفاع عن إيلون ماسك بعدما اتُّهِم باستحضار تعابير مجازية معادية للسامية. أما الفاعليات التى نظّمتها مجموعات فلسطينية وحلفاؤها فى برلين لإحياء ذكرى النكبة فقد حظرتها الشرطة مرّات عدّة، متذرّعة بتعريف التحالف لإضفاء الشرعية على خطوتها.
يمكننا أن نؤكّد، من وجهة نظرنا، أن هذا الاستخدام للمعركة ضد معاداة السامية خدمة لمصالح أجندة الحكومة الإسرائيلية، بما فى ذلك من خلال تعريف التحالف، يولّد نوعا آخر من العنصرية: إنها العنصرية ضد الفلسطينيين التى وصفتها رابطة المحامين العرب الكنديين بأنها «شكل من أشكال العنصرية المناهضة للعرب التى تُسكت الفلسطينيين أو سردياتهم، أو تُقصيهم، أو تمحوهم أو تُلصق بهم صورا نمطية، أو تشوّه سمعتهم أو تجرّدهم من الإنسانية». وتكتسى هذه العنصرية أشكالا مختلفة يعرضها تقرير رائد صادر عن رابطة المحامين العرب الكنديين، من بينها «تشويه سمعة الفلسطينيين وحلفائهم من خلال الافتراء عليهم عبر وصفهم مثلا بأنهم معادون للسامية بطبيعتهم، أو يشكّلون تهديدا إرهابيا أو متعاطفون مع الإرهاب، أو معارضون للقيم الديمقراطية».

النص الأصلى:

التعليقات